منذ أكثر من عام وأنا أحاول محو أثر صغير قد خلفته حادثة في الطفولة في جسدي عن طريق جلسات الليزر والتدخل الجراحي، فكيف تمحى ندوب الكلمات الجارحة التي دبت إلى منتصف القلب إن لم تكن قد مزقت نياطه من شدة وقعها بكل ما تحمله من أذى عميق؟!
جيشوا كل ما أوتيتم من قوة، وتكبد حتى تراعوا مشاعر الناس، لا ندري كم دمعة تذرف عيناه، وكم تحطم كليا من أوذي بسهام الكلام! فمهما بدا صلبا فهو في نهاية المطاف كتلة من المشاعر، إن الروح لتخرم من حرف واحد قاسٍ من أي إنسان ولو عابر سبيل، فماذا لو كان من المقربين؟! ومن الناس من يبدو عليه الأثر، فتراه منكسرا، مهضوما، ومنهم من يكتم حزنه، ليغمر الأسى عينيه، وذاك ما هو أشد مثلما حدث مع نبي الله يوسف (عليه السلام)، مثلما ورد في قوله تعالى: ﴿فأسرها يوسف في نفسه﴾ (يوسف:77) حين اتهمه أخوته بالسرقة من دون علم منهم بأنه هو ذلك الأخ الرباني القديس.
هشاشة الإنسان لا يحميها حقا إلا خالق الإنسان، فنحن لا ندرك ظروف الناس، لكننا ندرك أن الحياة يكفي ما فيها من المآسي، وأنها دار بلاء ليس فيها من الراحة شيئا، فلنسهم في تخفيف الحزن عن الآخرين ولو بابتسامة، أو بكلمة طيبة لن تنقص منا شيئا، بل تثقل ميزان حسناتنا؛ لكونها صدقة مثلما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "الكلمة الطيبة صدقة"(1)، و"تبسمك في وجه أخيك صدقة"(2)، ولن يكلفنا الأمر شيئا، ولا يتطلب تعقيدا، بل هو في غاية اليسر، ومنتهى السهولة، وفي الوقت ذاته هو من أجمل ما يهدى للمرء في المقابل، وأكثره تأثيرا في نفسه، وأسرع ما يمكن أن يجتاح قلبه، وهذه هي أخلاق نبينا (صلى الله عليه وآله)، الأمين رسول الرحمة والإنسانية الذي كان هشا بشا، مفشيا للسلام على كل من يمر عليه ولو كان عدوا يهوديا، فكوني سهلة، لينة، طلقة الوجه، مستبشرة، وتذكري ما نسب إلى أمير المؤمنين (عليه السلام):
واحرص على حفظ القلوب من الأذى فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها شبه الزجاجة كسرها لا يشعب (3)
................................................
(1و2) ميزان الحكمة: ج2، ص١٥٩٧.
(3) ديوان الإمام علي (عليه السلام): ص35.