الانتظار المهدوي حقيقته وشروطه.
والانتظار لغة: يعني الترقب([1]) والتوقع، ويأتي أيضا بمعنى التأخر والتمهل فيقال: نظرتُهُ وانتظرتُهُ وأنظرتُهُ، أي أخّرتُهُ. ([2])
وأما تعريفه إصطلاحا فهو التهيؤ لانتظار ظهور المنجي في آخر الزمان([3]). وجاء في مكيال المكارم أن (الانتظار هو كيفية نفسانية ينبعث منها التهيؤ لما تنتظره، وضده اليأس فكلما كان الانتظار اشد كان التهيؤ اكد الا ترى انه اذا كان لك مسافر تتوقع قدومه ازداد تهيؤك لقدومه كلما قرب حينه، بل ربما تبدل رقادك بالسهاد لشدة الانتظار..) ([4]).
إن الانتظار أصبح ثقافة إنسانية عظيمة وكبيرة متجهة نحو الكمال في جُل خصالها وأهدافها فهي في الواقع مدرسة ومنهجا عظيم متكامل لا يحتاج سوى إلى التطبيق من قبلنا، ومن ضوابطها أن يكون سويا بعيدا عن الانحدار الفكري والاخلاقي وأن يسمو نحو الارتقاء الواعي وأن تترابط هذه المقدمات الاخلاقية مع سلسلة الواجبات العبادية بهذا يكون الانسان قد نال الموافقة الى الانضمام الى مدرسة الانتظار المهدوي وأن يشرب من مناهلها ويرتوي من علومها وينشر هذا الفكر في المجتمع. ولا بد لنا أن نعلم بعد هذه المقدمة أن الانتظار ليس سكونا وكسل كما بان لنا في عنوان البحث وكما مر عبر التاريخ والعصور وهناك أنواع عديدة من الانتظار نذكر منها..
الانتظار الايجابي: وهو الانتظار الحقيقي الذي نصت عليه احاديث أهل البيت (عليهم السلام) فقال رسول الله: (أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج)([5]) وهو الانتظار بالعمل لا بالكسل ولا بالتفويض ويأتي بصور عديدة أولها أن ينظم سيرته الذاتية وأن يروض النفس ويهذبها وأن يلتزم بالعبادات ويدعو بتعجيل الفرج مع العمل, فالدعاء والعمل في الانتظار نقطة مؤثرة جدا فمن وصية للامام الحجة قال: (أكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإن ذلك فرَجَكم) ([6]) وبعد أن ينجز الانسان هذه الدائرة الجيدة فإنه يكون مؤهلا لينطلق وينشر الفكر المهدوي في الاوساط ويكون بها قد أعد قوة لنفسه يستخدمها حين الظهور المبارك (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ...) ([7]) وهذا ما عمل به كل الانبياء والائمة المعصومين حيث عملوا بالانتظار قبل ولادة المخلص لأن الانتظار لم يكن بعد ولادة الامام انما كان الانتظار لذلك المشروع منذ قرون طويلة من عصر ادم الى النبي الخاتم, ولم يكن الامام اول الاولياء الذين غابوا وانتظرّوا وهناك شواهد عديدة في حياة الانبياء تعلمنا كيفية العمل في الانتظار، فإن نبي الله يعقوب حينما غاب عنه يوسف لم يكن أسير الدعاء والبكاء فحسب لا, وإنما أدى ما عليه من رسالة ومهد الطريق لرجوع يوسف بذكره وذكر خصاله الحميدة، ولو عملنا كما عمل يعقوب عليه السلام في شأن يوسف من ناحية عملنا بالانتظار التحضيري الصحيح لما تأخر الفرج هكذا.
الانتظار السلبي: هو الانتظار الذي يعتمد فقط على الدعاء والتضرع وأحيانا على البكاء، دون عمل وتحرك, نعم الدعاء مطلوب ومندوب ومنصوص عليه في الاذكار الواردة عن المعصومين عليهم السلام ولكن في الوقت ذاته الانتظار يحتاج الى عمل أكثر من الدعاء وأقل هذه الاعمال هي أداء العبادات على أكمل وجه وأفضل صورة، وإن العمل لا يعجل الفرج فقط ويجعلنا من انصار الامام في ظهوره، إنما يجعلنا نلتقي به في غيبته فعنه عجل الله فرجه قال: (ولو أنَّ أشياعنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد لَما تأخَّر عنهم اليُمن بلقائنا، ولتعجَّلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حقِّ المعرفة وصدقها منهم بنا..)([8]).
وللانتظار السلبي صور عديدة منها الانتظار التفويضي وهذا النوع برؤيتنا من اسوء انواع الانتظار ومعناه أن نجلس ونتكاسل ونفوض أمرنا الى المنتظَر ليظهر ويعمل ما وعد به ونحن علينا فقد أن نحصد دون أن نزرع وغالبا هذا النوع من انواع الانتظار يؤدي بالفشل الى الحركة كلها أو الى هلاك من استخدم هذا النوع من انواع الانتظار، وقد مر ذكره في القران الكريم في قوله تعالى: (قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَآ أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا ۖ فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّك َفَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) ([9]) فهؤلاء القوم من عجزهم ومن ضعف إيمانهم لجأوا الى الانتظار التفويضي فلا يريدون أن يقاتلوا ولا يريدوا أن يحركوا ساكنا، يكتفون بالجلوس وانتظار الانتصارات ليحتفلوا وليغتنموا. فكم من المنتظرين الان يستخدمون هذا النوع من الانتظار يريدون أن تأتي دولة العدل الالهي وتنقذهم وتخلصهم وتغنيهم دون أن يفعلوا شيئا ويفوضوا كل هذه الاعمال والانتصارات الى الامام المنتظر، وله أسم أخر ويسمى انتظار الترصد وهو أشبه بالصائم المترصد لظهور الهلال حتى يفطر من صومه، وقد كثر هذا النوع عندنا فكم من منتظر ينتظر الامام بالترصد والتفويض دون أن يعمل أو يقدم شيئا في انتظاره.
ان شروط الانتظار يترتب على ما يلي..
- معرفة شخص الامام: ومن الطبيعي أننا أذا اردنا أن ننتظر شخصا معينا أو أردنا أن نعمل معه،يجب علينا قبل كل شيء أن نعرف شخصيته وسيرته من ولادته ومن حياته ومن نسبه ومن إقامته ومن كل التفاصيل التي مر بها حتى يكون انتظارنا نابع من معرفة ومن وضوح، فيجب علينا في شروط انتظارنا لإمامنا أولا أن نقرأ وأن نتمعن في شخصية هذا الامام حتى نعرف كل هذه التفاصيل التي تحيط به، فقد ورد عن أهل البيت عليهم السلام (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة الجاهلية...)([10]) ونستطيع أن نعرف ذلك من خلال القراءة عن شخصه ومن الحضور الى المجالس الذي يذكر فيها شخص الامام، فإذا عرفنا حياته وسيرته فإننا قد خطونا الخطوة الاولى في طريقة الانتظار الصحيح.
- معرفة دولة الامام: بعد أن نتزود من حياة الامام يجب علينا ان نتوجه الى معرفة دولة العدل الالهي لأننا كلنا نطمح أن نكون من الموالين لها ومن الخدام والمنتسبين فيها ومن الطبيعي لكل انسان عاقل وسوي أنه قبل أن ينتسب لأي حركة وأي مؤسسة أو منظمة يجب عليه أن ينظر الى تلك المنظمة أو الجهة والى اهدافها والى رؤيتها المستقبلية وطموحاتها فهذه كلها من الواجب معرفتها حتى نستطيع أن نصل الى الغاية التي يطمح الامام أن يرانا فيها من دراسة ومعرفة لحياته ومن معرفة دولته واهدافها وخصالها فإن معرفة دولة الامام ومعرفة خصائصها يعتبر الخطوة الثانية في طريقة انتظار الفرج.
- طـاعة الامـام: ان من شروط الولاية لأهل البيت عليهم السلام, في الاساس هي طاعة الله عز وجل وطاعة المعصومين عموما وطاعة امام زمانا خصوصا لان هذا تكليف اللهي و من وصايا أهل البيت عليهم السلام وكما ورد في الخبر عن ابي جعفر محمد بن علي عليه السلام (..فإذا كنتم كما أوصيناكم ولم تعدوا إلى غيره فمات منكم ميت قبل أن يخرج قائمنا كان شهيدا، ومن أدرك قائمنا فقتل معه، كان له أجر شهيدين، ومن قتل بين يديه عدوا لنا كان له أجر عشرين شهيدا)([11]) وهذا أجر الالتزام بطاعة الامام، وطاعته وهو غائب كطاعة وهو حاضر، وهذه الخطوة الثالثة في شروط الانتظار.
بقلم
السيّد محمد حسن المولى
- لسان العرب - ابن منظور، ج1، ص 424، ط الثالثة، 1999، دار احياء التراث بيروت
- المفردات في غريب القران – الراغب الاصفهاني - ج۱، ص۸۱۳.
- مقالة انتظار الفرج، موقع موسوعة ويكيبيديا .
- مكيال المكارم - للسيد محمد تقي الموسوي الاصفهاني – ج 2 – ص 138، الطبعة الاولى 2001
- ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ١ - ص 241، ط الاولى،1422، دار الحديث قم
- بحار الانوار- العلامة المجلسي - ج53 ص181
- سورة الانفال – أية 60
- بحار الأنوار- العلاّمة المجلسي - ج 53، ص 177، دار احياء التراث العربي بيروت
- سورة المائدة - اية 24
- كمال الدين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق - ص 409 - 410
- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٢، ص ١٢٣