فيما يلي الجزء الثاني من مقال كوكب حسين عزيز الهلالي حول مدرسة
السردا حسن خان القزيني في كربلاء المقدسة، نشر جزءه الأول يوم الجمعة
(19 آذار 2021). وكان الحديث عن العلماء الذين درسوا في هذه المدرسة
التاريخية.
6- السيد إبراهيم القزويني الحائري (ت 1214-1164هـ/1799-1750م)
السيد إبراهيم ابن السيد محمد باقر الموسوي القزويني المجاور، كان
أبوه من أهل قزوين وسكن فيها وانتقل مع أبيه من محال قزوين إلى
كرمانشاه وقرأ مبادئ العلوم على من فيها من المدرسين، وأقام أبوه في
کرمانشاه عند محمد علي میرزا من أمراء العائلة المالكة القاجارية الذي
كان حاكما فيها وصار معلما لأولاده، ثم انتقل مع والده إلى كربلاء
المقدسة فقرأ أولا على السيد علي الطباطبائی صاحب الرياض في أواخر
أيامه ثم لازم درس المولی محمد شریف العلماء في الأصول، ثم هاجر إلى
النجف الأشرف فقرأ على الشيخ علي ابن الشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء في
الفقه نحو ثمانية أشهر أو سبعة عشر شهرا، وعلى أخيه الشيخ موسى ثم عاد
إلى كربلاء المقدسة، وقرأ أيضا على السيد محمد صاحب المناهل ومفاتيح
الأصول وهو الذي رغبه في التأليف في الفقه وأعطاه من كتب الفقه ما
يلزمه.
اشتغل بالتدريس في حياة أستاذه شريف العلماء (ت 1245هـ/1829م) حتى
اجتمع في مجلس درسه في كربلاء المقدسة ما يزيد عن ألف طالب، وبعد وفاة
أستاذه استقل بالتدريس وكان يدرس في مسجد مدرسة السردار حسن خان
المتصلة بالصحن الشريف الحسيني ويجتمع في حلقة درسه سبعمائة طالب إلى
ثمانمائة إلى ألف، وفيهم من فحول العلماء ومن مشاهير تلاميذه: الشيخ
زین العابدین البار فروشي المازندراني الفقيه المشهور الذي انتهت إليه
الرئاسة في كربلاء المقدسة، والسيد حسين الترك، والسيد أسد الله نجل
حجة الإسلام، والشيخ مهدي الكجوري الذي كان في شيراز، والسيد أبو
الحسن التنكابني، والحاج محمد کریم اللاهجي، والشيخ عبد الحسين
الطهراني، وملا علي محمد التركي، وملا علي الكني، ومیرزا محمد حسين
الساروي، ومیرزا محمد محسن الأردبيلي، ومیرزا صالح من العرب، ومیرزا
رضا الدامغاني، والشيخ
محمد طاهر الكيلاني، وملا محمد صادق التركي، وآقا جمال المحلاتي
وأمثالهم، وكل واحد منهم صار مرجعا في بلاده.
كان يدرس درسين: أحدهما في الأصول، عنوانه کتاب نتائج الأفكار من
تأليفه، والآخر في الفقه، عنوانه شرائع المحقق الحلي، وفي أكثر
الأوقات یدرس الفقه حسب ترتيب شرحه على شرائع الإسلام المسمى بدلائل
الأحكام فيكتب الشرح فيقرؤه في الدرس، وكان في أكثر الأوقات يقول إذا
كان لأحد كلام أو رد
أو بحث أو دليل زائد على ما ذكرناه فليتكلم، وإذا ناظره أحد في مجلس
الدرس يجيبه فإذا رأى أن الطرف المقابل غرضه المجادلة لا فهم الحقيقة
يسكت عن جوابه، وكان معاصرا للشيخ محمد حسین صاحب الفصول وتجري بينهما
مباحثات في المجلس، و من آثاره بناء سور سامراء فقد بني بمسعاه.
صنف کتبا ورسائل منها: ضوابط الأصول وهو مطبوع في مجلدين، نتائج
الأفكار في الأصول، رسالة في حجية الظن، دلائل الأحكام في شرح شرائع
الإسلام في الفقه من الطهارة إلى الديات في مجلدات عدة، رسالة فارسية
في الطهارة والصلاة والصوم، رسالة عربية مفصلة في الطهارة والصلاة،
مناسك الحج، رسالة في الغيبة، رسالة في صلاة الجمعة، رسالة في القواعد
الفقهية جمع فيها خمسمائة قاعدة، توفي في كربلاء (سنة 1164هـ/1750م)
عن عمر ناهز الستين ودفن في مقبرة بجانب داره قريبا من المشهد الحسيني
الشريف.
۷- شريف العلماء المازندراني (ت 1246هـ/1830م)
محمد شريف بن حسن علي المازندراني الأصل، الحائري، الشهير بشريف
العلماء، كان فقيها إماما مجتهدا، من كبار الأصوليين ومشاهير
المدرسين، له يد طولى في علم الجدل، وكان أعجوبة في الحفظ والضبط ودقة
النظر وسرعة الانتقال في المناظرات وطلاقة اللسان، وله يد طولى في علم
الجدل لم يناظر أحدا إلا غلبه، ولد في الحائر (كربلاء)، وتتلمذ أولا
على السيد علي المجاهد الطباطبائي الحائري، ثم حضر في الفقه والأصول
على والده السيد علي الطباطبائي صاحب «الرياض» ولازمه مدة تسع سنوات،
وسافر إلى إيران، وتنقل في مدنها، ورجع إلى مدينة كربلاء المقدسة،
وأكب على المباحثة والمطالعة، وبرع في أصول الفقه، وتصدر للتدريس،
فمهر فيه، واتجهت إليه الأنظار، وتهافت عليه أهل العلم لغزارة علمه
وحسن تقريره، حتى بلغ عدد من يحضر درسه و تحت منبره ألف شخص أو أكثر،
درس في مدرسة السردار حسن خان، وكان لا يفتر عن التدريس والمذاكرة،
ولذا قل نتاجه العلمي، له من المؤلفات: «رسالة في مقدمة الواجبة»،
تتلمذ عليه وتخرج به الجم الغفير، منهم: السيد إبراهيم بن محمد باقر
القزويني الحائري صاحب «الضوابط»، والشيخ مرتضی بن محمد أمين
الأنصاري، والسيد محمد شفیع بن علي أكبر الجاپلقي، والسيد عبد الغفور
بن محمد إسماعيل اليزدي الغروي، وغيرهم كثير، توفي بالحائر (سنة
1246هـ/1830م).
۸- الشيخ حسن المامقاني (1238-1323هـ/1822-1905م)
الشيخ حسن ابن المولى عبد الله بن محمد باقر بن علي أكبر بن رضا
المامقاني، ولد في مامقان (جنوب تبریز) (سنة 1238هـ/1822م)، هاجر مع
والده إلى مدينة كربلاء المقدسة وعمره يومئذ عدة أشهر وتوفي والده
وعمره الشريف ثماني سنين فقام بتربيته الشيخ: صاحب « الفصول» فرباه
تربية صالحة حتى بلغ من بره به أن عين له مدرسا وموضوع الدرس، وأقام
في كربلاء المقدسة مدة في مدرسة السردار حسن خان يدرس فيها إلى أن
توفي صاحب «الفصول»، فانتقل إلى الغري «النجف الأشرف» وعمره الشريف
يومئذ سبع عشرة سنة وسكن إحدى حجرات الصحن الشريف العلوي.
وفي (سنة 1255هـ/1839م) جاء كثير من أهالي تبريز للزيارة وطلبوا منه
السفر إلى بلاده فأبى وذهبوا إلى الشيخ صاحب « الجواهر» وطلبوا منه
إقناعه فألزمه الشيخ (قدس سره) بالسفر فذهب معهم وأخذ يدرس في مدارسها
ويحضر عنده جمع غفير من الطلاب فمکث سنين في تبريز على هذا الحال، ثم
رجع إلى العراق بعد أن قيض الله له وفاء دیونه وأسعفه بما يلزم من
مؤنة السفر ومؤنة النجف الأشرف، فورد النجف الأشرف (سنة 1270هـ/1853م)
بعد وفاة الشيخ صاحب «الجواهر» بأربع سنين فأخذ يدرس المتون فكان
أستاذا بها.
ثم حضر في الفقه والأصول على العلامة الأنصاري أكثر من عشرين سنة وفي
الأصول على العلامة السيد حسين الترك النجفي، ولما انفصل أستاذه السيد
حسين الترك استقل بالتدريس والتأليف، كان يدرس الفقه صباحا، ويدرس
الأصول عصرا في مسجد الشيخ صاحب الجواهر، وكانت حوزته تضم أكثر من
مائتي طالب في درس الفقه وأكثر من خمسمائة طالب في درس الأصول، وبعد
وفاة الفاضل الإيرواني رجع إليه في التقليد كثير من أهالي أذربيجان و
قفقاس وإيران ودرت عليه الحقوق الشرعية وتفرد بالمرجعية لتلك الأقطار.
من مؤلفاته: بشرى الوصول إلى أسرار علم الأصول في ثماني مجلدات، حاشية
على المكاسب لمرتضى الأنصاري في مجلدين، وذرائع الأحلام في شرح شرائع
الإسلام في الفقه في مجلدات عدة. توفي يوم السبت الثامن عشر من المحرم
(سنة 1323هـ/1905م).
9- الشيخ كاظم الهر (ت 1333هـ/1914م)
الشيخ كاظم ابن الشيخ صادق ابن الشيخ أحمد المعروف بالهر، كان فقيها
عالما قرأ على السيد محمد حسين الشهرستاني و میرزا محمد حسين
الأردکاني والشيخ زين العابدين المازندراني، وهو معاصر للسيد إسماعيل
الصدر والسيد محمد باقر الطباطبائي والسيد هاشم القزويني، وكانت له
حلقة دراسية في مدرسة السردار حسن خان، وله ديوان شعر جله مدح في آل
البيت (ع) ورثاء لهم، ولم يطبع، كان فاضلا مشاركا أديبا ظريفا، توفي
(سنة 1333هـ/1914م) في مدينة كربلاء المقدسة ودفن بها.
10- الفقيه حسن اليزدي الكثنوي (ت 1297هـ/1879م)
هو حسن بن غلام علي بن محمد رشيد اليزدي الكثنوي الحائري، الفقيه
الإمامي، الواعظ، قرأ في بلاده مقدمات العلوم، وانتقل في أيام شبيبته
إلى مدينة أصفهان، فدرس عند السيد محمد باقر بن محمد تقي الشفتي
الأصفهاني المعروف بحجة الإسلام (ت 1260هـ/1843م) وغيره، وارتحل إلى
العراق لإكمال دراسته، فأقام في الحائر (كربلاء)، وتتلمذ على العالمين
الأصوليين: محمد شريف بن حسن علي المازندراني الحائري المعروف بشريف
العلماء، و محمد حسين بن محمد رحيم النجفي «صاحب الفصول»، وأحاط بعدة
فنون، ثم رجع في حدود (سنة 1250هـ/1834م) إلى بلاده، فأقام في قريته
مرشدا وواعظا ومرجعا لأهلها، متصديا للتأليف في شتى العلوم.
رجع إلى مدينة كربلاء المقدسة بعد (سنة 1280هـ/1863م)، فوعظ بها ودرس
في مدرسة السردار حسن خان، وأقام الجماعة في مسجدها إلى أن وافته
المنية (سنة 1287هـ/1870م)، وكان قد ألف كتبا ورسائل، منها: قوانین
الأحكام في الفقه وهو كتاب استدلالي يقع في مجلدات عدة، لوامع الأصول
في أصول الفقه، «رسالة في العصمة»، «الرد على العامة»، «حقوق آل
محمد»، «أنوار الهداية في المواعظ والفضائل»، «موائد الفوائد»،
«الموائد» فارسي عناوينه: «فائدة، فائدة»، وهو موجود في كربلاء
المقدسة، ينقل فيه مناظرة لأستاذه الشيخ محمد حسين الأصفهاني الحائري
صاحب كتاب «الفصول» مع بعض العامة.
11- الشيخ محمد صالح آل كدا علي (ت 1288هـ/1871م)
الشيخ صالح ابن الشيخ مهدي ابن الخطاط المشهور بـ آقا محمد جعفر ابن
الأمير فضل علي خان المشهور بكدا علي بك النوري الحائري، كان عالما
فاضلا فقيها ثقة، صالحا ورعا مشهورا بذلك عند الحائريين وله قبول
عندهم وإمامة بهم، وكان جده كدا علي بك من خوانين إيران ومن أكابر
الأثرياء في بروجرد وسلطان آباد، يقال إنه من قبيلة «جوذرزي» المنسوبة
إلى آل نوبخت، وهاجر من وطنه إلى الحائر بعد الدولة الصفوية و تبدل
السياسة الأفشارية إلى العراق فسكن كربلاء المقدسة، وكان يقطن في
الزقاق المعروف باسمه المتفرع
من شارع الإمام الحسين قرب الصحن الحسيني الشريف، وتزوج أخت الميرزا
صالح الشهرستاني.
وهو من مشاهير تلاميذ العلامة السيد إبراهيم القزويني الحائري صاحب
«الضوابط» وغيره من أعلام کربلاء المقدسة في ذلك العصر، وكان مرجعا في
كربلاء المقدسة لكنه يفتي برأي الشيخ مرتضى الأنصاري تورعا واحتياطا
مع أنه لا ينكر عليه لو ادعى الاجتهاد كما يقوله بعض المطلعين على
أحواله، درّس في مدرسة السردار حسن خان، وغلب عليه النسك والعبادة
وعرف بالزهد والتقى والورع حتى صار محل ثقة العامة والخاصة وصار
الإمام الوحيد في الحائر يصلي خلفه جماعة زهاء خمسة عشر ألفا فيمتلئ
الصحن الشريف الحسيني من جميع أطرافه تقريبا فيقف هو في الزاوية
الجنوبية الغربية عند باب الزينبية وتنتهي الجماعة في الزاوية
الشمالية الشرقية عند باب مدرسة حسن خان، وترك تصانيف قيمة في الفقه
لا تزال محفوظة بأيدي أحفاده اليوم. توفي بكربلاء المقدسة في ذي الحجة
(سنة 1288هـ/1871م)، ودفن في مقبرة خاصة له ولأسرته في الواجهة
الشمالية من الصحن الحسيني جوار إيوان الوزير، وأعقب عدة أولاد أكبرهم
الشيخ مهدي القائم مقام أبيه، ومن أحفاده الدكتور عبد الرزاق
الشهرستاني بن مرتضى الصالح الذي استوطن الكوفة وانتقل إلى الكاظمية
بحكم وظيفته، و أرخ وفاته الميرزا محمد الهمداني المعروف بإمام
الحرمين بقوله من قصيدة رثاه بها:
لله صالح قد قضى نحبه أحيى الليالي بالدعاء والقنوت
كوكب حسين عزيز الهلالي
*اقتباس من مجلة (تراث كربلاء)/ السنة السادسة/ المجلد السادس/ العدد
الأول (19) شهر جمادى الآخرة 1440هـ/آذار 2019م/ ص 193-215