كيف يكون علي الأكبر (ابن الحسن والحسين) معاً ؟

2021/02/05


شعيب العاملي

السؤال رقم2: كيف نقول في زيارة علي الأكبر (يا ابن الحسن والحسين) ؟ وما معنى ذلك ؟

الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد في الخبر الصحيح في زيارة علي الأكبر عليه السلام: السلام عليك يا ابن الحسن والحسين (الكافي ج4 ص577، وكامل الزيارات ص200 وغيرها من المصادر)
وكانت العبارة مسبوقة ببنوّته عليه السلام لرسول الله (ص) ولأمير المؤمنين عليه السلام وملحوقة ببنوته لخديجة وفاطمة عليهما السلام.

وبعد التسليم بعدم إمكان إرادة البنوّة الصلبية أي كون علي الأكبر عليه السلام ابناً لهما عليهما السلام معاً لامتناع ذلك بالبداهة، يتجه البحث إلى تفسير معنى البنوّة في هذه الزيارة..
فهل هناك معنى صحيح في اللغة يسوّغ مثل هذا الاستعمال ؟ وما هو المراد منه إن وجد ؟

يظهر بمراجعة كلمات أهل اللغة أن البنوّة تستعمل بين جهتين تربطهما أنواع مختلفة من الروابط والعلائق، أبرزها التولد وتلك هي البنوّة الصلبية، ولكنها تتسع لتشمل جهات أخرى كشدة الارتباط بين شيئين، أو وجود عُلقة خاصة بين أمرين، بل صرحوا بإمكان الاستعمال عند توفر أي ملابسة تبيح ذلك، وفيما يلي بعض كلمات أهل اللغة ليتضح المراد من ذلك:

قال ابن فارس: بنى‌ الباء والنون والواو كلمةٌ واحدة، وهو الشيء يتولَّد عن الشيء، كابنِ الإِنسان وغيره.. ثم تفرِّع العرب فتسمِّى أشياءَ كثيرةً بابن كذا.. فيقولون ابن ذُكاء الصُّبح، وذُكاءُ الشَّمْس.. وللحَذِر: ابن أحْذَار.. ويقال لِلَّجَّاج: ابن أَقْوال.. وللفقير الذى لا مأوَى له غيرُ الأرضِ وتُرَابِها: ابن غَبْراء.. وللمسافر: ابن السَّبيل.. ويقولون: هو ابن مدينةٍ إذا كان عالماً بها، وابن بجدَتِها أى عالِمٌ بها‌.. (معجم مقائيس اللغة، ج‌1، ص: 303 وما بعدها)

وتبعه الراغب فقال: ويقال لكلّ ما يحصل من جهة شي‌ء أو من تربيته، أو بتفقده أو كثرة خدمته له أو قيامه بأمره: هو ابنه، نحو: فلان ابن الحرب، وابن السبيل للمسافر، وابن الليل، وابن العلم (مفردات ألفاظ القرآن، ص: 147)

وكذا الطريحي فقال: ويضاف الِابْنُ إلى ما يخصصه لملابسة بينهما نحو"ابْنِ السبيل" لمار الطريق المسافر، و"ابْنِ الدنيا" لصاحب الثروة..(مجمع البحرين، ج‌1، ص: 66)
وعلى هذا المنوال جرت كلمات أهل اللغة، تبعاً للاستعمال الواسع في الشعر وسائر كلمات العرب.

فكانت نسبة البنوّة مستعملة في جهات شتى عند توفر ملابسة وعلقة بين الطرفين، وقد جرى الاستعمال القرآني على مجرى اللغة العربية، فذُكر (ابن السبيل) مثلاً في القرآن في موارد عدة (البقرة 177 و215 وغيرها) ومثله وغيره في الأحاديث الشريفة الكثير.

إذا تبين ذلك نقول:
إن كلمات المعصومين عليهم السلام أعمق من أن ندرك كافة أبعادها وحقائقها، وإنما نتلمّس بعض الإشارات منها ونستظهر ما يمكن أن يكون وجوهاً واحتمالات يعتدّ بها ثم نَكِلُ علمها على حقيقتها إليهم عليهم السلام.

وما ينقدح في المقام هو أن علياً الأكبر وإن كان ابن الحسين عليه السلام صلباً (وهو انتساب لا يدانيه مثله)، إلا أن الجهة التي ينظر لها في الزيارة أعمق من ذلك غوراً وأبعد دلالة.. وكأن الزيارات الشريفة تؤكد على العلقة الربانية والصلة الدينية بين الأكبر وبين السلسلة الذهبية.. ويظهر الاهتمام بهذا المعنى في جملة الزيارات الشريفة من خلال إبراز الترابط بين سلسلة الأنبياء والمرسلين من جهة، وبين الأئمة والعترة الطاهرة من جهة أخرى، والقرائن على ذلك متعددة منها:

أولاً: افتتاح الكثير من زيارات الإمام الحسين عليه السلام بالعبارة المعروفة : السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله (كامل الزيارات ص229) ثم تعداد صفوة الأنبياء والمرسلين وصولاً إلى نبينا صلى الله عليه وآله فالعترة الطاهرة ع.

