يقول السيد ضياء الخباز القطيفي [دامت بركاته]:
التواضع الشديد وإنكار الذات، وقد لمستُ منه هذه الخصلة الكريمة حين أتممتُ لديه ما بقي لي من دروس السطح، ولأنّي كنتُ أحبُّ الاستزادة منه فقد طلبتُ منه أن يشرع معي ما يُعرف بـ(البحث الخارج)، ولكنّه رفض ذلك رفضًا تامًا، فحاولتُ أن أقنعه بتغيير صيغة الطلب، وعرضتُ عليه اقتراحين: أحدهما تدريس كتاب الخمس من (المستند في شرح العروة الوثقى)، والآخر المرور بكتاب (العروة الوثقى) مع ملاحظة تعاليق المحقق الخوئي (قُدّس سره) عليها، وبيان وجه الاختلاف، وترجيح الصحيح من الرأيين، فقَبِل بعد لأيٍ –وأظنُّ بعد الاستخارة– بالاقتراح الأوّل، وحين شرعنا في الدرس الأوّل لم تمضِ أكثر من خمس دقائق حتى أغلقَ الكتاب، وقال لي: (هذا بحث خارج، حتى وإنْ غيّرنا اسمه، فلن أستمر فيه)، وكلما حاولتُ معه في المضيّ والاستمرار لم يزدد إلا إصرارًا على موقفه، وحين صارحته برغبتي في استمرار استفادتي منه، وأن لا تكون دروس السطح هي نهاية المطاف، قال لي: إنَّ لديَّ مقترحًا، وهو أن تحضر أبحاث الأساتذة المعروفين ثمَّ تأتيني كلَّ يوم بعد الفراغ من دروسك، لنتذاكر على ضوء ما تتلقّاه من أساتذتك.
وأجد يراعي في هذا المقام قاصرًا عن التعليق، فإنَّ مثل هذا المستوى من التواضع يكاد أن يكون في الندرة كالكبريت الأحمر، وأقول ذلك بلحاظ أنَّ شيخنا الأستاذ (قُدّس سرّه) كان على درجةٍ عاليةٍ من العلم تؤهِّله لتدريس أبحاث الخارج بكلّ جدارة، ومع ذلك كان يأبى التصدّي لذلك، في الوقت الذي يتهالك فيه آخرون –ممّن هم دونه في الفضل والكفاءة بمراتب– لارتقاء المنصب المذكور، حتى صار –للأسف الشديد– شرعةً للنطيحة والمتردّية، ممّا أوجب أن يفتقد هذا المنصب الخطير بريقه وهيبته وأهمّيته، وهذا هو شأن أيّ تخصّصٍ تستباح حرمته لغير أهله، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.