ما هي الباقيات الصالحات ؟ ... 1

2021/01/17

شعيب العاملي
 بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:
الْمالُ وَ الْبَنُونَ زينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ أَمَلاً (الكهف 46)
وَ يَزيدُ اللَّهُ الَّذينَ اهْتَدَوْا هُدىً وَ الْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَ خَيْرٌ مَرَدًّا (مريم 76)
 
وقد ذكر في تفسير الباقيات الصالحات أنها أعمال الخير التي يثاب عليها الإنسان.. وأنها كل عمل يتأمل الإنسان به النجاة من الحساب.. ويردّه إلى ربه مطمئناً الى الثواب.. ويؤيد هذا المعنى العام الظاهر ما روي عن النبي (ص) من قوله لابن مسعود: .. و عليك بذكر الله و العمل الصالح فإن الله تعالى يقول و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا و خير أملا (مكارم الأخلاق ص457)
حيث يفهم منه أن الباقيات الصالحات تشمل ذكر الله والعمل الصالح..
 
ولما كانت الامور العبادية موقوفة على صحة الاعتقاد حيث لا يقبل عمل عامل من ذكر أو أنثى ما لم يؤمن بالله عز وجل ورسله ومن فرض الله عليه طاعتهم.. كان الاعتقاد بها من أبرز مصاديق الباقيات الصالحات.. فعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: (و الباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا) قال: «هم الأئمة عليهم السلام» (غرر الأخبار للديلمي ص181)
 
وعن الإمام الصادق عليه السلام: .. يا حصين لا تستصغرن مودتنا، فإنها من الباقيات الصالحات‏ (فضائل أمير المؤمنين لابن عقدة ص196)
 
فإن كل عمل سيُرَدُّ على أصحابه ويصير هباءً منثوراً ما لم يقترن بولايتهم ومودتهم عليهم السلام
فتكون ولايتهم من قبيل المتمم لكل أمر عبادي أو تكون شرطاً في قبوله.وحينها وبعد تحقيقها فللإنسان ما سعى..
 
ومما ورد في مصاديق الباقيات الصالحات الصلاة.. فقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن «الباقيات الصالحات‏» فقال: هي الصلاة فحافظوا عليها (تفسير العياشي ج2 ص327)
و عن أبي عبد الله ع أن قوله تعالى و الباقيات الصالحات‏ هي القيام آخر الليل لصلاة الليل و الدعاء في الأسحار (فقه القرآن للراوندي ج1 ص129)
 
فالدعاء كما الصلاة من الباقيات الصالحات إذاً.. لكن اطلق على دعاء خاص أنه الباقيات الصالحات وورد ذلك في روايات عديدة، فعن النبي (ص): .. إذا أصبحت و أمسيت فقل سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر، فإن لك بكل تسبيحة شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة و هي الباقيات الصالحات‏ (المحاسن ج1 ص37)
 
وعن أبي عبد الله عليه السلام : التفت رسول الله صلى الله عليه و آله إلى أصحابه، فقال: اتخذوا جننا.
قالوا: يا رسول الله! من عدو قد أضلنا ؟
قال: لا، و لكن من النار.
و قولوا : سبحان الله، و الحمد لله، و لا إله إلا الله، و الله أكبر؛ فإنهن المعقبات المنجيات المقدمات، و هن عند الله الباقيات الصالحات. (الأصول الستة عشر ص345)
فهذا الذكر جنة ووقاية من النار.. أصله ثابت وفرعه في السماء.. فعن أبي عبد الله ع قال: إن رسول الله ص قال لأصحابه ذات يوم أ رأيتم لو جمعتم ما عندكم من‏ الثياب و الآنية ثم وضعتم بعضه على بعض أ كنتم ترونه تبلغ السماء ؟
قالوا: لا يا رسول الله.
قال: أ لا أدلكم على شي‏ء أصله في الأرض و فرعه في السماء ؟
قالوا :بلى يا رسول الله .
قال: يقول أحدكم إذا فرغ من صلاة الفريضة: سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر ثلاثين مرة، فإن أصلهن في الأرض و فرعهن في السماء و هن يدفعن الهدم و الحرق و الغرق و التردي في البئر و أكل السبع و ميتة السوء و البلية التي تنزل من السماء على العبد في ذلك اليوم و هن الباقيات الصالحات‏. (ثواب الأعمال و عقاب الأعمال ص12)
 
فإن قال قائل:
كيف تجمعون بين ألسنة الروايات هذه ؟ إذ لسان عدة منها صريح في كون المقصود من الباقيات الصالحات معنى معين.. فكيف يصح بعد ذلك أن يقصد بها المعنى الثاني والثالث ؟
إذ في بعضها (هم الأئمة) وفي بعضها (هي الصلاة) وعن ثالثة (هي القيام آخر الليل... والدعاء) .. وفي غيرها عن التسبيحات (وهي الباقيات الصالحات) .. (وهن عند الله الباقيات الصالحات) وهكذا..
 
قلنا: لنا في الجمع وجوه:
أولها: أن ما تذكره الروايات هو مصاديق بقرينة قوله عليه السلام في أحدها (فإنها من الباقيات الصالحات‏)، ويصح أن يقال أن الباقيات الصالحات هي الأمر الفلاني بذكر مصداق.. أو الأمر الفلاني بذكر مصداق آخر..
 
ثانيها: أنه ليس في لسان الروايات حصر حتى يقع التعارض بينها، ولا تنافي بين المثبتات. فلو قال قائل: أحضر لي الكتاب الأول ثم قال أحضر لي الكتاب الثاني لما حصل التعارض بينهما إذ كل منهما يثبت معنى في نفسه دون أن ينفي الآخر.
 
ثالثها: لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا بما قيل.. فلا ضير في الالتزام حينها بأن ما ورد في الروايات وجوه للآية الشريفة يعرفها من كان عنده علم الكتاب.. أو أنها تأويلات وبطون للآية الشريفة..
ويوضحه ما ورد عن جابر قال سألت أبا جعفر ع عن شي‏ء في تفسير القرآن فأجابني، ثم سألته ثانية فأجابني بجواب آخر.
فقلت: جعلت فداك، كنت أجبت في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم !
فقال ع لي: يا جابر إن للقرآن بطنا، و للبطن ظهرا، يا جابر و ليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن، إن الآية لتكون أولها في شي‏ء و آخرها في شي‏ء و هو كلام متصل يتصرف على وجوه.(تفسير العياشي ج‏1 ص12)
 
والحمد لله رب العالمين
أخترنا لك
الجهل بحقيقة التطهير وسلب خلافة الخاتم.. الوحيد الخراساني

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف