ستون عاماً من الفهرسة والتحقيق والتأليف.. حوار مع سماحة السيد أحمد الحسيني الإشكوري

2021/12/01

في بعض الاحيان انت قد تحقق في كتاب ولديك برنامج معين يومي تعيشه لكن فترة اندماجك في الكتاب قد يتاخر الغداء او تسهر ليلا ً او تبقى للفجر ؟ ج/سماحة السيد أحمد الحسيني الإشكوري: طبعاً تحصل مثل هذه الامور، في الحقيقة أنا على وضعي الصحي اعمل لفترات عمل معينة ولكن في بعض الاحيان اضطر للعمل الى الصباح عندما يكون هذا العمل مهما جداً فأنا انسى نفسي.. وفي بعض الاحيان انسجم مع الكتاب بحيث أنسى الوقت.

جسم نحيل وعقل ثاقب يعيش وسط اوراق صفر ولولا حركته بين الكتب لما احسست بوجوده تكاد تلتصق الورقة والقلم بنظارته عندما يكتب، خطه جميل جدا ودقيق في كتابة المعلومة، لايعتمد جهاز الحاسوب بل الورقة والقلم هي الاساس في الكتابة، إنه شيخ المفهرسين سماحة المحقق السيد أحمد الحسيني الإشكوري. التقيناه في مركز إحياء التراث الاسلامي حيث يديره بكل جدارة واتقان لنتحدث عن مسيرته الكتابية والتحقيقية فكان اول سؤال وجهناه له:

س/ أول عمل حققته فيما يخص المخطوطات؟

ج/ في حدود سنة 1380 هجرية بدأت بتحقيق كتاب مجمع البحرين وأمل الآمل، واعتقد ان اول عمل هو في تحقيق امل الآمل ومجمع البحرين في ستة اجزاء وكان عملي هذا في النجف.

س/ من الواضح ان رغبتكم في ترك الدراسة الحوزوية والاتجاه الى تحقيق المخطوطات والاثار ؟

ج/ المخطوطات والتراث القديم هذا هو اساس ثقافتنا الاسلامية الدينية وهذا شيء اعتقد به، عن طريق إحياء الكتب والتراث الموجود عندنا نستطيع ان نطلّع على الثقافة الاسلامية الاصيلة فإذن انه الواجب ان نهتم بهذا الجانب لأنه مفتاح لمعرفة الثقافة الاسلامية وهذا السبب الذي جعلني اتجه بهذا الاتجاه.

س/ الان في عصر التطور كثير من المؤلفين يستخدمون الحاسبة والكومبيوتر للتاليف لكن نلاحظ ان سماحتكم ما زال يستخدم الورقة والقلم للكتابة مع الارشيف؟

ج/ انا اعتقد ان المعرفة الشخصية لها اهمية كبيرة والكومبيوتر لا يعني معرفة شخصية وانما تنقل معرفة الآخرين، المعرفة الشخصية بمعنى ان الانسان يبحث كثيراً والواجب انه على الانسان ان يتخذ هذه الطريقة وهي طريقة اتقن بالنسبة اليَّ.
من جهة ثانية اعتقد ان الكومبيوتر بصورة عامة طریقة جیدة للقضايا الاحصائية وليست للتحقيق..

س/ الجهود التي تبذلها للتحقيق ألا تعتقد أن الكومبيوتر يختزل من هذه الجهود؟

ج/ طبعاً هذا يجعل الانسان ينتج بسرعة اكبر لكن في المقدار الذي يسرع في الانتاج تقلّ قيمة الانتاج أي القيمة العلمية لأنه ليس فخراً ان الانسان يبحث في الحاسبة وياخذ المواضيع ويقول انا مؤلف..

س/ باعتبار ان المخطوطات تراث قيّم.. الان في هذا العصر ألا ترى بان المخطوطات بدأت نوعاً ما تندثّر ؟

ج/ لا بالعكس، نحن دائماً نحتاج الى معرفة الثقافة الاصيلة فكيف نعرف الثقافة الاصيلة..

س/ ولكن في ظل التطور الحاصل في مجال الحاسبات والطباعة فيمكن انه قد لا نجد مخطوطة للقرن الخامس عشر بعد خمسين او ستين عاما ؟

ج/انا اعتقد العكس، اعتقد ان الحاسوب هو شيء وقتي وقد يندثر الحاسوب، وتأتي طريقة او اجهزة اخرى احدث، وانا اعتقد بأن المخطوطة ستبقى..
ان المخطوطات التي تكتب بيد الاشخاص في الحقيقة هي وثائق والوثيقة لن تذهب ولو كانت جديدة، والوثيقة التي تكتب الآن مثلا ً بعد مئتي عام مثلا ً ستكون وثيقة لها قيمتها..

س/ اختصاصك في التحقيق الاحظ انه اكثر شيء في علم الرجال؟

ج/ لا، هناك مجالات اخرى في اللغة والفقه وفي الشعر حيث حققت ديوان ابي المجد الاصفهاني وهو شاعر كبير اقام في النجف لمدة، ومتضلع في النظم العربي حيث ذكره السيد الامين في أعيان الشيعة، وهو الشيخ محمد رضا ابو المجد الاصفهاني وكان عنده قرابة مع الشيخ كاشف الغطاء.

س/ ما هو رأيك بإجازات الرواية التي يتم منحها من قبل العلماء القدماء والحاضرين فيما بينهم ؟

ج/ الإجازة تختلف في امور الاجتهاد او الرواية او الحديث..
إجازة نقل الحديث معناها اتصال السند بين المجيز والمجاز الى ان يصل السند الى الائمة المعصومين”عليهم السلام” وهذا يعتبره بعضهم شيئا ضروريا حتى الانسان يدخل في جامعة المحدثين.. مثل المرحوم حسين النوري يوجب الاجازة لأنه يوجد عندنا حديث مضمونه انه يحولون الشيعة الى رواة الحديث فالنوري وغيره يعتقدون ان الانسان لم يكن راوياً للحديث الا ما يحتفظ بالسند، ومعنى احتفاظ السند ان يكون الشخص له اجازة بشيخه، فهذه فائدة الاجازة عند البعض.

وعند البعض الاخر فائدة الاجازة انها للتبرك لأن الانسان يكون صلة بينه وبين حديث اهل البيت”عليهم السلام” فيتبرك بهذا فيختلفون في فائدة الاجازة في عصرنا هذا.. طبعاً اهم الاجازات هي القراءة يعني التلميذ يقرأ شيئا من كتاب الحديث للكافي مثلا ً والشيخ يعطيه اجازة وهذه اعلى الاجازات مرتبةً..

واما بالشكل المبتذل الذي يحصل الآن فهذا شيء لا يفيد.. وانا شخصياً بالرغم من ان الكثير يطلبون مني اجازة قليل جداً اعطي اجازة، بعض الطلبة الفضلاء طلبوا مني اجازة فقرأت معهم مقدارا من الكافي والاستبصار والتهذيب ومن لا يحضره الفقيه ومن ثم بعد ذلك اعطيتهم الإجازة.. واذا كان البعض يعطي الاجازة من اجل المجاملة فهذه ليست لها قيمة..

وليس من الصحيح ان تحصل حالة من الابتذال في اعطاء الاجازة.. مثلا ً انا شخصياً عندي عشر اجازات فقط من علماء الشيعة و عشر اجازات من علماء الزيدية.. بينما انا كثير السفر وكثير اللقاء بالعلماء والمحدثين وقد يكون باستطاعتي ان أي شخص اراه استجيزه فيصير عندي عدد كبير من الاجازات..اول اجازة حصلت عليها من الشيخ اغا بزرك الطهراني وهو اجازني مرتين..

س/ الان بدأت تظهر بعض الكتب كتعليق او هامش للذريعة وانا من خلال متابعتي البسيطة للذريعة وهو يعتبر مصدرا مهما جداً الا ان هناك بعض الملاحظات على هذا الكتاب وقد تكون الاخطاء فنية او تكرارا بالاسماء او نسيانا لبعض الاسماء.. هل لديکم مراجعة لهذا الكتاب او تاليف لهذا الكتاب ؟

ج/ انا عندي شيء مطبوع على هامش الذريعة، فيه اضافات على الذريعة.. وانا قبل 40 سنة بدأت بالاستدراك على الذريعة وعناوين استدركتها وهي لا توجد في الذريعة وقد لا توجد حتى في الفهارس حسب اطلاعي على المكتبات الخاصة، خاصة وقد رتبت مجلدين بعنوان مستدرك الذريعة وهو مطبوع الحمد لله تعالى.

عندي تأليف حول مؤلفات الامامية وهو عمل خاص والمقدار الذي اجمعه حتى الان اذا تم طباعته يصل لحدود 20 مجلدا بعنوان (مؤلفات الامامية).
يجب ان ارى الكتب وأتاكّد منها وكل كتاب هنا معرّف وليس مجرد قائمة اجعلها بأسماء الكتب وانما تعريف بالكتاب والتعريف لا يمكن الا برؤية الكتاب.

س/ عندما تحقق في كتاب معين ما هي مشاعرك التي تعيشها في هذا التحقيق ؟

ج/ اعمالي كلّها مرحلية، المقصود ان الكتاب يُحيا ولكنه وقت ما اطبع الكتاب لن اتركه، دائماً إمّا اهمّش أو اشياء جديدة وأضع نسخة من الكتاب المطبوع عندي واكتب بها..من الجانب النفسي في الحقيقة انا باعمالي فرحان بشيء واحد وهو ان انسانا تمكن ان يسد فراغا..

س/ في بعض الاحيان انت قد تحقق في كتاب ولديك برنامج معين يومي تعيشه لكن فترة اندماجك في الكتاب قد يتاخر الغداء او تسهر ليلا ً او تبقى للفجر ؟

ج/ طبعاً تحصل مثل هذه الامور، في الحقيقة أنا على وضعي الصحي اعمل لفترات عمل معينة ولكن في بعض الاحيان اضطر للعمل الى الصباح عندما يكون هذا العمل مهما جداً فأنا انسى نفسي.. وفي بعض الاحيان انسجم مع الكتاب بحيث انسى الوقت..

س/ هل حققت او الفّت كتابا كنت تتمنى ان يكون افضل من الذي طبعته ؟

ج/ طبعاً الكثير، فالظروف تختلف والامكانات تختلف في ظرف ما الانسان يعمل عملا معينا لكن بعدها أراجع الكتاب بدقة أكبر وأرى فيه أخطاء أنا أخجل منها..
أنا اعتقد ان الذي يعتقد بأنه قد اكمل العمل 100% فهذا جاهل، فهذا الامر غير ممكن..

س/ تجربتك وكتاباتك، أما آن الاوان ان تكون هنالك مثلاً مدرسة او تلقي محاضرات بخصوص طبيعة عملك لكي يستفيد منها الشباب او الباحثون الجُدّد ؟

ج/ أنا في فهرسة الكتب خاصة والمخطوطات عندي طريقة خاصة وهي طريقة مختصرة ميسرّة.. الطريقة الآن هي متعبة في ايران.. يعني ان المفهرسين الجدّد تقريباً الآن هم على نفس الطريقة يفهرسون المخطوطات وبعضهم في اول الفهرس يصرّحون على ان الطريقة مأخوذة من فلان وبعضهم لا يصرّحون..فالطريقة اصبحت متعبة في ايران..هناك الكثير يأتون ويسألون وانا اجيبهم..

س/ بخصوص الفهرسة اعتقد ان سماحتكم حصل على الجائزة الاولى في ايران ؟

ج/ انا حصلت على 18 لوحة تقديرية عندي.

س/ مشاركاتك خارج ايران، هل لها طابع مميز عندك؟

ج/ ذهبت الى لندن بسفرتين، وسفرتين الى مؤتمر الغدير للسيد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم ولكن بقيت انا مدة اكثر من مدة المؤتمر وكنت اراجع..واتصل مع المفكرين في بريطانيا وفي ايطاليا كذلك.. حيث ذهبت الى ايطاليا في سفرة لمؤتمر في جامعة روما وانا في نفس السفرة ذهبت الى فيینا وذهبت الى المكتبة وايضاً ذهبت الى مكتبة مهمة في روما.. وفي جامعة روما كان عندي محاضرة بالنسبة الى الكتب الاسلامية وخاصة محاضرات واسئلة واجوبة للطلبة.

س/ هل دخلت في مناظرة مع اصحاب الديانات الاخرى ؟

ج/ الكثير الكثير.. في الحجاز واليمن وفي اوربا ايضاً..

 

المصدر: مجلة الکوثر – العددين ال 36 – 37
أخترنا لك
الزائر الايراني والامام الحسين (ع) وقصة الثلاثة دنانير!!! يرويها المرحوم الشيخ علي أكبر تبريزي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة