قبل عدّة سنوات، في العام 2019 تحديداً، وفقني الله لإصدار
تحقيق جديد لكتاب «الاستبصار في النصّ على الأئمّة الأطهار» للشيخ
محمّد بن عليّ الكراجكي -المتوفّى سنة 449 هجريّة-، وقد حققته على
ثلاث نسخ خطيّة: نسخة من مكتبة مجلس الشورى الإيرانيّ وتاريخها 960
هجريّة -وهي أقدم ما رأيت من نسخ الكتاب آنذاك-، ونسخة أخرى من
المكتبة نفسها أيضاً بتاريخ 1318 هجريّة، وأخرى من مكتبة آية الله
الحكيم العامّة في النجف الأشرف تاريخها 1338 هجريّة، وقد توفّرت لديّ
نسخ أخرى إلّا أنّي أعرضتُ عنها لعدم انفرادها بشيء لافت للنظر.
وخلال البحث عن نسخ الكتاب وقفتُ على نصٍّ مهمّ في كتاب (معجم
التاريخ: التراث الإسلامي في مكتبات العالم، المخطوطات والمطبوعات)
لمؤلِّفَيْه: علي الرضا قرهبلوط - أحمد طوران قرهبلوط، قد أشارا فيه
إلى وجود نسخةٍ تعود إلى القرن التّاسع في إحدى المكتبات التونسيّة
وهي مكتبة حسن حسني عبد الوهّاب، ورقمها (18569)، ولم أوفّق آنذاك
للوصول إليها، ولكنّها بقيت بالبال منذ ذلك الحين.
ثمّ ازداد الاهتمام بجمع التراث الإماميّ المتناثر في المناطق الأخرى
كالمغرب العربيّ وتركيا وأوروبا والولايات المتّحدة وغيرها، وذكرتُ
لبعض الإخوة سعيي للحصول على هذه النّسخة من كتاب الشيخ الكراجكيّ،
فوعدني بالمساعدة لأخذ مصوّرةٍ عنها، وأرسلتُ له البيانات المتعلّقة
بها. وبعد مدّة يسيرة، وفّقنا الله تعالى للوقوف عليها مصوّرةً بشكل
واضح، والفضل في ذلك يعود إلى جهود مركز أهل البيت عليهم السلام في
تونس، وبالخصوص الشيخ أحمد سلمان وفقه الله تعالى.
وهذه النسخة كانت محفوظةً في مكتبة حسن حسني عبد الوهاب، وقد انتقلت
الآن إلى دار الكتب الوطنيّة بتونس.
وهذه نبذةٌ يسيرةٌ عنها:
العنوان: الاستبصار في النصّ على الأئمّة الأطهار.
الرقم: 18569.
عدد الأوراق: 37.
قياسها: 13×17.8
عدد الأسطر: 19.
تاريخ النسخ: مجهول، ولكن عليها إجازة مؤرّخة بسنة 838 هجرية.
ويبدو أنها كانت بحوزة بعض علماء أهل السنة، فقد دوّن على الصفحة التي
فيها عنوان الكتاب معرّفاً بالشيخ الكراجكي ما نصّه: (من الإمامية، له
تصانيف في مذهبه، مات في ربيع الآخر 449. ذكره في اللّسان)، ويريد
بذلك كتاب «لسان الميزان» للحافظ ابن حجر العسقلاني. ثم عرّف الإمامية
بما نصه: (وهم الذين قالوا بالنصّ الجليّ على إمامة عليّ، وكفّروا
الصحابة، وهم الذين خرجوا على عليٍّ رضي الله عنه عند التحكيم
وكفّروهم• اثنا عشر ألف رجل كانوا أهل صلاة وصيام، وفيهم قال -صلى
الله عليه وسلّم-: يحقر أحدكم صلاته في جنب صلاتهم، وصومه في جنب
صومه، ولكن لم يجاوز إيمانهم تراقيبهم••).
كذا في النسخة، والصحيح: (وكفّروه وهم اثنا عشر) بدلاً من (وكفروهم
اثنا عشر)، و(تراقيهم) بدلاً من (تراقيبهم).
ثم كتب أسفله: (الشريف العلّامة)، والمراد به الشريف الجرجاني صاحب
كتاب (التعريفات)، والنص المذكور في تعريف الإمامية مأخوذ من كتابه،
ولا يخفى ما فيه من الخبط والخلط بين الإمامية والخوارج.
وقد جاء في خاتمة النسخة: (أنهاهُ قراءةً وضبطاً وفهماً وهو سيّد
السّادة ..السّعادة، فخر الملّة والحقّ والدّين الحـــ الاستراباديّ
الجرجانيّ في عدّة مجالس آخرها الثّلاثين من شعبان المبارك ثمان
وثلاثين وثمانمائة هجريّة نبويّة، وأجزتُ له ما سمعه منّي و.. عليَّ
كما أجازني أستادي ..الله روحه عليّ بن حسن [الأسديّ ظ]. وكتب: جعفر
بن أحمد الملحوس -عفا الله عنه وبصّره...).
أقول: كاتب هذه الأسطر هو السيّد جعفر بن أحمد الملحوس الحسنيّ
الحليّ، وتاريخ الإجازة يوافق طبقته، فهو من علماء القرن التاسع
الهجريّ، وقد ترجم له السيّد محسن الأمين فقال: (السيد جعفر ابن السيد
أحمد الملحوس الحسينيّ الحليّ، عالم جليل، له المنتخب، فرغ منه سنة
836، وله تكملة الدروس، والظاهر أنه حليٌّ لوجود قبر ولده محمد في
الحِلّة على ما قيل)، انظر: أعيان الشيعة، ج4، ص84.
أقول: كذا ورد في المطبوع من «أعيان الشيعة»: (الحسينيّ)، والظّاهر
أنّه حسنيٌّ، فإنّ السّادة بني الملحوس من عقب جعفر بن الحسن المثنّى،
وممّا يؤيّد كونه حليّاً ما ذُكر في بعض كتب الأنساب من أنّ أبا عبد
الله الحسين بن القاسم الملحوس له عقبٌ يُعرفون بـ«بني الملحوس» وهم
متواجدون في الحلّة وغيرها كما قال ذلك ابن عنبة في «عمدة
الطّالب».
وقال الميرزا النوريّ رحمه الله: (ومما ينبغي التنبيه عليه في هذا
المقام أنّ كتابه الشريف المسمى بـ«الدروس» غير تامّ، لا يوجد فيه من
أبواب الفقه: الضمان، العاريّة، الوديعة، المضاربة، الإجارة، الوكالة،
السّبق والرّماية، النّكاح، الطلاق، الخلع، المباراة، الإيلاء،
الظّهار، العهد، الحدود، القصاص، الدّيات.
ونهض لإكماله وإتمامه العالم الجليل السيّد جعفر الملحوس، وذكر في
آخره أنّه لما رآه حسرة بين العلماء ندبت نفسي على قلّة البضاعة وعدم
الفراغ وكؤد الزمان وجور أهله، أطمعت نفسي في إكماله، فنفذ ما أطمعت
نفسي فيه. إلى أن ذكر بعض الوصايا لولده، منها: عليك -يا بنيّ- بإجلال
العلماء العاملين الذين لم يتخذوا العلم بضاعةً للدّنيا، الذين شروا
أنفسهم لله، الذين مدحهم الله في محكم كتابه بقوله سبحانه: «والذين
جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين»، وتدبّر ما قلتُ
لك، وتحفظ عنِّي ما أوصيتك به هنا، وفي كتابنا الموسوم بـ«المنتخب»
تكن من الفائزين، فهناك قد بسطت لك قولي فيما أردتك به.
إلى أن قال: ووافق الفراغ من جمعه وكتابته آخر نهار العصر، سادس عشرين
شهر رجب الأصبّ المبارك سنة ست وثلاثين وثمانمائة هجرية نبوية، على يد
العبد الضعيف جعفر بن أحمد الملحوس الحسنيّ.
وهذا الكتاب الشريف موجود الآن في مدرسة فاضل خان المتصلة بالحرم
الشريف الرضويّ -على مُشرّفه السّلام-، ولم أجد للسيّد المذكور ترجمة
فيما عندي من تراجم العلماء، إلا أنّه يظهر من هذا الكتاب علوّ فهمه
وتبحّره واستقامته)، انظر: خاتمة مستدرك الوسائل، ج2، ص309-310.
وترجم له آقا بزرك الطهرانيّ في (طبقات أعلام الشيعة، ج6، ص24) ذاكراً
بعض إجازاته على ظهر بعض الكتب.
أقول: قد تصفّحت هذه النسخة سريعاً فوجدتها واضحة الخطّ، قليلة
السّقط، وقد راجعت مواضع يسيرة من المواضع المشكلة التي ابتليت بها
أكثر النسخة المتأخرة فوجدت الألفاظ فيها سديدةً على الجادّة على
النحو الذي استفدناه من نسخة مكتبة مجلس الشورى الإيراني، وكذا ما
يوافق المصادر الأخرى والقواعد القياسية في التصحيح.
ومن جملة فوائدها أيضاً: إثبات اسم الكتاب «الاستبصار» بالباء، بالنحو
الذي أثبتناه في عنوان الطبعة؛ خلافاً لما سبق في بعض الطبعات وكتب
التراجم التي تعرضت لذكر الكتاب، ووفاقاً لما هو مثبت في فهرست كتب
الكراجكي ونسخ أخرى.
وعلى أية حال، لا يخفى ما لهذه النسخة من امتياز على سائر النسخ
المتأخرة، بلحاظ تاريخها وكونها مقروءة مضبوطة على يد بعض العلماء،
بالإضافة إلى جودة خطها وقلة سقطها.
أسأل الله تعالى التوفيق لملاحظة هذه النسخة بتمامها وإدراجها في
الطبعة اللاحقة من الكتاب، إنه سميع مجيب.
إبراهيم جواد
قم المقدسة (زادها الله شرفاً)
١٣-١١-٢٠٢٢م / ١٨ ربيع الآخر ١٤٤٤ه
_______
ونقل ابو حمزه ١٨- ربيع الآخر -١٤٤٤هـ