السنة النبوية وأدلة الإمامة (4): علي مني وأنا من علي.. الوحيد الخراساني
2021/02/20
شعيب العاملي
هذا هو الموضوع الرابع من سلسلة أبحاث عقائدية ألقاها سماحة
المرجع الديني الشيخ حسين وحيد الخراساني حفظه الله خلال عامي
1434-1435 للهجرة وهي تنشر الآن للمرة الأولى
بسم الله الرحمن الرحيم
كان بحثنا في مقام أمير المؤمنين عليه السلام، وهذا الحديث هو حجة
إلهية بالغة: عليّ مع القرآن، والقرآن مع عليّ.
وقد تم تحقيق هذه الرواية متناً وسنداً، ووصلت النوبة إلى نسبته سلام
الله عليه ممن أنزل عليه القرآن، وهو خاتم النبيين صلى الله عليه
وآله.
فما هي النسبة بينهما ؟
إن صحة الحديث التالي ليست مورد مناقشة من أحدٍ، ومتنه عنه ص: عليّ
مني وأنا من عليّ.
فماذا يعني ذلك ؟
كلّ ما في دائرة العالم والوجود مندرج في أحد مفهومين ولا يخرج عنهما:
أحدهما مفهوم (ما) والآخر مفهوم (مَنْ).
الأفضل والأشرف في مفهوم (ما) هو كتاب الله الأعظم، هو القرآن الكريم،
﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ﴾.
ونسبته عليه السلام للقرآن الذي هو النقطة الأعلى لقوس كلمة (ما) هي
نسبة المعيّة: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ.
أما في دائرة (مَنْ) فليس هناك أشرف وأعلى وأفضل منه صلى الله عليه
وآله، فهو النقطة الأعلى لقوس (مَنْ).
ونسبته عليه السلام إليه ص هي: عليّ مني وأنا من علي.
فتكون النتيجة أن نسبته عليه السلام لأشرف (ما) وهو القرآن الكريم هي
نسبة المعيّة المطلقة (لن يتفرّقا)، فهي معيّة غير قابلة للتفرق، لا
يفترق القرآن عن علي ولا علي عن القرآن أبداً.
ونسبته ع للخاتم ص أشرف دائرة مفهوم (مَنْ): عليّ مني وأنا من
عليّ.
والبحث ههنا في مقامين تتم بهما حجية الحديث: أحدهما في سنده ومصادره،
والثاني في متنه وفقهه.
مصادر الحديث وسنده
من مصادر الحديث عند العامة: البيهقي في السنن(ج8 ص5)، النسائي
في الخصائص(ص87)، إمام الحنابلة أحمد في المسند(ج4 ص164)، الحاكم
النيشابوري في المستدرك(ج3 ص120)، الطحاوي في مشكل الآثار، الخطيب
البغدادي في تاريخه(ج4 ص364)، الترمذي في الصحيح(السنن ج5 ص300)،
وغيرها من المصادر الروائية والتاريخية عند أهل السنة.
ونحن ننقله من صحيح البخاري أصحّ الكتب عند أئمة المذاهب الأربعة، وقد
نقل هذه الرواية في كتاب الصلح، وفي كتاب مناقب المهاجرين وفضلهم، وفي
باب عمرة القضاء، ومتنه فيه: وقال لعليّ: أنت مني وانا منك.(البخاري
ج3 ص168، وج4 ص207، وج5 ص85)
ومتن الحديث في غيره: عليّ مني وأنا من عليّ.
أما السند، فليس مورد كلام عند أحد ممن له أدنى معرفة بمصادر
العامة.
فقه الحديث
أما فقه الحديث ودرايته، فينبغي أن يُفهم أولاً أن المقام العلمي كلما
كان أرفع وأعلى وأدق كانت الكلمات الصادرة عن صاحبه أدقّ، فالمرء
مخبوء تحت لسانه، ﴿خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ﴾
إن قول وكلام أيّ أحدٍ برهان على درجته العلمية وحكمته وفقاهته، بهذا
يُعرف أهل الفضل ومقامهم.
وليس هناك أعلى وأجل وأشرف من علم وفهم وعقل خاتم الأنبياء ص، وليس
كلامه قابلاً للقياس مع كلام أحد أبداً.
ولأن كلام كل أحدٍ مبيّنٌ لمرتبة عقله ودركه وفهمه وعلمه، فإن فهم
كلمات النبي ص ليس أمراً سهلاً وبسيطاً، وشرح هذا الحديث ليس سهلاً،
لكنا نتعرض له بالقدر الميسور.
في الحديث جملتين: الأولى: عليّ مني. والثانية: وأنا من علي.
ولأن الجملة الأولى أسهل كانت في البداية، والجملة الثانية كانت
مؤخَّرَة لأنها أصعب وأشكل.
علي مني
أما الجملة الأولى: لم يقل: عليّ جزء من جسمي أو بدني، بل قال: عليّ
مني. عليٌّ قسم من إنّيتي، ماذا يعني (أنا)، أنا لست هذا البدن، هذه
اليد يدي، وهذه القدم قدمي، وهذه العين عيني، والأذن أذني، لكني غير
كل هذا.
عليّ ليس جزءً من جسم النبي ص، هو بعض حقيقة الخاتمية، وإنية تلك
الحضرة، والخلاصة أنها تعني أن: وجودي منقسم وعلي أحد أقسامه.
هذه حقيقة الإنيّة، ياء المتكلم الواحد، إذا اتصلت تكون (مني) وإذا
انفصلت تكون (أنا).
وههنا ينبغي أولاً معرفة النبي ص نفسه، حتى نفهم بعد ذلك ماذا يعني:
عليّ مني.
لكن إنيّته، حقيقة أحمد ص، حقيقةٌ يعجز العقل عن إدراكها.. لماذا
؟ وما الدليل ؟
دليل ذلك: من القضايا الأولية أن أيَّ جزءٍ لا يصل للكل، لماذا ؟ لأن
الكلّ واجد الجزء، لكن الجزء فاقد للكل.
عقل كل عاقلٍ وفي أي مقام ومرتبة كان، حتى أعلم العلماء من الأولين
والآخرين هو عقل جزئي، فكل واحد من العقلاء عاقل لكن بالعقل الجزئي،
كل واحد من العلماء عالم لكن بالعلم الجزئي.
نتيجة البرهان: أن العقل الجزئي لا يمكن أن يدرك عقل الكلّ.
وخاتم النبيين عقل الكلّ.
أعلم العلماء وأفقه الفقهاء من أهل الجزء، ويستحيل على أهل الجزء
إدراك الكل.
فهذه دراية فقه الحديث: أن تلك الإنية لعقل الكل وكل العقل فوق إدراك
وتحمّل كل البشر.
ونتيجة البحث أنّا مع كمال الدقّة وإعمال الموازين العلمية الدقيقة،
نفهم معنى (علي مني) بقدر العقل الجزئي، أما حقيقة (عليّ مني) فليست
قابلة لإدراكنا ولا لبياننا.
والحمد لله رب العالمين