بماذا تميّز النبي الخاتم ص عن كل الأنبياء ؟! الوحيد الخراساني

2021/02/20


شعيب العاملي

 أبحاث عقائدية تنشر للمرة الأولى لسماحة المرجع الديني الشيخ حسين الوحيد الخراساني حفظه الله

بسم الله الرحمن الرحيم

وصل بحثنا في فقه الحديث (علي مني) إلى أنه ثبت ببرهان العقل وبحكم الكتاب والسنة أن (إِنيَّة) الخاتم ص جامعة لجميع مراتب الأنبياء والمرسلين، وأولي الكتب وأولي العزم. هذه عصارة برهان العقل والنقل.

ولكن المهم هو المرحلة الثانية في معرفة تلك الإنيّة، حيث انحصرت الخاتمية به ص، فما هو الذي كان واجداً له مما لم يكن عند أحد من الأنبياء من آدم لعيسى ع ؟
وفي هذا القسم نكتفي بمختصر حول ذلك..

آدم والخاتم
آدم هو من ورد حوله في القرآن المجيد ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ [البقرة : 31-32]
وفهم هذه الآيات يحتاج لتدبّر عميق.

يقول أمير المؤمنين ع: مِنْ مَلَائِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ وَأَقْرَبُهُمْ مِنْك. (نهج البلاغة)
ومع كل هذه المقامات للملائكة فإنهم جميعاً قالوا أمامه: (سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا) ولما أنبأهم آدم بأسمائهم سجد الملائكة كلهم مقابل خلق آدم عليه السلام..
فكم هو التفاوت بينهم وبينه ؟
المقدار غير قابل للتحديد..

أما بين آدم وبين الخاتم: فقد خلق الله آدم من طين، بينما (خلقني من نور).
فخلقة آدم من الطين وخلقة الخاتم من النور، وأي نور ؟!
وقد خلق نوره ص قبل خلق آدم بالاف السنين.
وقد خلق الله العالم، وأعظم منه الكرسي، والكرسي حلقة مقابل العرش، وعندما خُلق العرش الأعظم كان متزلزلاً وكان هدوء العرش وسكونه في الوقت الذي كتب عليه اسمان: الاسم السماوي أحمد والاسم الأرضي محمد.
فسكن العرش..
من سكّن اسمه عرش الرحمان، ففي أي حد ومقام يكون هو؟

نوح والخاتم
أما الفارق بين نوح ع وبينه ص فيتلخص في كلمتين: دعا نوح قومه 950 سنة بنص القرآن، ومع كل ذلك وصلت طاقة نوح إلى حدها فقال: ﴿رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً﴾ لا تدع على الأرض أحداً من أهل الكفر.

أما سعة صدر الخاتم ص: ما أوذي نبي مثل ما أوذيت، وبعد كل تلك الأذية التي تحيّر العقل قال ص: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون.. انظر للتفاوت بينهما، ولهذا الفارق بين نوح والخاتم..

هنا يتيه العقل.. آذوه كل تلك الأذية، وأضافهم لنفسه فقال (قومي)، ثم كان دعاؤه : اللهم اهد قومي، ثم ذكر عذرهم: (فانهم لا يعلمون) فاقبل يا إلهي عذرهم، انهم لا يعلمون.
هذا فارقٌ بين نوح والخاتم.. بعد كل تلك الصعاب كانت حدود سعة صدر نوح : رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً .. بينما قال ص: اللهم اهد قومي فانهم لا يعلمون..

وكان الأثر أن سفينة نوح ع صارت وسيلة النجاة من الطوفان في الدنيا، حيث أعطى الله هذه المنزلة لنوح ع.
أما الخاتم ص: مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح.
فإن اهل بيته ص سفينة النجاة لكل عقوبات عالم العقبى.
أنظر الى التفاوت..

إبراهيم والخاتم
أما إبراهيم ع ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ﴾ فبعد ابتلاءاته العشر واختيار الله له ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾
أما الخاتم ص ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى ﴾ [الإسراء : 1]
فقد رأى إبراهيم مع مكانته ملكوت السماوات، لكن ذلك كان وهو في الأرض، أما هو ص فقد أسري به إلى أعلى عليين، إلى ﴿ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى﴾ ولما وصل إلى هناك ﴿لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى﴾
أراه الله تلك الآيات الكبرى في مقام قاب قوسين أو أدنى.. إلى هذا الحد بلغ التفاوت بينه ص وبين إبراهيم ع.

موسى والخاتم
وقد اختار عز وجل موسى وأوصله لتلك المقامات، ﴿وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً ﴾
ولما وصل الى مقام القرب، ﴿وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً﴾ وبعد أن طوى كل المراحل، طلب ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ﴾ .. ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ﴾ رفع قسم من الحقيقة الأحمدية وتجلى نور الخاتم في الطور ﴿وَخَرَّ موسَى صَعِقاً﴾
وهذا التفاوت بين موسى والخاتم ص

عيسى والخاتم
اقرؤوا القرآن وانظروا الى مقامات عيسى المسيح: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ ﴿وتُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ﴾
﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً﴾
هذا عيسى ابن مريم، وبعد مقاماته كلها كان دوره: ﴿وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾
كان افتخاره أني جئت لأبشر بنبيّ سيأتي بعدي اسمه أحمد.

ختام الكلام
وبالحديث التالي يختم المطلب: الاسم الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، وقد أعطي موسى بن عمران أربع أحرف منها، وأعطي نوح نبي الله خمسة أحرف، وأعطي إبراهيم خليل الله ثمانية أحرف، أما الخاتم ص فقد أعطي اثنان وسبعون حرفاً.. وبقي حرف واحد فقط وهو مختص بالذات القدوس الحق المتعال، حجب عنه جميع خلقه.

إذا بقي العقل مدركاً فإن هذا الحديث يحدد التفاوت بين جميع الأنبياء وبين الخاتم ص، من ثمانية إلى اثنين وسبعين، كم هي الفاصلة ؟

وبينه وبين الله حرف واحد..
هذه إنيّة الخاتم ص.
فإن عرف هو سيعرف علي ع: عليّ مني.
أخترنا لك
الوحيد الخراساني: الحزن على الزهراء لا يختص بالشيعة..

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف