قراءة فكرية في كتاب الدين بين معطيات العلم واثارات الالحاد

2023/10/15

القراءة الفكرية

أ.م.د حكيم السلطاني

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

ذكر السيد منير الخباز في كتابه (الدين بين معطيات العلم واثارات الالحاد) أن الالحاد يقوم على دعامتين؛ هما دفع الخطر، والسعي نحو الكمال بمعنى أننا عندما لا نستطيع أن نذهب الى هذين الشيئين هنا يكون الالحاد، بمعنى أن الاعتقاد بوجود الله سبحانه وتعالى يكمن في دفع خطر ما، وهذا الخطر هو وجود جزاء أخروي، وفي المحصلة النهائية يجب علينا إن كنا نخاف من المصير الأخروي أن نتبع دينا ونعتقد بوجود إله، وهذا الاله هو الذي يقوم بالمجازاة والثواب. والقسم الآخر هو مسألة السعي نحو الكمال، والكمال هو ارتباط دائم للإنسان وحاجة ضرورية بالنسبة إليه.

وإذا أردنا أن نعطي تعريفا للإلحاد فله أكثر من تعريف حتى أنه وصل إلى أن تعريف الالحاد لا يمكن حصره ووضعه في نطاق معين لأن الالحاد في نفسه متطور، فمثلا كانت سابقا فكرة تعدد الآله هي المطروحة ومن ثم فمن لا يعتقد بالألوهية يعد ملحدا، وعندما لا يقومون بالتثليث او بالاعتقاد ان المسيح هو الله يعد ملحد في الكنيسة او غيرها، وايضا اخذ الالحاد حتى في الاسلام رؤى مختلفة، فالالوهية عند ابن سينا قائمة على فكرة ان الله سبحانه وتعالى ابدع العالم وتركه، وهذا الترك للعالم بمعنى عدم العناية وعدم اللطف وهو ما قال به ابن سينا وهو يعد نوعا من أنواع الالحاد في مفهومنا المعاصر، فماذا نريد نحن بالإلحاد اليوم ؟

        الالحاد اليوم هو عدم الايمان بوجود إله إذا كان هذا المعنى وهو المعنى القريب المعنى الذي يعطينا مفهوم للإلحاد هو ذلك المعنى الذي يشتغل على ماهية الشيء بغض النظر بما يتعلق به من وظائف اي لا ننظر الى البعد الوظيفي انما الى ماهيته، انك لا تؤمن بوجود قدرة خارجية او بايولوجية تؤثر على الانسان وعلى كيانه وبالنتيجة أنك لا تؤمن بالبعد الآخر للمفهوم إذن الالحاد صار واضحا بهذه الفكرة ومن ثم ما يتعلل به عند الملحدين وهم حقيقة ليسوا كثر بما موجود من أناس مؤمنين فبحسب الاحصائيات بلغ عددهم 12% هؤلاء الذين لا يؤمنون بوجود شيء بمعنى الذين لا يوجد عندهم الى اليوم معرفة حقيقة او وعي حقيقي بوجود اله او بعدم وجوده وهناك احصائيات حديثه ذكرت فيها جميع دول العالم فما هو فكر الملحدين ؟

السويد اخذت المرتبة الاولى في عدم الاعتناء بفكرة الله تعالى، عندما اقول فكرة الله يعني الارتباط بشيء ماورائي واننا منبثقون من شيء آخر وهذا الشيء الذي اوجدنا له حق التصرف في ان يرسم لنا نظاما وان يرسم لنا دينا ومن المفترض نحن ان نكون متعبدون في نظامه وفي دينه وفي شريعته السويد اخذت المرتبة الاولى في عدم الايمان بهذه الفكرة والنيجر اخذت المرتبة الاولى في الاعتقاد بهذه الفكرة ولا يوجد من يؤمن بخلافها طبعا العراق اخذ نسبة 80% من ابنائه يؤمنون بفكرة الله و 20% لا يؤمنون وفي السعودية وصلت الى الـ90% قد يكون لان العراق ليس كل ابنائه من المسلمين، فيوجد به طوائف أخرى يزيدية وكرد وغيرها وان كان هؤلاء او البعض منهم يؤمن بوجود اله ولكن قد يكون لما شهده العراق من موجات التقتيل والعنصرية والممارسات التي اضطهد بها العراقيون كانت سببا في ازدياد تخلخل فكرة وجود الله تعالى، اذن من الاسباب التي تنتج الالحاد ليست كلها اسبابا معرفية وانما الكثير منها ردت فعل من اشياء غير مبررة في الواقع وبالنتيجة نحن نرمي هذا العبء من عدم القناعة ومن عدم وجود النظام وعدم وجود شيء ومن ثم هذه كلها ترمى في خانة الدين، واذا رميت بخانة الدين صار الدين هنا لا يلبي طموح الانسان وحاجاته واذا لم يوجد الدين اصبح طموح الانسان ان يتخلى عنه تلقائيا متى ما كان.

        إن من المهم شعور الانسان بأهمية وجود الدين وفعاليته في حياته ومجتمعه ويكون للدين حضور كبير، اما بخلاف ذلك ستكون الفكرة المضادة هي الطاغية اذا الفكرة الاساسية التي جئت من اجلها كانت في هذا الكتاب للسيد منير الخباز والحديث في الفصل الثاني يتحدث السيد عن ضرورة وجود دين وفي الحقيقة هناك اكثر من سؤال يثيره سماحة السيد ذلك العالم البارع الناجح الذي تناول الموضوع من اكثر من جانب واعطاه حقه في قضايا كثيرة على مستوى العلم والقضايا العلمية، وعلى مستوى البعد الاجتماعي والنفسي كانت الحقيقة اهمية هذا الكتاب على الرغم مما كتب الكثير عن الدين وضرورة وجود الدين حتى هناك علماء كتبوا عن اهمية الدين .

إن كتاب سماحة السيد يتسم بالبساطة والسهولة وقراءته قراءة نافعة ومفيدة وكذلك الاسئلة المثارة بالفصل الثاني من هذا الكتاب كان الفصل الاول لماذا وجود الدين ضروري؟ وهذا السؤال مهم ويجب الاجابة عنه اذا انتهينا من السؤال الاول اذن اي دين نتبع ؟ وهو سؤال آخر مهم أيضا، هل كل الاديان موصلة في الحقيقة ؟ هذه الاديان بما فيها السماوية وهناك سؤال ثالث انبثق أيضا، هل الصراعات والحروب كان منشؤها ديني ام لا ولماذا هناك مدعى كبير يقول ان الحروب والصراعات الدينية منشؤها ديني ؟ طبعا هذه الاسئلة كلها تمت الاجابة عنها في ذلك الفصل ونستطيع ان نعرف الدين وما هو الدين وماهي نقطة الدين ؟ والتي عرفت بأكثر من تعريف وحتى في اللغة لها اكثر من معنى وفي الاستعمال القرآني ورد لها اكثر من معنى منها الجزاء والحساب كما قال الله (مَلِك يوم الدين)([1]) اي مالك يوم الجزاء والحساب وايضا ترد بمعنى طاعة (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا)([2]) شرع لكم من الدين يعني من الطاعة وايضا وردت بمعنى النظام (ان الدين عند الله الاسلام)([3]) يعني النظام والطاعة وهذا هو المقصود من لفظة دين وما نريده نحن فلا نريد من الدين بمعنى الحساب ولا يوم الحساب ولا الطاعة وذلك الايمان بوجود مطلق خالق، يوضعه يعني له تصرف وعناية ولطف بهذا العالم هذا هو المقصود من مفردة الدين، نريد ان بحث عنها ونجيب عن الاسئلة والاشكاليات حول قضية الدين .

عرف الدين ويليام جيمس وسبنسر وغيرهم مثلا ويليام جيمس قال : الدين هي مجموعة الاحاسيس والخبرات القائمة بين الفرد اذ اخذ هذا التعريف منحا في البعد العاطفي والوجداني والانساني اذا هو مجموعة احاسيس والخبرات او قائمة بين الفرد والاله البعد الوجداني الانساني وهو اشبه بالفلسفي اما سبنسر قال هو الحضور الفائق لشيء غامض وعصي على الفهم. فهو حاول ان يبين من التعريف ان الدين هو ذلك الشيء الغامض الذي لا نفهمه ونقف في ازائه بعض المواقف بشيء من التعلق بشيء من الانبهار ولا نستطيع ان نصل الى كنهه وادراكه، اما دوركايم فقال هو منظومة المعتقدات والممارسات التي تدور حول شيء مقدس، اذ اعطاها في هذا التعريف نزعة الوظيفية، اذن هو فهم الدين من خلال ممارسات وطقوس التي يؤديها الانسان ازاء المقدس.

ومكونات الدين تقوم على ثلاث اركان الدين ليس ممارسة طقسية وشعائرية وانما الدين يقوم على ثلاثية الاولى منها الاعتقاد وما فيها من اعتقاد وما فيها من مقولات والمحور الثاني هو الطقوس والعبادات والشريعة والثالث هو الاساطير والخرافة وهذا عند الحداثيين وعند الغربين يعني كل دين موجود حتى الاديان الارضية مكونة من ثلاث اقسام العقائد والطقوس والاساطير وما الى ذلك .

نستطيع ان نقول نحن بمنظور اسلامي ان الدين بنفس مكوناته الثلاث يعني ما نعتقده نحن بالأنبياء والرسل وبالله وما نعتقده من اصول، قائم على احكام وشريعة، والبعد الثالث هو الاخلاق وليس كما فهم من الاساطير والخرافات . اذن الدين من منظور اسلامي قائم على عقائد وشريعة واخلاق بمعنى أن الحاجة للدين هي حاجة فطرية، الانسان حيوان متدين بمعنى ان الدين وجد مع اول  انسان وجد على الارض وهنالك من يذهب للقول بأن الدين سوف ينتهي مع آخر انسان موجود على الأرض، وعندما نقول ان الدين سوف ينتهي مع وجود آخر انسان على الارض بمعنى ان الدين فكرة انسانية وفكرة ارضية وجدها الانسان واخترعها ، وليست فكرة اساسية وفكرة الهية او وجود الهي وهذا لا نوافقه.

ونقول إن الدين حاجة فطرية وجدت مع الانسان لكنها مستمرة حتى مع زوال الانسان، لان الدين ليس قضية مع ابتكار الانسان واذا انتهى الانسان انتهى الدين، انما فكرة الارتباط بالله تعالى والدين ترتبط بجزاء وحساب واشياء ما ورائية ومن ثم الدنيا وعن مسافة معينة سينتهي الانسان وسيجتازها اما بالحسنى او بالعقاب، وهناك مؤرخ يقول اني تتبعت جميع ما في التاريخ من مدن فوجدت مدينة بلا اسوار ووجدت مدينة بلا مدارس ولم اجد مدن بلا معابد، فالمعابد قضية قديمة جدا والدين هو اشبه بالمنظم لحياتنا والعلاقة بين الانسان وربه، والطبيعة والانسان مع اخيه الانسان هو قائم على هذه الاركان الثلاثة وهكذا فهم يعني ما طرحه السيد منير ان الدين هو النظام، ونحن بحاجة الى هذا النظام ام لسنا بحاجة له ؟ هذا ما بينه السيد في كتابة لماذا وجود الدين ضروري هو بين دليلين لوجود الدين الدليل الاول هدفية الخالق والثاني خصائص الانسان هو ذكر لما دليلين لكون ضرورية وجود الدين ربط الدين بضرورة وجود الدين؟، فهو اعتمد الآية المباركة (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ)[4] مسالة التدبر في الكون والنظام داخل الانسان تصل الى ان هنالك فكرة اخرى اسمى واكبر هي أن هذا الكون والوجود البشري وهدفية الخالق عنده تتلخص بشاهدين..

 الشاهد الاول : النظام الكوني وانه كون قابل للقياس وان المسالة الاساسية ان النظام الكوني بوجوده الكبير والواسع الذي ذكرته الآية القرآنية (وانا لموسعون) بمعنى ان ذلك الكون الواسع الكبير الذي يمتد وينكمش ويمر بأطوار مختلفة هذا الكون القابل للدراسة والتنظيم والى ان يفهم والشيء القابل للفهم اذا هو ليس عشوائي عشوائية الشيء لا تتيح لنا ان نفهم الشيء او نمنطقها ونمنهجها، اذن الكون بما فيه من اتساع هو قابل  للفهم ويوضع في معادلات رياضية للإنسان وطبيعة حياته ومن ثم اذن هذا الخوف من الكون الواسع بما فيه من مجرات وكواكب قابل للدراسة ففيه نظام خاص به واستطعنا ان نفك شفرة ذلك النظام وبما ان النظام هذا فيه شيء او هو قائم على نظام دقيق اذن هو ينم على وجود خالق دقيق له، فلا يمكن للصدفة ان تنصع لنا شيئا من هذا النظام لان الصدفة قد تنجح في بعض الاشياء لكن احتمالية صمودها مليارات  السنين هذا الشيء غير قابل الى ان يعقل ف مسالة الاحتمالية في ان النظام يسير بهذا الشكل المنظم ولا نستطيع ان ندركه الا القول بوجود خالق ومنظم له .

 الشاهد الثاني : هو خصائص الانسان وما فيها هي عبارة عن ان الانسان يوجد عنده عقل وارادة وعنده البعد الثالث وهو الانجاز بمعنى ان الانسان بطبيعته يستطيع ان يخطط وتخطيطه هذا يولد لنا الاصرار والعزيمة والارادة ومن ثم ننتقل الى الانجاز والفعل إذا كان الانسان بمقدوره وهو الكائن الوحيد الذي يخطط وينظم ويفكر ويهدف وعنده خطط واستراتيجيات اذن هذا الوجود الانساني  يستدعي وجود شيء اعظم واكبر منه لأننا مجرد ما نعقل ان الانسان شيء عاقل له خطة وتفكير وادراك لابد ان يكون له علة صنعت لنا هذا الادراك .

تناول هذا المحور في خصائص الانسان وان هنالك اهداف حقيقة لهذا الانسان ، والتي ذكرها الله هي اعمار الكون (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا)([5])، وكون الانسان خليفة فيها وقد نشأ فيها وعمرها، اذن هذا هدف اساسي وكذلك الهدف الاخر هو تطبيق العدالة، اذن الانسان معني بفكرة العدالة فهي بُّعد مهم وركيزة اساسية عند الانسان انه يحقق العدالة في هذه الارض، ومنها ايضا بينه الله في القرآن الكريم (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِٱلْبَيِّنَٰتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمِيزَانَ لِيَقُومَ ٱلنَّاسُ بِٱلْقِسْطِ)[6]، اذن ليقوم الناس بالقسط وتكون الحكومة والنظام تتسم بالعدالة ومن الاهداف الاخرة ان يتحلى بالقيم المثلى هو ايضا معطي انساني مهم للبشرية بفطرتها تجنح نحو هذا المعطى الانساني والكل يحاول ان يصل الى هذه القيمة المهمة ، ونحن نتحدث عن النوع الانساني لا عن من يشذ فبعض الافراد من البشر لا يبحث عن هذه القيمة المثلى او لا تعنيه نحن لا نقيس عليه نحن نقيس عن النوع الانساني الذي تعنيه هذه القيمة المثلى وهنا هي كما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ)[7] اذن هناك سعي وهناك جهد من الانسان في ان يحقق هذه الغاية وهنالك نوع اخر وهو العبادة كما قال الله تعالى : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ)[8] اذن هنالك اهداف وهذه الاهداف موجودة واساسية في خصائص الانسان طبيعة استدعت الوجود وبينت لنا، وهنالك هدفية حقيقية عند الخالق وهناك من يستدعي ان يكون لهذا الهدف نتيجة العبادة هنا بالمعنى الطاعة ومنهم يقول بمعنى المحبة، ولها اكثر من معنى حتى تحقق هذه الخصائص الموجودة عند الانسان من الضروري ان يوجد دين لينظم هذه الاشياء والاهداف التي يسعى اليها الانسان، فوجود دين ضروري في الحقيقة لتحقيق هذه الاهداف التي يسعى اليها الانسان وبيناها فمن الضروري ان يوجد دين يحافظ وينظم هذه الاهداف وان يتحلى بعناصر معينة ذكرها السيد منير الخباز منها الحاجز عن الرذيلة بمعنى يجب ان يكون عند الانسان واعز يبعده عن الرذيلة وفي الحقيقة هذا الواعز ديني، مستلهم من مرجعيات دينية ومن وعاظ ودعاة ، اما العنصر الاخر وهو القانون الحقوقي بمعنى ان لك حقوق وتحتاج الى ان تتمتع  بهذه الحقوق وبالنتيجة الدين سيكفل لك هذه الحقوق بالمقابل يوجد عنصر الجزاء بمعنى متى ما ارتكبت  اشياء مخالفة للنظام يوجد جزاء كالحق والباطل قضية اساسية في كل نظام وفي كل دين .

اذن الدين هو الذي رعى هذه الاشياء الضرورية ووجود الدين قائم على اساس يجب ان يكون بوجود واعز ديني نستطيع ان نحقق من خلاله هذه العدالة وبوجوده الديني وللأسف نلتجأ فقط الى مسألة الحقوق والواجبات بمعنى ان نعرف ما لنا وما علينا وهذا الشيء في الحقيقة لم يلبِ الطموح الانساني بكونه يسعى الى الكمال او تحقيق في  هذه الارض وايضا هناك عنصر التعويض ويقصد به هو انك عندما تكون انسانا سويا صالحا هنالك ما يعوض لك في هذه الدنيا ويكون لك في الاخرة اذا الجزاء الآخروي شيء مهم، ومن هنا اذن هذه العناصر الاربعة التي ذكرت نلاحظ ان النظام اذا كان نظاما ارضيا سوف لن يوجد به او لم يتحقق به العنصر الاول وهو الواعز الديني والعنصر الرابع وهو الجزاء الاخروي، والانظمة الارضية التي لا تقوم على بعد ديني انما  قائمة على مسالة الحساب والعقاب ثم قائمة على اساس فكرة التعاون الاجتماعي الذي نادى به جون لوك ومن ثم هذا وحده لا يلبي وجود نظام شامل يستطيع الانسان من خلاله ان يكون متكاملا يحترم النظام بعدالة وحرية، فالأشياء التي اراد الله للإنسان ان يحققها كالاستعمار والاستخلاف والقيم المثلى، يجب ان يلتجأ الى دين يقوم على نظام، هذا النظام الإلهي يسمى الدين الذي يقوم على الواعز الديني وعلى فكرة الثواب والعقاب والجزاء الاخروي اذن الجزاء الارضي الذي لا يقوم على هذين البعدين الواعز الديني والجزاء الاخروي ولذلك اليوم نلاحظ ان المجتمعات الغربية تتمتع بحرية وعدالة بالحقيقة هو قائم على العقل الاجتماعي وعلى فكرة الجزاء والعقاب ومن ثم تجد هذه المجتمعات متنظمة مستقيمة قد لا تجد فيها أشياء غير مناسبة وهذا بخلاف المجتمعات العربية والاسلامية فلماذا ؟

لان الفرق ليس بالمنظومة وانما بالتطبيق فالتطبيق عندنا على الرغم من أن المجتمعات الاسلامية هي بحوزتها اربعة عناصر مهمة لتطبيق النظام بشكل سليم عندها واعز ديني وحساب وعقاب وثواب وجزاء اخروي ومع ذلك لم تتقدم.

 اذن المشكلة ليست في المنظومة بقدر ما هي بالتطبيق لأننا قد نكون انشغلنا عن البعد الاول والاخير في مجتمعاتنا الإسلامية، وفي قضية الحساب والمراقبة وفرض الجزاء على المسيئين قد لا تطبق بصورة كاملة، وكذلك ان يحسن ومن يقدم شيء ايجابي في هذه المجتمعات قد لا يعطى، ومن ثم تجد هناك الممارسات التي تشذ عن الطريق ومن ثم يكون هذا نظام يشذ عن نظام الانسان الذي يطمح للحرية والحياة والعدالة .

اذن لو طبقنا هذا الموضوع الذي يتكون من اربعة عناصر اساسية سوف نجد ونلاحظ فرقا شاسعا و امثلة بسيطة اليوم في الحقيقة مجتمعاتنا في الارياف والقبائل النظام فيها هو ليس نظام الدولة نظام الحساب والعقاب والذي يعطى شيء يجازى بشيء هذا الشيء غير موجود، وما ينتظم في هذه المكونات واعز الدين وواعز الاخلاق والشعور بوجود جزاء اخروي يستحق ان يضحي الانسان من اجله يستحق ان يقدم الانسان من اجله فداء للعقيدة او الوطن او الدين او ان يقدم كثير من التنازلات في المجتمع في سبيل ان يحظى بالجزاء الاخروي .

مجتمعنا في الحقيقة قائمة على هذين العنصرين اما المجتمعات الغربية قائمة على الحساب والثواب من يقدم شيئا في المقابل من يحسن يثاب ومن يسيء يعاقب وموجود قضية الرقابة والنظام يطبق بشكل لو طبق عندنا بوجود عنصرين آخرين بفكرنا وتطورنا وعاداتنا في نهضتنا جميع الشعوب التي لا تمتلك هذا النظام المرتبط بالله، اذن المشكلة ليست في المنظومة بقدر تطبيق بعض الاشياء التي ذكرها السيد الخباز، وينتقل الى محور آخر وهو اي دين نتبع توجد في الحقيقة اديان كثيرة فإذا فهمنا ان الدين ضروري يجب على الانسان الذي يعيش في الارض ان يتبع نظاما وهذا النظام مهم بالنسبة له لأنه انسان هادف يسعى الى تحقيق شيء لابد من وجود نظام له ولم يعد الانسان بدائيا وحاجياته سهلة وبسيطة . احتياجات الانسان كل ما كبرت كلما تعقدت كلما احتاجت الى منظم لها ومن ثم صارت الحاجة الى وجود نظام حاجة اساسية وملحة اذن هنا نتكلم عن اي نظام يجب ان نتبع هل نتبع نظام ارضي ام سماوي ؟

ولقد بينا ان النظام السماوي يمتاز بعنصرين اساسين وهو الواعظ الديني الذي يتكلم عن الانسان عندما يتبعه صالحا وسويا وايضا واعز آخر وهو الجزاء الاخروي اذن النظام الديني هو افضل من النظام الوضعي الذي لا يعتمد على هذين العنصرين وهنا ننتقل الى سؤال اخر اي دين نتبع ؟

هنا تحدث السيد المنير في الحقيقة عن هذا الموضوع فخرج عن فكرة الكتاب الاصلية والاساسية عن مسألة الالحاد والتدين وعندما نريد ان نحدد دين معين إذن ابتعدنا عن المسألة الاساسية نحن نريد ان نشتغل على ان يكون الانسان متدين لكن اي دي يتبع هذه مسألة اخرى وبحث اخر ليس ميدانها في هذا الكتاب وان كنا نؤمن ونعتقد ان الدين الاسلامي هو الصحيح واخر الاديان وهذا ايضا قائم على ادلة عقلية ومنطقية.

وأي دين نتبع هل الدين السماوي ام الأرضي؟ فالاديان الارضية هي كثيرة في الصين والهند ولكن هل تلبي هذه الفكرة الاساسية ام لا والدين بمعناه العام شمل جميع الاديان السابقة، كما كنا نقول سابقا ان الدين عند الله الاسلام لا نقصد من الاسلام هنا الاسلام والمسلمين او دين المسلمين وانما ان الدين عند الله الاسلام هو كل ما يرتبط بكل دين لان ابراهيم كان مسلما ونوح كذلك إذن الدين هنا عندما يتبع الانسان دين هو كل دين سماوي اوجده الله ولكن عندما نتحدث عنه هنا ببعده العقائدي أو الشرعية فالأمر مختلف من دين إلى آخر، وبنفس السلسلة من شرعة الى اخرى والتي تنبثق من دين واحد وهو الدين الاسلامي الطبيعي انها تختلف على اعتبار ان الانسان يجب ان يواكب العصر ويجب ان يواكب المعطيات التي انبثقت في وقته وفي زمنه ومن ثم كل شريعة لنبي تنسخ الشريعة السابقة وتأتي بشريعة اخرى توجد بعض المشتركات في الاديان والدين الاسلامي مصدقا ومهيمنا لما في يديه من الشرائع السابقة والتصديق، والهيمنة للدين الاسلامي على بقية الاديان بمعنى انه قبل ببعض التشريعات وهيمن على بعض الاشياء وجاء بأشياء جديدة وهنا تحدث سماحة السيد المصنف على اثبات النبي محمد وغيرها وان كان المحور فيها الحديث عنه وفكرة الاديان يعني في الحقيقة جاء بها بالكتابة التعدية الدينية لأنه مر بظروف ومراحل وعصور وكثير من الويلات والكثير من المآسي ومن ثم صار خلاف كبير بين الكاثوليك في مستوى كبير فصار الحل الانسب ان تطرح فكرة تعددية الاديان بتعددها هي توصل الى طريق واحد وهو طريق الحق الطريق الاسلم ولكن هذه التعددية الدينية يعني هي مقبولة في قبال الاديان البقية يجب ان نتبع فطبيعي ما كان خاتم لهذه الاديان السابقة ما كان ملائما للعصر، اذن ما جاءت شريعة عيسى الا لنسخ شريعة موسى، وكذلك شريعة النبي محمد الناسخة لشريعة موسى وعيسى عليهما السلام، لأنها هي الشريعة الخاتمة فصارت شريعة متناسبة مع حاجيات الانسان وعصره ولذلك كثيرا ما يفهم القرآن انه صالح في كل عصر وزمان.

 فالقرآن متجدد ولا تنقضي عجائبه ولا تنتهي غرائبه، على الرغم من أنه نزل في بعض آياته على وقائع محددة وظروف خاصة فالعبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب، لأن الاسباب تخصص الآيات القرآنية في موارد معينة الا ان هذه الاسباب لا تقيد اللفظ ولا تقيد المعنى، وانما هي فقط تحاول فهم المعنى او تحاول ان تعطينا ومضة واشارة الى فهم المعنى فهما مناسبا ويبقى عموم اللفظ انه هو الذي يأخذ به في الكثير من الازمان بتعاليه عن ذكر الكثير من الازمنة والامكنة والشخصيات فيه لا تذكر بأسماء معينة ولا يحددها القرآن الكريم فهو تعالى عن التاريخ ويصلح لكل زمان ومكان اذن تاريخيته لا تضعه في زمن القرن السابع ميلادي وانما تاريخيته قائمة على اساس فهمه لذلك الزمان وذلك المكان في ذلك العصر صحيح هو جاء على وفق عادات العرب وانما اراد التأثير بهم وحتى يكون التأثير بهم راسخا وقويا يستطيع ان يخلق منهم امة متحضرة ولها وعي تسطيع ان تواجه بقية الامم .

 يجب ان يكون القرآن الذي ينزل بلغتهم وعلى السنتهم وعلى ثقافتهم ومعرفتهم ومع ذلك بقيت الامور ظاهرة وبقيت الفاظه عامة تصلح لكل زمان ومكان ونستطيع اليوم ان نفهم منه الكثير من الاشياء ونستنبط منه الكثير من الاحكام التي تناسب عصر اليوم و الدليل على ذلك مسالة الفراغ التشريعي التي ذكرها السيد محمد باقر الصدر ليس المعنى منها ان لا وجود لتشريع في مسالة ما، بقدر ان هنالك مساحة تركت للفقيه على ان يستنبط منها حكم يناسب ظروف العصر ومتغيرات الزمان اذن هذه المساحة التي تركت الى الفقيه هي التي يعبر عنها بمنطقة الفراغ التشريعي.

 فالدين الاسلامي هو دين متجدد يستطيع الانسان ان يأخذ منه دينه وتعاليمه يعني آياته واضحة في مسائل كثيرة من الاخلاقيات والتشريعات والعقائد التي فاقت زمانها ولحظتها وظرفها الحالي وثقافة عصرها ومجتمعها وان كنت اختلف مع السيد منير الخباز في ذكره لمسالة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم في انه كان لا يعرف القراءة والكتابة وفي الحقيقة كان الرسول يعرف القراءة والكتابة وهنالك ادلة وشواهد كثيرة و لا ننطلق في قولنا ان الرسول يعرف القراءة والكتابة من منطلق ديني كما ذكر البعض من ان الرسول الاكرم خاتم الانبياء وانه يجب ان يعرف كل شيء ولكن البعد التأريخي هو الذي يبين لنا ان الرسول كان يقرأ ويكتب، اما قول القرآن في قضية الامية، فالامية هنا في معنى ان العرب لم يكنوا اصحاب كتاب او لديهم كتاب مقدس ولذلك اليهود يعيب على العرب في هذه المسالة .

 المحور الاخير يتمحور حول الإجابة عن سؤال: هل الدين منشأ الحروب والصراعات البشرية. يذكر السيد منير الخباز مسالة احتكار الحقيقة وهنالك ايضا التقديس وماذا نقصد بالتقديس؟ التقديس هو كل ما يتعلق بربط الاشياء بالمقدس انك عندما تقدس شيء فأنت تقدس الفكرة او المنشأ او المربط الذي تربط به ذلك الشيء الماورائي هذا ما يعبر عنه بالتقديس يذكر السيد منير ان الحداثيين يحللون كون الدين منشأ للصراعات البشرية وهناك ثلاث قضايا وهذه القضايا هي التي اشعلت الصراعات والحروب واحتكار الحقيقة بمعنى ان الدين دائما ما يحتكر الحقيقة وان من يخالفني يجب ان يقتل يجب ان يحارب ويطرد واحدة من اسباب كون الدين منشأ الحروب والصراعات هو احتكار الحقيقة هذا حسب رأي الحداثيين، الذي سوف يرد عليهم السيد وقضية التقديس كذلك عندما نقدس شيء هو منبع الحروب والصراعات وكذلك محورية الانسان بان قيمته الاساسية بإنسانيته ومن ثم عندما تكون قيمة الانسان بدينه سوف يكون هناك منشأ لوجود حروب ومنشأ لوجود صراعات الانسان سوف يكون دينه وهويته الدينية بارزة ليست انسانيته على الرغم من اننا نعرف جميعا قول الامام علي عليه السلام (الناس صنفان اما اخ لك في الدين او نظير لك في الخلق) .

الانسانية مهمة حتى في الدين الاسلامي وعندما نقول هويتنا هي الاسلام ليس بمعنى ان نتخلى عن الهوية الانسانية، فالاسلام لا يقول أن الانسان الاخر المختلف معنا بالهوية او الدين يجب ان يقتل او يحارب هذا غير موجود وفي الحقيقة الاسلام دافع عن الانسان ومحورية الانسان وأبرز مثال على ذلك: (حرمة الانسان المؤمن هي اعظم عند الله من الكعبة) فالكعبة مقدسة وعلى الرغم من ذلك قدمت حرمة الانسان على الكعبة، وهو مثال بسيط من الفكر الاسلامي، فالانسان عندما يصلي ويسلم عليه أحد، يقول لك الإسلام يجب أن ترد السلام وجوبا كفائيا، بمعنى ان الصلة مع الله تعالى لا تنقطع مع ردك السلام على اخيك الانسان ، اذن اي بعد انساني يمنح الأنسان التواصل مع الانسان في طول اتصاله مع الله تعالى.

 فالبعد الانساني حاضر في المنظومة الإسلامية، وليس سببا في اشعال الحروب والصراعات، وأيضا مسألة الحقيقة ، فيقول الشافعي رأي خطأ يحتمل الصواب ورأيك صواب يحتمل الخطأ، ومسألة الآخر قضية مهمة في الإسلام، فالاسلام لا يقول بمحاربة الاخر ومصارعة الاخر للإنسان المسالم وانما فقط للمعتدي ومن يقاتل ويسهم في إذكاء الصراع، في النتيجة لا يوجد في المنظومة الدينية من يقول ان نسالم من ينصب العداء.

ومن الضروري أن نفرق بين ما هو ديني وما هو فكر ديني فنسبة كبيرة من هذه الصراعات تعود الى الفكر الديني وليس إلى الدين الحقيقي، لان ما موجود عندنا في الواقع اجتهاد ديني وعندنا فرق ومذاهب عندنا ومؤسسات مختلفة فهمت الدين فهما مختلفا، هذا الفهم المختلف يجب ان لا ينسحب إلى أصل الدين وحقيقة الدين وانما يبقى فهما بشريا ومحاولة بشرية وتكون خاطئة عندما تمارس القتل والذبح باسم الدين هذا لا يعني ان الدين بمنظومته يحمل هذه الصفات وانما هذا ما فهمته هذه الفرقة من الدين اذن يجب ان نفرق بين ما هو دين وما هو غير ديني.

 


[1] - سورة الحمد ، اية 4 .

[2] - سورة الشورى ، اية 13 .

[3]-  سورة ال عمران ، اية 85 .

[4] سورة فصلت – اية 53 .

[5] سورة هود – الآية 61 .

[6] سورة الحديد – اية 25 .

[7] سورة الانشقاق – اية 6 .

[8] سورة الذاريات – اية 56 .

photo_2023-04-10_06-59-18

photo_2022-11-14_21-18-31

أخترنا لك
قراءة فكرية في كتاب الدين بين معطيات العلم واثارات الالحاد

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة