في رثاء الشيخ الرائد عبد المحمد

2021/05/10

 
كتب الشيخ الدكتور عباس الترجمان في رثاء الشيخ الرائد عبد المحمد وقد استبد بالترجمان الحزن على استاذه وشيخه فقال :

عبد المحمد بن الشيخ عبد علي الخطيب النجفي كان قلباً كبيراً نابضاً بالحبّ والولاء من أشهر مشاهير خدام سيد الشهداء أوفى بعهده حتى أُقعد فخدم سيده محمولاً على عربة ولم يهن ولم يضعف روحه الوثّاب إلى سماء الحسين   (عليه السلام)حتى يوم الرحيل والالتحاق بركب الشهداء والصديقين من أصحاب ريحانة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في دار الكرامة عام 1389هـ .

منذ أن تطلّعت إلى المجتمع النجفي ـ الذي يمتاز عن سائر المجتمعات بمميّزات تخصّه دون غيره ـ منذ طفولتي ، حينما كنت أرتقي الأعواد منشداً مراثي أهل البيت   (عليهم السلام) كان يطرق سمعي ذكر الشيخ «عبد المحمّد الرادود» ، بشيء من الاحترام والتعظيم ، ثمّ أخذت أتابع مواقفه في الصحن العلويّ الشريف ـ مهما أمكنني ـ معجباً بجرأته الأدبيّة ، وصوته الجهوريّ ، وشدّته في ذات الله ، وشعره في نصرة النبيّ وآله المظلومين (عليهم السلام) ، وثباته ودأبه في هذا المجال ، في موارد الأفراح والأتراح ، وكان لا يترك مناسبة إسلاميّة إلاّ واحتفل بها ، أو تظاهر بموكبه «موكب الشوشتريّة» في النجف الأشرف ، كلّ ذلك تعظيماً لشعائر الله تعالى ، وكان بعيداً عن الرياء والسمعة والتشريفات ، والمنافسات التي لا ترضي الله ، ولا يهتمّ بكثرة ا لناس أو قلّتهم في مجلسه ، فكان يؤدّي ما يراه لازماً من الإحتفال بمواليد المعصومين ووفيّاتهم وكراماتهم (عليهم السلام) ، وكذلك كان يكرّم العلماء ويجلّهم بمسيرة موكبه في رحلتهم إلى دار البقاء .

وكنت أوّل ما حضرت مجلسه ، وسمعت قراءته طفلاً صغيراً كان قد جلبني معه أخي الأكبر الشاعر الأديب «عبد الأمير ترجمان» إلى حسينيّة المرحوم الحاج خليل خادم الحسين (عليه السلام) ، المشهور «خليل كور» الذي كان أعمى ، لكنّه كان مولعاً بخدمة أهل البيت (عليهم السلام) وذلك بمناسبة كرامة ظهرت آنذاك للإمام أمير المؤمنين   (عليه السلام) لا أتذكّر ماهيّتها الآن بالضبط ، واحتفل النجفيّون بهذه الكرامة الباهرة ، وزيّنت الأسواق ، وتليت القصائد والأناشيد في مدحه (عليه السلام) وذكر هذه الكرامة ، فارتقى المرحوم الشيخ عبد المحمد المنبر وأنشد قصيدته التي أحفظ مطلعها منذ ذلك الوقت ، وهو :

«يا حيّ أبو حسين السطع برهانه***أمست الشيعه بمعجزة فرحانه»

وكنت أتشوّق إلى إنشاده ; لأنّه كان يشدّ من يسمعه إليه ليتابعه ، وما ذلك إلاّ بسبب إخلاصه في عمله ، وبعده عن السمعة والرياء ، فكان خادماً واقعيّاً للإسلام وقادته ، وبعد أن تعرّفت عليه وتعرّف عليّ كان يوجّه إليّ نصائحه وإرشاداته بين الفينة والفينة .

وكان هذا دأبه في كلّ المناسبات ، لا يترك مناسبة دينيّة إلاّ واحتفل بها سواء في الأفراح أو الأتراح ، ولم ينقطع طيلة حياته ، حتّى مرض مرضه الأخير الذي توفّي فيه ، وعجز عن المشي ، وكان ملازماً لموكب الشوشتريّة ـ ولم يكن هو شوشتريّاً ـ ولقد رأيته آخره مرّة ، وهو محمول في عربة خشبيّة صغيرة ، يدفعونها في الصحن الشريف ، حتّى أصعدوه وأجلسوه على المنبر ، فأنشد مراثيه الشجيّة .

ولما كنت بعيداً الآن عن المحيط النجفيّ الفيّاض بالعلم والأدب لم أطّلع على شيء من نسبه ودراسته ونشأته الأُولى ، غير أنّه عبد المحمّد بن المرحوم الشيخ عبد علي الخطيب النجفيّ ، وأنه كان يقول لي ـ أحياناً ـ إنّ أباك أُستاذي ، وأنّه كان يمتهن الكتابة في بعض المحالّ التجاريّة ، ويقرّض الشعر .
 
ولقد كرّس المغفور له حياته في نصرة آل الله وآل رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنشاءً وإنشاداً وخدمة ، وكان ملتزماً متبرّعاً بادارة حسينية الشوشتريّة الواقعة في زقاق «السلام» بمحلّة العمارة في النجف الأشرف ويقوم بتنظيمها وتنظيفها بنفسه ، وتضمّ هذه الحسينيّة مكتبة ضخمة عامّة تحتوي على كثير من المخطوطات ، فكان مخلصاً بخدمته لأهل البيت (عليهم السلام) ، وقد شاهد منهم (عليهم السلام)كثيراً من الكرامات ، منها ما نقلها السيّد عبد الحسين المعروف بالسيّد عبّود ابن المرحوم السيد علي الحسيني المعروف بـ «أرزون فروش» النجفي الساكن حاليًّا في مدينة قم المقدّسة قال : إنّ الملاّ عبد المحمّد قال لي ذات يوم : كنت مسافراً إلى مدينة الديوانيّة لقضاء بعض الأشغال ، وكان اليوم يوم الثلاثاء ـ وهو اليوم الذي كان يعقد فيه مجلساً في مسجد سهيل «السهلة» غربيّ مسجدالكوفة بما يقرب من خمسة كيلومترات ـ ولمّا أردت الرجوع إلى النجف ; لأذهب إلى مسجد السهلة ; لكي أُقيم المجلس الأُسبوعي هناك ، لم أحصل على واسطة نقل تنقلني من الديوانيّة إلى السهلة ، وقد قارب الوقت الغروب ، فبقيت مفكّراً في أمري ، وأنا واقف على قارعة الطريق ، وإذا بسيّارة وقفت إلى جنبي ، وقال سائقها : إركب يا ملاّ ، وقد فتح باب السيّارة ، فقلت له : أُريد الذهاب إلى النجف ثمّ إلى مسجد السهلة ، فقال : أدري .. ; إركب ، فركبت ، وسارت السيّارة ، وبعد قليل وصلنا إلى السهلة ، وأوقف السائق السيّارة عند باب المسجد ، فلمّا نزلت من السيارة ونظرت إلى داخل المسجد وإذا بالمؤذّن يؤذّن لصلاة المغرب ، وكنت أفكّر بما أعطي من أجر للسائق ، فالتفتّ فلم أرَ السائق ولا السيّارة .

ونقل الأخ طالب ـ جامع الديوان ـ بن المرحوم الحاج رجب التنكچي عن الشيخ صالح المجلسي أنّ الملاّ عبد المحمّد مرض مرضاً شديداً ، عجز عنه الأطبّاء ، فأخذ شيئاً من تربة الإمام الحسين (عليه السلام) وتوجّه نحو الحسين (عليه السلام)وطلب من الله الشفاء بواسطة هذه التربة الشريفة ، فشافاه الله تعالى ، وبرئ من مرضه ، ونظم قصيدته الموجودة في الديوان ، والتي مطلعها :

«تربتك يبن الزچيّه تربتك***أعظم دوه وبيها الشفه»

عباس الترجمان
أخترنا لك
شذرات من سيرة الشيخ هادي الكربلائيّ(ت:1412هـ) الشيخ ضياء علاء الكربلائيّ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة