ربما يتبادر إلى ذهن القارئ أن ثمة خطأ إملائيا في العنوان، وهنا أؤكد لكم أن كلمة (الآخرين) مقصودة حرفيا، أعطي الآخرين ما تستحقين أن تأخذيه أنت.
قد تكون الجملة غريبة للوهلة الأولى عند قراءتها، لكن عند إمعان النظر والتفكر بها قليلا، نجدها تقودنا إلى قاعدة حياتية اقتنصتها من قول الإمام علي (عليه السلام) في وصية طويلة لابنه الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)، تضم في طياتها عيون الحكم وأبواب السعادة في العلاقات الإنسانية، فأقتبس بعضا مما قاله (سلام الله عليه): "يا بني، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها..."(1)، هذه الوصية ترشدنا بكل جملة فيها، وتضع بين أيدينا أسرار العلاقات المتوازنة السليمة مع الآخرين، والتي من أهمها الشعور بالآخر وباحتياجاته؛ لأن الجميع يشكلون أجزاء متناسقة من صورة واحدة للمجتمع الذي نعيش فيه، فعند وضع الجزء في مكانه الصحيح، فأنه سيقوم بدوره على أكمل وجه، ويأخذ بيد الجميع نحو السعادة.
هناك من يعيش في المجتمع بشكل فردي، وأسلوب تفكير يدور في دائرة نفسه، ويحمل شعار: (أنا، ومن بعدي الطوفان)، فلا يولي أي اهتمام لمن حوله، ولا يبدي المساعدة عند الحاجة إليها، وهذا الأسلوب من أخطر الأمور التي تنخر أساس المجتمع، فيكون هشا غير قادر على مواجهة الصعوبات، فالكل يبحث عن مصلحته الشخصية فقط، ولو تمعنا قليلا في قول أمير المؤمنين (عليه السلام)، فسنجده جعل نفس الإنسان هي الميزان بينه وبين غيره، وعليه نحتاج إلى أن تتساوى كفتا الميزان قدر الإمكان؛ لنخرج من بئر الأنانية المظلم إلى نور الإيثار الساطع، وحب الخير المبهج للجميع، فكل فعل إيجابي يؤثر في النفس الإنسانية بالإيجابية، ويرسم السعادة والتفاؤل، والعكس صحيح.
لنلقي نظرة فاحصة الآن على العنوان (أعطي الآخرين ما تستحقينه)، ونسأل أنفسنا: ما الذي نستحقه من الآخرين، وماذا نريد من المحيطين؟
الإجابة: نستحق الحب، والتقدير، والاحترام، ونريد الاهتمام، والتحفيز لنستمر، ولو أننا منحنا كل ما نستحقه للآخرين، وتبادلنا المشاعر الإيجابية، فكيف سيكون هذا المجتمع؟ قطعا سيكون مجتمعا مفعما بالحب والألفة للجميع، ويخيم على كل مفاصله الهدوء والسكينة، وتلك من فيوضات وصايا الإمام علي (عليه السلام).
........................................
(1) بحار الأنوار: ج72، ص29.