ثانياً: وصف العباس عليه السلام بأنه مطيع لله والرسول والأئمة عليهم السلام: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ الْمُطِيعُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ع ‏(كامل الزيارات ص257) مع أنه إنما كان ممتثلاً بين يدي سيد الشهداء عليه السلام، لكن طاعة سيّد الشهداء عليه السلام طاعة لهم جميعاً.
وتَجْزِيَتُه خيراً عنهم بعد الله عز وجل لا عن خصوص الحسين عليه السلام: ِفَجَزَاكَ اللَّهُ عَنْ رَسُولِهِ وَعَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ص أَفْضَلَ الْجَزَاءِ بِمَا صَبَرْتَ وَاحْتَسَبْتَ وَأَعَنْت‏ (المصدر ص256)

ثالثاً: ما ورد في زيارة الشهداء عليهم السلام: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ رَسُولِ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ فَاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْوَلِيِّ النَّاصِحِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا أَنْصَارَ أَبِي عَبْدِ اللَّه‏ (مصباح المتهجد ج2 ص723)
فإنهم بنصرهم الحسين عليه السلام نصروا دين الله ورسوله ووليه وبضعة الرسول وشبليها..

بهذه الفقرات الثلاث وأمثالها يتجلى الترابط المؤكد بل تظهر وحدة الحال بين السابقين واللاحقين من رموز المنهج الإلهي عند ذكر الحسين عليه السلام وأخيه العباس ع واصحابه الشهداء المنتجبين.

ومعها قد يسوغ القول في معنى البنوّة بأنها:
بنوّة الإنتماء اعتقاداً وقولاً وفعلاً.. فالأكبر ينتمي للحسن عليه السلام من هذه الناحية كما ينتمي للحسين عليه السلام، إذ أنهما من نور واحد في عالم الأنوار، وطينة واحدة في عالم الطينة، وطبيعة واحدة في عالم الدنيا فهما إمامان قاما أو قعدا، وهما بحكم الواحد في صحة نسبة البنوة لهما معاً.
أو قل: هي بنوّة منظومة الخلافة الإلهية على الأرض، والحسن والحسين ركنان من أركانها قاما أم قعدا.

وإن شئت فعبّر بأنها: بنوّة الطهر والقداسة..
يُشعِرُ بذلك قول الإمام الحسن عليه السلام: أَنَا ابْنُ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنًى أَنَا ابْنُ الْمَشْعَرِ وَالْعَرَفَاتِ (أمالي الصدوق ص179)
وقول زينب عليها السلام في أخيها الشهيد ع: يَا حُسَيْنَاهْ يَا حَبِيبَ رَسُولِ اللَّهِ يَا ابْنَ مَكَّةَ وَمِنًى (الاحتجاج للطبرسي ج2 ص307)
وقول الإمام السجاد عليه السلام:  أَنَا ابْنُ مَكَّةَ وَمِنًى أَنَا ابْنُ مَرْوَةَ وَالصَّفَا (مناقب آل ابي طالب ج4 ص168)
فكون كل واحد من الأئمة (ابناً لمكة ومنى) مع ما فيهما من أقدس أماكن العبادة لله تعالى كالمشعر وعرفات خير إشعار بذلك..

وإن شئت فقل: بنوّة أولياء النعم وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن..
بنوّة سلالة النبيين وصفوة المرسلين..
بنوة أئمة الهدى ومصابيح الدجى..
بنوّة حجج الله على أهل الدنيا والآخرة والأولى.

وإذا كان المؤمن ينتسب لهم عليهم السلام في الجنة عندما يتمتع بثلاث مزايا كما عن أمير المؤمنين عليه السلام: مَنْ أَحَبَّنَا بِقَلْبِهِ وَأَعَانَنَا بِلِسَانِهِ وَقَاتَلَ مَعَنَا أَعْدَاءَنَا بِيَدِهِ فَهُوَ مَعَنَا فِي الْجَنَّةِ فِي دَرَجَتِنَا (الخصال ج2 ص629)
فما بالك بمن كان منهم ؟!

وهو الذي ورد في زيارته: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي دَمكَ الْمُرْتَقَى بِهِ إِلَى حَبِيبِ اللَّهِ (كامل الزيارات ص239)
نعم يا حبيبَ حبيب الله.. ولا يكون الشخص حبيباً له ص لولا حب الله تعالى له.

بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مِنْ مُقَدَّمٍ بَيْنَ يَدِي أَبِيكَ يَحْتَسِبُكَ وَيَبْكِي عَلَيْكَ، مُحْتَرِقاً عَلَيْكَ قَلْبُهُ، يَرْفَعُ دَمَكَ بِكَفِّهِ إِلَى أَعْنَانِ السَّمَاءِ، لَا يَرْجِعُ مِنْهُ قَطْرَةٌ وَلَا تَسْكُنُ عَلَيْكَ مِنْ أَبِيكَ زَفْرَةٌ..
سلام الله عليك يا علياً.. يا من (لا تسكن عليك من أبيك زفرة)..

سلام عليك يا ابن السادة النجباء.. حسناً وحسيناً..
رزقنا الله في الدنيا زيارتكم.. وفي الآخرة شفاعتكم.. إنه سميع مجيب..

والحمد لله رب العالمين
أخترنا لك
يوم القيامة يوم سلطنة الزهراء عليها السلام !

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف