ها قد بدأت مرحلة جديدة في حياة ولدي الصغير، إنها الأيام الأولى لارتياده المدرسة، وأنا أعدها بداية تعلم النظام، واحترام الوقت، والانضباط بالقوانين، وهي الخطوة الأولى لحياة عملية ناجحة؛ ثم إنها بداية الانفتاح على المجتمع، فبعد خروج ولدي من قوقعة البيت إلى محيط المدرسة، اضطر للتعامل مع المعلمين والأصدقاء، وربما مع السائق وغيره، وكل هذه التعاملات تحدث لأول مرة من دوني، وعلى الرغم من الصعوبات التي قد يواجهها طفلي لأول مرة؛ لكنها ذات فائدة كبيرة لبناء شخصيته والتغلب على مخاوفه، وغيرها الكثير.
ومن الأمور التي تنتج عن هذه المرحلة الحساسة جدًا هي اختيار الأصدقاء والتأثر بهم، فالأصدقاء سلاح ذو حدين، قد يكون بابًا للنجاح والتفوق، وهو وسيلة ناجحة جدًا لرفع مستوى الطالب الدراسي وتعلم أشياء جميلة وجديده، لكن هذا الأمر لا يخلو من الشوائب وكثرة المشاكل التي عانيتها سابقًا مع طفلي الأول الذي أصبح اليوم شابًا مراهقًا، وكانت تجربتي الأولى.
واليوم بحمد الله أصبحت لدي حصيلة لا بأس بها من المفاهيم لتلافي الأخطاء السابقة من جهة، وإعطاء مساحة كافية لتقبل اختيارات طفلي ونصحه وإرشاده من جهة أخرى، إذ لكل مرحلة عمرية طبيعة خاصة بهذه العلاقات؛ فهي تكون سطحية بين (4-8) سنوات، وغالبًا ما تكون متذبذبة، يكثر فيها الزعل والقطيعة، وهذه من السهل التدخل من أجل إيقافها إن لاحظت الأم أنها تسيء إلى صغيرها، وتزداد هذه العلاقة تماسكًا كلما كبر الطفل حتى عمر الرابعة عشرة، وهي مرحلة حرجة جدًا، وتحتاج إلى الكثير من الصبر والمتابعة من قبل الأهل، ثم تأتي بعدها مرحلة جدية وحقيقية، يشعر الأصدقاء فيها بالارتباط الشديد بينهم، حتى أقرب من الأهل، ويصبح الصديق بنظر صديقه بمنزلة الملاك الحارس، وهنا يصبح قطع العلاقة عسير جدًا فيما إذا كانت غير مرضية للأهل، وعندها ينبغي مراعاة عدة أمور قبل الخوض في التخلص من هذه العلاقة، ألا وهي: عدم استعمال الضغط أو القوة مع الأبناء، وعدم الإصرار على قطع هذه العلاقات؛ لأنها تؤدي إلى نتائج عكسية، مع مراعاة عدم إهانة الأصدقاء؛ لأن المراهق يتعصب لأصدقائه وأقرانه، وأن لا نتوقع سهولة التخلص من صديق السوء، لكن يمكن تحقيق ذلك بطريقة غير مباشرة، كتغيير مكان السكن، أوالمدرسة، حتى وسيلة النقل، أو الصف، بحسب المتاح، مع أهمية توفير البديل عن طريق إشراك الطفل في أنشطة جديدة، ودورات تعليمية ورياضية.