في لحظات الشدائد والمحن، تتجلّى أسمى معاني الإنسانية والتكاتف، إذ يقف الناس جنباً إلى جنب لمواجهة الصعاب بروح ملؤها العطاء والتضحية، إنّ ما يمرّ به الشعب اللبناني في هذه الأيام العصيبة من جرّاء الاعتداءات الصهيونية الأخيرة يعيد إلى الأذهان مسؤوليتنا الأخلاقية والدينية تجاه إخوتنا في الإنسانية، من هنا جاءت استجابة العتبة العبّاسية المقدّسة بتوجيه من المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف؛ لتجسّد أسمى صور التضامن عبر حملة إغاثية شاملة هدفها ليس فقط توفير الاحتياجات الأساسية للمتضرّرين، بل مدّ جسور الأمل والرحمة في قلوب أنهكتها المآسي، هذه الحملة ليست مجرّد مبادرة إغاثة مؤقتة، بل هي تعبير عن التزام عميق بروح الإخاء والمواساة التي رسّخها الإسلام في نفوسنا؛ لتكون خير سند للمظلومين والمحتاجين.
تفاصيل الحملة وأهدافها
أوضح المتولّي الشرعي للعتبة العبّاسية المقدّسة أنّه تمّ تشكيل لجنة للإغاثة، تعمل على تقديم المساعدات عبر قوافل برّية تنطلق إلى سوريا، وتُقيم مركز إغاثة لتقديم الدعم للنازحين اللبنانيين هناك، بينما تنطلق مجموعة أخرى من القوافل إلى بيروت لإقامة مركز إغاثة العوائل المتضرّرة، إضافة إلى تقديم الدعم الإغاثي عبر رحلات طيران مستمرّة من بغداد إلى بيروت، وتقديم الدعم الطبّي عبر المجال الجوّي لضمان وصول المساعدات إلى مختلف المناطق والفئات المتضرّرة بالسرعة القصوى، مبيّناً أنّ العتبة المقدّسة ستقيم مراكز إغاثة في عدد من منشآتها للنازحين في محافظة كربلاء المقدّسة.
تنوّع الدعم والإمدادات
تشمل المساعدات التي تقدّمها العتبة العبّاسية الموادّ الغذائية، والأدوية، والملابس، والأغطية، بهدف تأمين الاحتياجات الأساسية للأسر المتضرّرة، ومن المميّز في هذه الحملة هو استعداد العتبة لإنشاء مراكز إيواء في محافظة كربلاء لاستقبال النازحين اللبنانيين وتقديم الدعم اللازم لهم.
مثلما تشمل الحملة جانباً طبّياً مهمّاً، إذ دعت العتبة العبّاسية جميع الملاكات الطبّية الراغبة بالتطوّع لعلاج الجرحى والمتضرّرين للتنسيق مع مستشفى الكفيل التخصّصي، وتهدف هذه الخطوة إلى تقديم الرعاية الصحّية المناسبة في ظلّ الظروف الطارئة التي يعيشها لبنان.
مشاركة المجتمع في الحملة
أكّدت العتبة العبّاسية على أنّ الحملة مفتوحة لمشاركة المواطنين، سواء بالتبرّعات المادّية أو العينية، وخُصّصت أرقام حسابات لاستقبال التبرّعات، إلى جانب توفير أرقام هواتف للتواصل مع لجنة الإغاثة، وتسعى هذه المبادرة إلى تعزيز التضامن الإنساني وتشجيع المجتمع العراقي على الوقوف إلى جانب الشعب اللبناني في هذه الظروف العصيبة.
استمرارية الجهود الإغاثية
في سياق متّصل، أرسلت العتبة العبّاسية المقدّسة الوجبة الأولى من المساعدات الإنسانية جوّاً، متضمّنة مجموعة متنوّعة من الموادّ الأساسية، ورافق هذه الشحنة وفد من العتبة المقدّسة عبر مطار بغداد الدولي بالتنسيق مع الحكومة العراقية، وقد أكّدت العتبة على أنّ هذه هي الوجبة الأولى، وستليها وجبات أخرى وَفق خطّة موضوعة بالتعاون مع الجهات الحكومية العراقية واللبنانية؛ لضمان استمرارية الدعم على المدى الطويل.
تشكّل هذه الحملة أنموذجاً فريداً في الدعم الإنساني العابر للحدود، إذ تسعى العتبة العبّاسية المقدّسة إلى تقديم كلّ ما يمكن لأجل التخفيف من معاناة الشعب اللبناني.
وفي ختام حديثه، دعا سماحة السيّد أحمد الصافي (دام عزّه) أن يحفظ الله تعالى الشعب اللبناني، وأن يعجّل برفع المحنة عنهم، فهذه الحملة ليست مجرّد دعم مادّي، بل تجسيدًا للتآزر الأخوي والديني الذي يحثّ على التعاون والمساعدة في أوقات الأزمات.