تقديم على كتاب تبسيط قواعد النحو والصرف تأليف أ. رجاء حسين حافظ

2022/11/17

بقلم : أ.د/ محمد عبد الحميد خليفة

مثلت قواعد النحو والصرف على مر العقود الماضية شوكة ظلت ثابتة فى حلوق طلابن، ولعل هذه المشكلة التى باتت تؤرق كل طالب استفحلت لتطال الذهنية العامة أو قل الصورة الذهنية التى استقرت لدى الجميع مكرسة من علمى النحو والصرف فزاعة، حتى صدق الجميع هذه الأكذوبة التى صنعها عبر التاريخ أو تواطأ على صنعها مجموعة متعاقبة من المدرسين والمعلمين الذين لم يعطوا لأنفسهم فرصة لتأمل هذين العلمين، بل تعاملوا معهما بوصفهما قوانين جامدة وقواعد ميتة ينبغى التعامل معهما بأسلوب ميكانيكى آلى، غير واعين ببعده الجمالى. وما أصيب به نحونا هو نفسه ما أصيبت به بلاغتنا حينما استحالت قوانين جامدة لا حياة فيها، ففقد طالب العلم تذوقه واستحال بدوره إلى متلقٍ سلبى لا تفاعل بينه وبين البلاغة من جهة، والنحو من جهة أخرى، نافيًا أو متناسيًا مقولة العبقرى العربى (عبد القاهر الجرجانى) من أن النحو علم يعد أساسًا لعلم المعانى وبفضله تولدت الأشكال البلاغية للتراكيب العربية.

وقلة من محبى العربية انتبهوا لما آلت إليه العربية من ضعف؛ حينما وقفوا على أسبابه، وأدركوا أن طريقة تدريس النحو من جهة، أو التعامل مع قواعده تعاملاً آليا من جهة أخرى، إضافة إلى الإسهام المباشر فى تثبيت الفهم المغلوط عن صعوبة نحونا، فانبرى المخلصون منهم للدفاع عن علم النحو، واتجه آخرون إلى طريق أكثر إيجابية فامتشق قلمه وأخذ يكتب فى تيسير قواعد النحو والصرف، وأخذ هذا المنهج أشكالاً شتى؛ حينما استثمر أدب الطفل من شعر وقصة ومسرح؛ ليعيد تقديم هذه القواعد فى أسلوب درامى فى مناخ من اللعب والفكاهة، فظهرت الأشعار التعليمية ومسرحة المناهج، ومن هؤلاء جاءت مؤلفة هذا الكتاب الذى أسعد بتقديمه (رجاء حسين)، التى اجتهدت فيه أيما اجتهاد؛ لإعادة طرح قواعد النحو والصرف بطريقة ميسرة لأبنائها الطلاب، وهذا ليس غريبًا عنها بوصفها واحدة ممن شعرن بالمسئولية  إذ هى واحدة من أبناء اللغة تعى أهميتها التاريخية وتدرك المخاطر المحدقة بها، فلم تتردد وأقدمت على عمل قد عكس جهدًا ضخمًا يحتاج إلى فريق عمل لإنجازه، غير أنها قررت، واحتشدت طاقتها بذهن متوقد، وحماس مشتعل وقلب مؤمن بقضية العربية، فجاء عملها شاهدًا على جهد وإخلاص ليسا بالقليلين، فأضافت إلى مكتبتنا العربية مرجعًا فى قواعد النحو والصرف يشفى غلة شبابنا الظامئين إلى تعلم النحو والصرف، مستعينة بسبل تعليمية شتى كإنشاء حوار أو ألعاب أو قصة تحفز الناشئة على الإقبال والفهم لا بطريقة التلقين المباشر وإنما بطريقة التعليم غير المباشر فى جو بعيد عن الجدة والصرامة، مفعم باللعب والابتسام.

وهنا أؤكد على أمرين: الأول: أهمية الأنشطة المدرسية كالإذاعة المدرسية والمسرح المدرسى وفن المناظرة، وغير ذلك من الأنشطة التى لو أحسن توظيفها لكان الناتج مثمرًا لصالح المادة التعليمية من جهة ولصالح إعادة تشكيل بل تكوين الشخصية للطفل من جهة أخرى لما سوف يكتسبه من قيم ومهارات تزيده ثقة بنفسه وقدرة على الإبداع وتحمل المسئولية، هذا هو الأمر الأول. أما الثانى فهو طرح قد سبق لى أن طرحته من قبل وأسميته (التكاملية فى الدرس) وخلاصته أن يقدم من خلال درس نص ما، كل ما يتوافر عليه من قواعد نحوية وجماليات أسلوبية، كما تستغل موضوعات التعبير الإبداعى التى يقوم بتحريرها الطلاب بمناقشة نماذج منها علانية أمام الفصل الدراسى ليتعرف كاتب الموضوع حينما يجهر بقراءته على أخطائه القاعدية والأسلوبية ، وهنا يفتح المعلم بابًا للمناقشة؛ لأجل توجيهه وتصويب أخطائه من زملائه تحت إشراف معلمه. والباب لا يزال مفتوحًا لأى طرح يسهم فى كسر نمطية طرق التدريس التقليدية ويعظم من جانب المناقشات التى يسهم فيها أبناؤنا أنفسهم.

وعودًا إلى هذا العمل الذى بين أيدينا، حيث أؤكد على ضرورة المضى قدمًا فى سبيل تفعيل شتى طرق التيسير لنحونا العربى، وما عمل (رجاء حسين) إلا لبنة هائلة، سوف يحفظ التاريخ لها جميل صنيعها، ولو نطقت العربية لأوسعتها شكرًا وتحية للوقوف بجانبها، وقبل كل ذلك وبعده فإن جائزتها الكبرى عند خالق الإنسان الذى علمه البيان .. شكرًا وتحية للأستاذة الفاضلة على هذا الجهد، آملاً من الله لها كل السداد والتوفيق فى استكمال مشروعها المعرفى والإبداعى.

 والله ولى التوفيق ...

 محمد عبد الحميد خليفة

 أستاذ ، رئيس قسم اللغة العربية

 بجامعة دمنهور

 الإسكندرية ، شتاء 2019

أخترنا لك
لقاء جمع نصرالله ولاريجاني

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة