من مفقودات الخزانة الغرويّة الشريفة

2021/01/12

هناك نسخة في غاية النفاسة من كتاب «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» للحافظ جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن الزكيّ المزيّ (654 ـ 742 ه‍) في مكتبة الفاتح ضمن مخطوطات المكتبة السليمانيّة في إستانبول برقم 4303، كانت بلا شكّ من المخطوطات الموقوفة على الخزانة الغرويّة الشريفة. والشاهد على وقفيّتها على الروضة الغرويّة هو الكلمات الصريحة الدالّة على وقفيّة خزانة مشهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، وهي: «وقف الحضرة الغرويّة صلوات الله على مشرّفها». ولا يخفى أنّ الأيادي الأثيمة السارقة مسحوا كلمة الوقف في أوّل العبارة كما هو واضح في صورة المخطوطة أيضاً، ولكنّها قابلة للقراءة، ولا يخفى أن هذه العبارة توجد بنصّها وفصّها وخطّها على جملة من مخطوطات الخزانة الشريفة.
هذه المخطوطة بخطّ محمّد بن أحمد بن تمام السراج نقيب دار الحديث الأشرفيّة بدمشق، كتبها في 24 المحرّم من سنة 726 هـ، عن خطّ مؤلّفه المزّيّ، ولا يخفى أنّ المزّيّ نفسه كان المتولّي الأصلي لأكبر دار حديث بدمشق وهي دار الحديث الأشرفيّة وذلك من سنة 718 هـ إلى آخر حياته (الدارس 1: 35). وهذه الدار منسوبة إلى الملك الأشرف مظفّر الدين موسى ابن الصلاح الأيّوبي، ابتدأ عمارتها سنة 628 هـ وافتتحت سنة 630 هـ، وأوّل من وليها محدّث عصره الحافظ ابن الصلاح المتوفّى سنة 643 هـ (الدارس 1: 19).
وأمّا هذه النسخة نفيسة مصحّحة، وعليها تعاليق بتوقيع:  «بخطّ الصدر البلويّ سنة سبع عشرة وسبعمائة»،  ورقّم الناسخ أجزاء الكتاب في هامش المخطوطة بهذه الترتيب مثلاً: «آخر الجزء الأربعين بعد المائتين من أصل المصنّف بخطّه ـ نفع الله به ـ» و«آخر الجزء الخامس والأربعين بعد المائتين من تهذيب الكمال من أصل المصنّف وبخطّه».
وقد صحّح وضبط هذه المخطوطة ثلاث مشايخ كبار وهذه هي التي جعلتها من أهمّ مخطوطات الكتاب، والإجازات كما يلي:

الأوّل: المزّيّ المؤلّف نفسه

جاءت خطّه في صفحة مستقلّة على وجه الورقة الأخيرة للمخطوطة لأبي محمّد عبد العزيز بن تقي الدين أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر الهكَّاريّ الشافعيّ، المعروف بابن خطيب الاشمونين (ت 726 هـ) والذي قال عنه ابن كثير: وقد كان حصل كتباً جيّدة منها التهذيب لشيخنا المزّيّ (البداية والنهاية 14: 151)، وأبي حفص عمر بن عزّ الدين الهكَّاريّ في 26 شهر المحرّم من سنة 726 هـ وهذا نصّ الإجازة: «الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، قوبل هذا المجلّد بأصلي الذي بخطّي وحرّر ضبط وأتقن وجميع رموزه وما في حواشيه من فائدة وصحّ بحمد الله تعالى وكذلك جميع ما قبله وأجزت روايته ورواية جميع الكتاب وجميع ما يجوز لي روايته لصاحبه العبد الفقير إلى الله تعالى الشيخ الإمام العلّامة البارع الأوحد الزاهد الورع جمال العلماء فخر الأئمّة ذي الفضائل المشهورة والمحاسن المذكورة أقضى القضاة عزّ الدين مفتي المسلمين أبي محمّد عبد العزيز ابن القاضي الإمام العالم الزاهد بقيّة السلف تقيّ الدين أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر الهكَّاريّ الشافعيّ ـ أحسن الله إليه وضاعف نعمه لديه ـ وكتب مصنّفه العبد الفقير إلى ربّه المعترف بذنبه يوسف بن الزكيّ عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الله بن يوسف بن عليّ بن الزهر القضاعيّ ثمّ الكلبيّ المزّيّ ـ عفا الله عنه وغفر له ـ وذلك في السادس والعشرين من محرّم سنة ستّ وعشرين وسبعمائة. وأجزتُ روايته أيضاً رواية ما يجوز لي روايته للولد النجيب الموفّق السعيد أبي حفص عمر بن صاحبه أقضى القضاة عزّ الدين الهكَّاريّ المذكور وللموجودات من إخواته في التأريخ المذكور أعلاه، والحمد لله وحده وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه وسلّم»

الثاني: علم الدين البرزالي (ت 739 هـ)

وجاء إنهاء مهمّ آخر لمقابلة المخطوطة بخطّ رفيق المزّيّ الإمام علم الدين أبو محمّد القاسم بن محمّد البرزالي، كان المزّيّ متّصلاً اتّصالاً وثيقاً بثلاثة من شيوخ ذلك العصر، وترافق معهم، وهم : تقيّ الدين أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم المعروف بابن تيمية الحرّاني (ت 728) ، والمؤرّخ المحدّث علم الدين البرزالي، و شمس الدين الذهبيّ (748 هـ)، فكان المزّيّ أكبرهم سنّاً، وكان بعضهم يقرأ على بعض فهم شيوخ وأقران في الوقت نفسه، وقرأ الثلاثة على المزّيّ واعترفوا بأستاذيته، وافتخروا بها (لاحظ: تهذيب الكمال 1: 18). وهذا نصّه: «انتهت مقابلة هذا المجلّد وجميع ما قبله مع كاتبه الشيخ الفقيه العالم المحدّث العدل شمس الدين محمّد بن أحمد بن تمّام الحرّاني نقيب دار الحديث الأشرفيّة، في مجالس آخرها ليلة الخميس السادس والعشرين من محرّم سنة ستّ وعشرين وسبعمائة بدمشق مقابلة مبينة مصحّحة حسب الإمكان؛ وكتب القاسم بن محمّد بن يوسف بن محمّد البرزاليّ عفى الله عنه والحمد لله ربّ العالمين».

الثالث: ابن كثير الدمشقيّ (ت 774 هـ)

كتب أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (ت 774 ه‍) ـ ذيل إجازة المزّيّ ـ إجازة المخطوطة بالسماع على المؤلّف جملة منها بقراءته وأكثرها بقراءة محبّ الدين عبد الله بن أحمد ابن المحبّ المقدّسي الحنبليّ (ت 737 هـ) (تذكرة الحفّاظ 4: 1506؛ تاريخ الإسلام 51: 134)؛ وذلك في سنة 733 هـ بدمشق، وهذا نصّ الإجازة: «الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فقد سمعتُ جميع هذا الكتاب المبارك الذي لم يصنَّف في فنّه مثلها على مؤلّفه شيخنا الإمام العلّامة الحافظ شيخ أهل الحديث في عصره وقبله بدهور جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن المولى عبد الرحمن المزّيّ ـ تغمّده الله برحمته وأسكنه بحبوحة جنّته ـ أكثره بقراءة الشيخ الإمام العالم المفيد محبّ الدين عبد الله بن أحمد المقدسيّ& وباقيه بقراءتي في مجالس متعدّدة آخرها في شهور سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة بدمشق وقد أذنت لي وقف على خطّي هذا ودعا لي بالمغفرة أن يروي عنّي عن مصنّفه بطريقه المعتبر، وكتب إسماعيل بن عمر بن كثير بن ضَوْ بن كثير بن درع... القرشيّ البُصْرويّ... الله عنه ورحمه والحمد لله وحده...».
هناك نسخة أُخرى من كتاب تهذيب الكمال في مكتبة رسول في إستانبول برقم: 1125 نحتمل أنّها أيضاً من وقفيّات الخزانة الغرويّة. توجد على هذه المخطوطة علامة الوقفيّة، وقد تكرّر كلمة: «وقف» على ظهر الورقة الأُولى منها، وأيضاً عليها نصّ الوقفيّة في عدّة سطور ومن خلال قراءة بعض كلماتها أظنّ أنّها من النصوص الوقفيّة التي توجد على بعض مخطوطات الخزانة الغرويّة، ولكنّ اللصوص سكبوا الحبر على الوقفيّة حتّى لا تُقرأ.. والأمر يحتاج إلى دقّة أكثر ومراجعة المخطوطة نفسها.
وهذه المخطوطة أيضاً في غاية النفاسة، وبخطّ ناسخ مجهول وهو غير ناسخ المخطوطة السابقة، صحّحها وقرأها جمع من مشايخ دمشق على مؤلّفها، وعليها سماعات وقراءات كثيرة جدّاً.



صورة الصفحة الأخيرة من نسخة تهذيب الكمال بخط ابن تمام السراج نقيب دار الحديث الأشرفيّة بدمشق، كتبها في 24 المحرّم من سنة 726 هـ. يظهر في هامش المخطوطة إنهاء المخطوطة بخطّ رفيق المزّيّ وابن تيميّة والذهبي في 26 المحرّم سنة 726 هـ

50

أخترنا لك
نفثة المصدور

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة