مدرسة السردار حسن خان القزويني في كربلاء المقدسة (1)

2021/03/22

تميزت مدينة كربلاء المقدسة بوصفها إحدى الحواضر الإسلامية المقدسة باهتمامها بالمدارس الدينية، إذ شكلت هذه المدارس جانبا حضاريا مهماً وحيويا من تاريخ النهضة العلمية الكربلائية، وفي حقب زمنية مختلفة لنشر العلوم والمعارف الإسلامية عامة، وتعاليم أئمة أهل البيت (ع) الرسالية وعطائهم الفكري على وجه الخصوص، إذ كان لوجود المراقد المقدسة للأئمة الأطهار من آل رسول الله (ص) أثر كبير لجعلها قبلة للزائرين والوافدين لطلب العلم من كل البلاد القريبة والبعيدة، لذا تسابق محبو العلم والمعرفة من العلماء والصالحين، إلى التبرع ببناء المدارس الدينية والعلمية من أجل توظيفها للدرس والبحث والتأليف ومواكبة الحياة العلمية، فبزغ فيها علماء أجلاء ومفكرون في مختلف المجالات، وصنفت داخل أروقتها العديد من المصنفات القيمة وحفظتها مكتباتها.

وكانت الدراسات الدينية في بداياتها تتخذ من أروقة وصحن و حجر الروضتين الحسينية والعباسية أماكن لها، وكذلك في بعض بيوت العلماء، وبعد اتساع حلقات الدرس والتوسع في مناهج الدراسة أنشئت المدارس في أماكن مستقلة قريبة من أضرحة الأئمة (ع) أو قبور العلماء والفقهاء والأولياء الصالحين.

تقع مدرسة السردار حسن خان في الزاوية الشمالية الشرقية من روضة الإمام الحسين (ع)، شیدها السردار حسن خان القزويني* (سنة 1180هـ/1767م)، وكانت في حينها أكبر مؤسسة علمية دينية في مدينة كربلاء المقدسة.

وكانت المدرسة واسعة وكبيرة جدا احتوت على (70) حجرة، وصالات عدة، وبقیت آثارها قائمة إلى ما قبل (سنة 1411هـ/1991م) ولكن بمساحة أقل حيث تضم (16) حجرة.

تعد مدرسة السردار حسن خان القزويني في حينها أعظم مؤسسة دينية علمية في مدينة كربلاء المقدسة، درس فيها فحول العلماء و المراجع المعروفين قديما وحديثا، كما تخرج فيها نخبة من العلماء والفقهاء والثقات والمفكرين الإسلاميين العظام، فواكبت هذه المدرسة بهؤلاء الأعلام الأجلاء النهضة العلمية حينها وخلدت لنا أسماءهم وإنجازاتهم العلمية.

أولا: العلماء الذي درّسوا في المدرسة

ومن العلماء والفقهاء الذين مارسوا التدريس في هذه المدرسة الدينية العريقة:

١- الفاضل الأردکاني (1235-1302هـ/1819-1884م)

حسین (محمد حسین) بن محمد إسماعيل بن أبي طالب بن علي الأردکاني اليزدي، الحائري، المعروف بالفاضل الأردکاني، كان من أجلاء علماء الإمامية، فقيها، أصوليا، محققا، مرجعا في الأحكام، ولد في أردکان (من توابع یزد) (سنة 1235هـ/1819م)، وتتلمذ على عمه الفقيه محمد تقي بن أبي طالب الأردکاني (1268هـ/1884)، واستفاد منه كثيرا، وروى عنه، وكتب تقریرات بحثه في أصول الفقه.

ارتحل إلى العراق، فأقام في الحائر (كربلاء المقدسة)، وحضر بحث السيد إبراهيم بن محمد باقر القزويني الحائري مؤلف «الضوابط»، وغيره وبلغ في الفقه والأصول مرتبة سامية، وتصدى للتدريس في مدرسة السردار حسن خان، وعرف في الأوساط العلمية بالتحقيق والتدقيق والتبحر، فتهافت عليه العلماء والطلاب، وازدهر العلم بكربلاء المقدسة في عصره، واشتهر اسم المترجم، وذاع صيته، وأصبحت له زعامة دينية، ورجع إليه في التقليد، وكان قليل الاعتناء بالزعامة مع إقبالها عليه، زاهدا، يقول الحق ولا يحابي أحدا، خرج من مجلسه ثلة من المجتهدين العظام، أبرزهم: الميرزا محمد تقي بن محمد علي الشيرازي الحائري (ت 1338هـ/1919م)، والسيد محمد حسین بن محمد علي المرعشي الشهير بالشهرستاني (ت1315هـ/1897م)، والسيد محمد حسن بن عبد الله الكشميري الحائري (ت 1328هـ/1908مم)،

والسيد محمد باقر بن أبي القاسم بن حسن بن محمد المجاهد الطباطبائي الحائري (ت1331هـ/1912م)، وغيرهم، وألف كتبا، منها: كتاب الطهارة، کتاب الصلاة، وكتاب المتاجر، وله تعليقات على: «ریاض المسائل» في الفقه للسيد علي الطباطبائي، و «المعالم» للحسن ابن الشهيد الثاني وغير ذلك، توفي في كربلاء المقدسة (سنة 1302هـ/1884م).

٢- السيد معصوم الأشكوري (متوفى في القرن 13هـ)

هو معصوم بن جعفر الحسيني الديلماني الاشكوري، تتلمذ على علماء قزوین، وكان يقيم (سنة 1233هـ/1817م) في مدرسة السردار حسن خان، وقد استنسخ بها بعض الكتب الدراسية لنفسه.

هذا يوضح لنا الدور المهم لهذه المدرسة أنها كانت رافدا مهما لطلاب العلم من أجل نسخ الكتب العلمية التي يحتاج إليها طالب العلم بمختلف مجالاته.

٣- السيد التنکابني (ت 1335هـ/1916م)

السيد سليمان الحسيني التنكابني، ولد في تنکابن (من توابع جيلان ) وتعلم المبادىء والمقدمات في مدارسها، ثم هاجر إلى مدينة كربلاء المقدسة واشتغل على أعلامها وسكن في مدرسة السردار حسن خان المجاورة للصحن الحسيني الشريف، واشتغل بتدريس المتون والسطوح العالية من الفقه والأصول والتفسير والكلام وغيرها، تتلمذ عليه عدد من الفضلاء منهم السيد محمود المرعشي (ت 1338هـ/1919م) والسید شهاب الدين الحسيني المرعشي النجفي، وله مؤلفات في العلوم الغريبة والأعداد، كان زاهدا عارفا جامعا للعلوم الإسلامية، توفي (سنة 1335هـ/1916م) في كربلاء المقدسة.

4 – المولى الدربندي (ت 1285هـ/1868م)

آقا بن عابد بن رمضان بن زاهد الشيرواني الأصل، الحائري الشهير بالدربندي، فقيه إمامي، أصولي، متکلم، خطیب، محدث، مؤرخ، تتلمذ في العراق على الشيخ علي بن جعفر کاشف الغطاء في الفقه، وعلی شریف العلماء المازندراني الحائري في أصول الفقه، وشارك في علوم متنوعة، وبرع في أكثرها، ولبث في مدينة كربلاء المقدسة مدة طويلة مارس خلالها التدريس في مدرسة السردار حسن خان، فكان من أجلاء العلماء بها آمراً بالمعروف ناهيا عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، كثير الحب لسيد الشهداء أبي عبد الله الحسين (ع) أثرت عليه وقعة الطف بشكل خاص، فكان من أجلها ثائرا موتورا كثير التوجع والبكاء واللطم والنوح عندما يرتقي المنبر في عاشوراء ويذكر مقتل الحسين (ع)، وتوجه إلى إيران فأقام في طهران ووعظ ودرس، أخذ عنه جماعة، منهم: محمد بن سليمان التنكابني وقد حضر بحثه في شرح ابن أبي الحديد لـ «نهج البلاغة»، والسيد محمد رضا الموسوي الهندي وأجيز منه.

صنف کتبا ورسائل، منها: شرح منظومة «الدرة النجفية» في الفقه للسيد محمد مهدي بحر العلوم سماها خزائن الأحكام، رسالة عملية بالفارسية في التقليد والطهارة والصلاة، خزائن الأصول ( مطبوع ) في جزأين، الأول في أصول الفقه والثاني في أصول العقائد والدراية والرجال، حجية الأصول المثبتة بأقسامها في أصول الفقه، قواميس القواعد في دراية الحديث والرجال وطبقات الرواة، المسائل التمرينية (مطبوع مع خزائن الأصول )، جواهر الإيقان (مطبوع) بالفارسية في مقتل الإمام الحسين، إكسير العبادات في أسرار الشهادات (مطبوع) ويقال له أسرار الشهادة، الجوهرة (مطبوع مع أساس الأصول)، ورسالة الغيبة «للسيد دلدار علي» في الفلك، رسالة في علم الإكسير، سعادات ناصري (مطبوع) بالفارسية وهو ترجمة لبعض «إكسير العبادات»، والفن الأعلى في الاعتقادات.

توفي بطهران (سنة 1285هـ/1868م)، وقيل (سنة 1286هـ/1869م)، وحمل إلى كربلاء المقدسة ودفن في الصحن الصغير في حجرة سبقه إلى الدفن بها جمع من فحول الطائفة وأبطال العلم كالسيد مهدي ابن السيد علي الطباطبائي مؤلف «الرياض» والشيخ محمد حسين الأصفهاني مؤلف « الفصول» وغيرهما.

5- الميرزا آغا بزرك الشهرستاني (ت 1247هـ/1831م)

الميرزا السيد محمد حسين ابن السيد الميرزا محمد مهدي بن أبي القاسم الموسوي الشهرستاني الحائري المعروف بآغا بزرك، من علماء عصره في كربلاء المقدسة، وكان والده من فحول العلماء و مراجع التقليد وسافر مرات عدة إلى الهند والحجاز وإيران، وقد تزوج (سنة 1200هـ/1785م) بنت آقا محمد علي الكرمانشاهي نجل الوحيد البهبهاني المسماة بلقیس خانم وقد وقعت وثيقة عقدها من قبل جدها الوحيد البهبهاني ووالدها ومن السيد مهدي بحر العلوم والميرزا محمد مهدي الشهرستاني والد الزوج وفحول العلماء آنذاك، وقد كانت في مكتبة الشهرستانية بكربلاء المقدسة وهي وثيقة تاريخية طريفة وتوجد الآن لدى أحد أحفاد المترجم السيد صالح الشهرستاني نزيل طهران، كان الميرزا محمد حسين الشهرستاني من مراجع عصره القائمين بالوظائف الشرعية في كربلاء المقدسة، وممن تصدر للتدريس في مدرسة السردار حسن خان، وكان من الخطاطين المشار إليهم بالبنان، وقد كتب نسخا عدة من القرآن الكريم أوقفها على بعض المشاريع الخيرية في كربلاء المقدسة ومنها نسخة في مكتبة السيد كاظم الرشتي، ويوجد بخطه الجيد دعاء: (اللهم إن هذا مشهد لا يرجو من فاتته فيه رحمتك أن ينالها في غيره…) كتبها على لوحة كبيرة في عرض متر و طول متر ونصف تقريبا كانت منصوبة على جدار بحرم الإمام الحسين (ع) في طرف الرأس قبال المستقبل للقبلة يتجه إليها ويقرؤها كل من يقف عند الرأس الشريف للدعاء، وعلى أثر إجراء الإصلاحات المعمارية عندما زینت جدران المرقد المطهر بالمرايا (سنة 1372هـ/1952م) نقل هذا الدعاء

إلى مقبرة حفيده المرحوم السيد إبراهيم ابن السيد الميرزا صالح الشهرستاني في الصحن الحسيني جنب باب السدة حيث علقت على أحد جدرانها بعد إجراء اصطلاحات فيها، وتاریخ کتابتها (سنة 1225هـ/1810م).

أما بنته فقد تزوجها السيد الميرزا محمد حسين المرعشي الحسيني بن محمد علي بن محمد علي إسماعيل المرعشي الحسيني، الذي اشتهر بعد اقترانه بها بالشهرستاني عن طريق المصاهرة مع الشهرستانية. وكان الميرزا محمد حسين المرعشي الحسيني من كبار مجتهدي عصره وفحول علماء زمانه. وهكذا تألفت الأسرة الشهرستانية من سادات موسویين ينتسبون إلى جدهم الأعلى الميرزا محمد مهدي الموسوي الشهرستاني المترجم وسادات

حسينيين ينتسبون بالمصاهرة إلى جدهم الأعلى المذكور من ناحية الأم.

كوكب حسين عزيز الهلالي

اقتباس من مجلة (تراث كربلاء)/ السنة السادسة/ المجلد السادس/ العدد الأول (19) شهر جمادى الآخرة 1440هـ/آذار 2019م/ ص 193-215

ـــــــــــــــــــــ

* ابن محمد خان القاجار الإيرواني، كان قائدا في الجيش ومن هنا لقب بالسر دار، أي القائد، أثبت شجاعته ووطنيته في حرب إيران مع الروس، كان من أصحاب الخير وله مؤسسات ومنجزات ثقافية، منها المدرسة التي أنشأها في مدينة كربلاء المقدسة (سنة 1180هـ/1768م)، توفي في كرمان (سنة 1271هـ/1854م) وحمل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن بجوار أمير المؤمنين (ع)، ينظر: الكرباسي، محمد صادق محمد، تاريخ المراقد الحسين وأهل بيته وأنصاره دائرة المعارف الحسينية، المركز الحسيني للدراسات، لندن، 1436هـ/2015م، ج۸، هامش ص 152.
أخترنا لك
وفقاً لأحدث طرق الترميم: مركزُ ترميم وصيانة المخطوطات يرمّم مصحفاً نفيساً يعود للقرن الرابع عشر الهجريّ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة