من بيت امتاز بالأنوار الرحمانية، من ثمرة لقاء النبوة والإمامة، بأكمل صروح الطهارة والنقاء، في ذلك البيت الكريم الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه حتى قال (عز وجل): (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) (الأحزاب:33)، هبت نسائم السعادة منه بقدوم وارثة جدها، وأبيها، وأمها، وأخويها (صلوات الله عليهم)، زهرة يانعة تفيض من قلبها رأفة لا حدود لها، حملت منذ نعومة أظفارها نورا سماويا يسير معها أينما سارت، فكانت سليلة سلطان الأنبياء وصاحب الحوض واللواء الرسول محمد (صلى الله عليه وآله)؛ لتصبح فينا السيدة زينب (عليها السلام) تالية الزهراء (عليها السلام)، كبرت في بيت النبي وحجر الوصي (صلوات الله عليهم)، وخلدت في أرواحنا شمسا تضيء عتمة الضيق فينا، وتسد رمق الحاجة ذكراها، كبرت ربيبة الوحي في ذلك البيت تحت رعاية سيدة نساء العالمين (عليها السلام)، وقد غذتها بالكرامة ومحاسن الأخلاق والآداب، وأفرغت عليها أشعة من نورها، فصارت صورة صادقة عن أمها، فلقد حوت سبط الرسول (صلى الله عليه وآله) أروع الصفات والكمالات، محاطة بهالة من التعظيم والتبجيل من أبيها وأخوتها (عليهم السلام)، فكبرت لتكون القمر المنير في ليالي عاشوراء، والسراج المضيء في دروب السبي المظلمة، والصرح الذي ود الأعداء لو أنه انهدم قبل أن يكون موقفه فيهم، فيزلزل أركان ملكهم، ويقلب عليهم الرأي العام، فتخر عروشهم، وترتعد فرائصهم بجزالة قولها، وقوة حجتها، وثبات خطواتها، فما كان من الإمام زين العابدين (عليه السلام) وهو على يقين من علمها اللدني إلا أن يقول لها: "أنت بحمد الله عالمة غير معلمة، وفهمة غير مفهمة"(١)، فهي وليدة الأكارم وأم المكارم؛ لتكون المرأة الأنموذج الذي يحتذى به، لا نظير لها بعد أمها الصديقة الطاهرة (عليها السلام)، شعلة لن تخمد، بل تستمر فينا ما بقينا، وقمة لا تطال.
فالسلام عليك يا منار القدس المحمدي، والإخلاص العلوي، والطهر الفاطمي، والحلم الحسني، والإباء الحسيني.
..............................
(1) الاحتجاج: ج2، ص31.