مركز تراث كربلاء يصدر العدد الاول من مجلة تراث كربلاء المخطوط

2021/01/22

صَدَرَ حديثًا عن مركزِ تُراثِ كربلاء التابعِ لقسمِ شؤونِ المعارفِ الإسلاميّةِ والإنسانيّةِ في العتبةِ العباسيّةِ المقدّسةِ، العددُ الأولِ من مجلّةِ (تُراث كربلاء المخطوط) الحوليِّة، وهي حوليّةٌ متخصصةٌ بتحقيقِ التُراثِ الكربلائيّ المخطوطِ ونشره، وقد جاء هذا العددُ خاصًّا بتُراثِ السيدِ علي الطباطبائيّ –قُدِسَ سرُّه- وأسرته بــ خمسمئةِ صفحةٍ تقريبًا.
وعن هذا العددِ تحدّث لنا المشرفُ العلميّ على وحدةِ التحقيقِ في مركزِ تُراثِ كربلاء ورئيسُ تحريرِ المجلّةِ المذكورةِ فضيلةُ الشيخ مسلم رضائي –دام توفيقه- قائلًا:
"دأب مركز تراث كربلاء العمل على إحياء تراث هذه المدينة المقدّسة وتوثيقه ودراسته ونشره عبر وسائل عدّة، كان منها مجلّة تراث كربلاء الفصليّة المحكّمة التي دخلت عامها السادس بخطوات ثابتة لتحقيق أهدافها، ساعية لتطوير نفسها وتخصّصها التراثيّ، وكان منها العمل على نشر التراث المخطوط بعد تحقيقه على وفق القواعد المتعارفة في كلّ عدد ابتداء من السنة الخامسة"... وأضاف:
"اقتضت هذه الخطوة جمع الرسائل المخطوطة وتوزيعها على المحقّقين ليقوموا بتحقيقها، وقد تكلّلت هذه الخطوة بتوافر عدد لا بأس به من النصوص المحقّقة فولّدت فكرة تأسيس دوريّة حوليّة تُعنى بنشر هذا التراث المخطوط لتكون رديفةً للمجلّة الفصليّة المحكّمة، وقد خصصنا العدد الأوّل بإحدى الأسر العلميّة وهي أسرة صاحب الرياض، ولا يخفى على الباحثين الكرام دور الأسر العلميّة في حفظ تراث أهل البيت ورواياتهم، فقد اشتهرت أسر عدّة في عصر الأئمّة عليهم السلام في حمل تراثهم وحفظ رواياتهم، منها آل أبي رافع، وآل أعيَن بن سنسن الشيبانيّ، وآل أبي شعبة الحلبيّين، وغيرهم من الأسر التي تشرّفت بخدمة أهل البيت عليهم السلام"... وتابع رضائي قائلا:
"كما اشتهرت عدّة أسر علميّة في المدن العلميّة في عصر الغيبة كبني زهرة في حلب وبني بويه في قمّ وأسرة الشهيد الأوّل وأسرة الشهيد الثاني وآل الحرّ العامليّ في جبل عامل، وغيرهم، ولم تكن كربلاء بدعًا في ذلك حيث نشأت فيها عدّة من الأسر العلميّة التي توارثت زعامة الحركة العلميّة فيها والتدريس والإفتاء، كآل الشهرستاني وآل القزويني وآل طعمة وآل البهبهاني وغيرهم... ومن هذه الأسر الجليلة التي أنجبت سلسلة من العلماء النجباء ممّن خدموا حوزة كربلاء العلميّة أسرة السيّد عليّ الطباطبائيّ الحائريّ (ت: 1231هـ) صاحب كتاب (رياض المسائل)، فقد تزعّم الحوزةَ العلميّة في كربلاء جدّ هذه الأسرة السيّد عليّ الطباطبائيّ، ومن بعده ولده الفقيه والأصولي المتتبّع السيّد محمّد المجاهد (ت: 1242 هـ)، وبرز من بعده ولداه العالمان: السيّد حسن والسيّد حسين، ومن بعدهما أولادهما الأعلام: الميرزا عليّ نقي والسيّد أبو القاسم الحجّة نجلا السيّد حسن والميرزا زين العابدين نجل السيّد حسين، وبرز من بعدهم الميرزا جعفر ابن الميرزا عليّ نقي، وهكذا نبغ في هذه الأسرة أعلام وفقهاء إلى (ما يزيد على القرن)"... وبيّن:
"ارتأينا تخصيص العدد الأوّل من هذه الحوليّة بتراث أسرة الطباطبائي، فكان من نصيب السيّد عليّ الطباطبائيّ أربع رسائل أصوليّة ورسالة فقهيّة، فرسائله الأصوليّة هي: اجتماع الأمر والنهي، وحجّيّة المفهوم بطريق الأولويّة، والأدلّة الأربعة وخطاب المشافهة، والإجماع والاستصحاب، وأمّا رسالته الفقهيّة فهي في تعدّي النجاسة.
وكان من نصيب ولده السيّد محمّد المجاهد رسالتان: إحداهما في معنى لفظ (ثقة) عند الرجاليّين، والأخرى قطعة من شرحه على معارج الأصول للمحقّق الحلّيّ، تضمّنت مبحث التأسّي، ولا يخفى أنّ شرحه على المعارج من تراثه المغمور حيث لم يذكر أحد من مترجميه هذا الكتاب في ضمن مؤلّفاته.
ومن نصيب حفيده الميرزا جعفر الطباطبائيّ الحائريّ (ت: 1321هـ) رسالتان فقهيّتان: إحداهما في حكم عرق الجنب من الحرام والثانية في اجتماع ميّت وجنب ومحدث ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم فقط.
وأمّا في باب الفوائد فأبرز ما فيه إجازة قصيرة للسيّد عليّ الطباطبائيّ، كما تجد فيه تعريفًا لأوّل مرّة بكتاب المصابيح في أصول الفقه للميرزا جعفر الطباطبائيّ، حيث لم يذكره أحد من أصحاب كتب التراجم والفهارس"... ليختتم فضيلته قائلا:
"أخيرًا لا يسعنا إلّا أن نشكر كلّ من مدّ يد العون والمساعدة في سبيل إصدار هذا العدد من المحقّقين الكرام وأصحاب المكتبات الذين لم يبخلوا بما عندهم من مصوّرات المخطوطات، وأخصّ بالذكر مركز تصوير المخطوطات وفهرستها التابع للعتبة العبّاسيّة المقدّسة ومكتبة الإمام الحكيم العامّة ومؤسّسة كاشف الغطاء، فللقائمين على هذه المراكز جزيل الشكر والثناء.
كما لا ننسى أن نشكر سماحة السيّد أحمد الصافي المتولّي الشرعيّ للعتبة العبّاسيّة المقدّسة على رعايته لإحياء التراث ودعمه، وسماحة الشيخ عمّار الهلالي رئيس قسم شؤون المعارف الإسلاميّة والإنسانيّة على رعايته ودعمه ومتابعته، فجزاهما الله تعالى خيرًا".  
تضمّن العددُ الأولِ من مجلّةِ (تُراث كربلاء المخطوط) الحوليّة الصادرة عن مركزِ تُراثِ كربلاء التابعِ لقسمِ شؤونِ المعارفِ الإسلاميّةِ والإنسانيّةِ في العتبةِ العباسيّةِ المقدّسةِ، كلمةً قيّمةً لسماحةِ حجةِ الإسلامِ والمسلمين السيدِ أحمد الصافي –دام عزه-، وهذا نصُّها:
الحمدُ لله وكَفَى، والصَّلاةُ والسَّلامُ علَى محمَّدٍ وعلَى آلهِ الشُّرَفا
وبعدُ؛ فإنَّ مَا تَركَهُ علماءُ الطَّائِفةِ مِن عُلومٍ كَثيرةٍ في فنونٍ متنوِّعةٍ - رَغْمَ كلِّ مَا أَلمَّ  بِهِم مِن صعابٍ - لهوَ مَفْخَرَةٌ مِنَ المفاخرِ لا يسعُنا إلَّا أنْ نقفَ بكلِّ إجلالٍ، وتقديرٍ وَانْبهارٍ لها، وَلهم، والَّذِي يُسْبِرُ التَّاريخَ - وبَعْضُهُ للأسفِ لازالَ في طيِّ الإهمالِ - سَيرَى حَقِيْقَةَ مَا نَقُولُ.
فَقَد كرَّسَ هؤلاءِ الأَفْذاذُ حَياتَهُم المبارَكَةَ في البَحْثِ والتَّأليفِ والتَّدْرِيسِ، وَكانُوا مُوفَّقينَ أيّما توفيق، وهم يُدَبِّجُونَ بِيَرَاعِهِم القَراطِيسَ تِلْو القراطيسِ، وَحَناجرُهُم تَعْلُو بِالطيِّبِ مِنَ القَولِ في مجالسِ البحثِ آيٍ مِنَ الذِّكرِ الحكيمِ دليلاً، أو تفسيراً، وأحادِيْثِ أهلِ بيتِ العصمةِ استدلالاً على المدَّعَى.
وبينَ النقضِ والإبرامِ نَمَتْ البُحوثُ العلميَّةُ، وَازْدَهرَتْ المباني الأصوليَّة، وتعمَّقتْ المسائلُ الفقهيَّةُ، وَكانتْ الحواضِرُ الإسلاميَّةُ تموجُ بالحركةِ العلميَّةِ الَّتِي أسَّسها هؤلاء الأفذاذُ، كالنَّجَف والحلَّة وكربلاء وغيرِهَا.
ولقَدْ كانَ لِكربلاءَ القدحُ المعلَّى قَبلَ قرنينِ مِن الزمانِ أو يزيدُ؛ إذ حلَّ فيها فحولُ الطائفةِ رغبةً في مجاورةِ سيِّدِ الشهداءِ. ولعلَّ الحضورَ المباركَ للوحيد البهبهانيّ هو الَّذي أوْقدَ نورَ الفقاهةِ والتحقيقِ بشكلٍ قلَّ نظيرُه، واستفادَ الكمُّ الغفيرُ مِن الطلبةِ، والمحصِّلينَ مِن موائِدِ إفاداتِهِ - قدّس الله نفسه الشريفة- الَّذين ترّبعُوا على دَسْتِ المرجعيّةِ مِن بعدِه.
ولعلّ مِن الإخلاصِ والوفاءِ لهذِه الثّلةِ العُلمائيَّةِ أنْ نُحْيي مَا نَسْتطيعُ مِن آثارِهم حتَّى تكونَ في متّناولِ الأفاضلِ والمحصِّلينَ مِن طلبةِ العلومِ الدينيّةِ لاسيّما وأنَّ البحوثَ العلميّةَ اليوم - في النجف الأشرف - تعيشُ عصراً ذهبيًّا، وطبيعةُ البحثِ هو عرضُ الآراءِ العلميَّةِ، لكنْ مِن أينَ تعلمُ الرأيَ إذا كانَ حبيساً في المخطوطاتِ، وليسَ بمقدورِ أيِّ أحدٍ الوصولُ اليهِ؟!
لذلكَ كانَ مِن أهمِّ الأمورِ السعْيُ لإظهارِ هذِه البحوثِ والرسائلِ والمطالبِ - بعدَ تحقيقها- على شكْلِ مجلَّةٍ يَسهلُ تناولُها، ويتيسَّرُ الحصولُ عليها، وهي مَعنيَّةٌ بإبرازِ التراثِ الكربلائيّ في عهدِها العلمِيّ قبلَ المدَّةِ المذكورةِ ومَا بعدَها.
نسألُ الله - تعالى - أنْ يوفِّقَ الأخوةَ الأعزَّاءَ الَّذينَ قامُوا بهذِه الخطوةِ المباركةِ،  وأنْ يفيدَ الباحثينَ، والطلبةَ الأكارِمِ مِن البحوثِ المحقَّقةِ الَّتي تكشِفُ - أيضاً- عَن سَيْرِ الحركةِ العلميَّةِ، وتطوّرِهَا إلى الوَضْعِ الحالي، وهِي مسألةٌ مهمَّةٌ جدًّا مِن جهةٍ تاريخيَّةٍ.
واللهُ مِن وَراءِ القَصْدِ.
أخترنا لك
شقشقة تراثيّة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة