آية الله السيد المددي حفظه الله: لم تكن حاجة إلى درس الأخلاق
2021/12/20
ما هو وضع دروس الأخلاق في تلك الفترة؟
لم تكن حاجة إلى دروس الأخلاق؛ لأنّ جميع سكنات وحركات وأقوال وسيرة
هؤلاء العلماء هي درس في الأخلاق.
أنا لا أتذكر أنّ هناك درساً تحت هذا العنوان؛ إذ لم تكن حاجة
إلى ذلك. فحياة العلماء وسيرتهم كلها أخلاق. يقال أنّ الإمام الحجة
كتب للسيد أبو الحسن الإصفهاني: إجلس في الدهليز وتواضع للناس إنا
ننصرك. لابّد للعالم أن يصل مرتبة عالية حتى يكون أهلاً لأن يكتب له
الإمام. وقد كانت عظمة هؤلاء تكمن في عملهم بوصايا الإمام وإمتثالها،
حيث كانوا متواضعين وليس لهم همّ سوى خدمة الناس والدين.
لقد وصلت بخدمة السيد الخوئي مراراً عديدة وجدته فيها إنساناً عادياً
ليس عنده تكلّف. وكان السيد الشاهرودي كالصديق مع باقي الطلاب. وكل
هذه في الحقيقة أخلاق عملية تغني عن الدرس. ينقل عن السيد الشاهرودي
أنّه كان يمزح مع الكسبة ويدخل عليهم السرور بذلك. ومن جهة أُخرى كانت
حياتهم خالية من التكلّف بحيث إذا لاحظ الطالب ذلك في حياة المراجع
هانت عليه الصعوبات.
ينقل عن الشيخ الآخوند الخراساني أنّه كان يردّد الكلام الفارسي،
فيقول: «سي سال خورشت نان من، گرمی نان من بود» ومعناه: إنّ طعامي مدة
ثلاثين عاماً هو عبارة عن حرارة الخبز الذي أتناوله.
ونقل السيد البجنوردي عن السيد يوسف الحكيم النجل الأكبر للسيد الحكيم
أنّه كان يقول: «كنّا نطبخ الباقلاء نأكلها ظهر للغداء، ونتعشّى
بماءها في الليل». وحكي في حياة السيد أبو الحسن الإصفهاني أنّه في
مرّة من المرّات لم يكن لديه إجار البيت فألقى صاحب الدار به وعياله
وأثاثه خارجاً فبات مع عائلته في غرفة من غرف مسجد الكوفة، حيث لم يكن
يملك بيتاً فحسب بل لا يملك إجار البيت! وحدثني بعض الأصدقاء بأنّه
كان يتحدث مع بعض الطلاب وإذا به يغشى عليه في أثناء الكلام، فلما
أفاق قال إنّه لم يأكل من ثلاثة أيّام!
لم يكن هؤلاء الطلاب ليعترضوا بشيءٍ أو يقولوا شيئاً؛ لأنّهم يشاهدون
حياة مراجعهم وعلمائهم مثلهم. ينقل والدي عن السيد الخوئي أنّه قال:
إني قد أخرج في بعض الأحيان لشراء (اللبن الرائب) فأرجع والإناء خال
ليس فيه شيء؛ لأني كنت في طول الطريق مشغول البال بمسألة علمية أُفكر
فيها. لم يكن يقصد أحد من هؤلاء التفوق سوى التفوق في العلم والأخلاق
والروحانية. إنّ ذلك الوضع غير قابل للمقارنة مع وضع بعض طلبتنا اليوم
حيث لا نقتنع بشغل ولا شغلين.
ينقل أنّ حرم الإمام أمير المؤمنين ع كان في وقت السحر يعج بحدود
مائتين طالب يتلون دعاء أبو حمزة في قنوت صلاة الليل! وعندما ذهبت
للنجف كان الفصل شتاءً، وليل الشتاء طويل، فكانت أبواب الحرم تغلق
ليلاً، فحاول نجل السيد الحكيم فتحها في ليالي الجمعة فقط وكسب بذلك
موافقة خدّام الحرم. وقد كان السيد البجنوردي يذهب إلى الحرم فإذا وجد
الباب مغلقاً صلّى صلاة الليل خلف الباب، وهكذا كانت سيرة غيره من
العلماء. لقد كان جوّ النجف يساعد حتى الطالب غير المجدّ على أن يكون
عالماً؛ لأنّه أين ما حلّ يجد مجلس البحث العلمي منعقداً. فكل إنسان
يعيش في مثل هذا الجو يصير من أهل العلم بشكل طبيعي.
منقول: مجلة الاجتهاد.