فيض الخاطر.. تواصل الأجيال والبناء الناجح

2022/09/15

بقلم/د.كلثم جبر الكواري

تعودت معظم الشعوب على تكريم أصحاب التجارب العملية والاحتفاء بهم، وهم الذين خدموا الدولة أو القطاع الخاص، وهم يُشكلون فئة من أصحاب التجارب الناضجة والخبرات المُتراكمة، بعد أن أفنوا زهرة شبابهم في العمل البنّاء وبدرجات مُتفاوتة، وفي تخصصات عديدة اقتضتها ظروف التنمية في بداياتها الأولى، ومهما كانت مستويات المُساهمة في برامج التنمية، فإنها ستترك علامات على الطريق تُشكل في النهاية إضافةً لرصيد التجارب الخاصة لدى كل فرد، ما يؤدي إلى حصيلة من الخبرات لا يمكن تجاهلها في السياق العام لحياة الأمم والشعوب، والأجيال الجديدة كثيرًا ما تستفيد من تجارب السابقين، وتستعين بها في أداء الأعمال الموكلة إليها، باختلاف هذه الأعمال وتنوعها، والاستفادة من تجارب السابقين لا يعني الإقلال من تجارب الأجيال التالية التي لا تبدأ من الصفر بل تبني على ما بناه الأوائل. يروى أن ملكًا قرئ عليه البيت التالي:

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعل مثلما فعلوا

فصحح البيت وقال:

نبني كما كانت أوائلنا

تبني ونفعل فوق ما فعلوا

فما فائدة العمل إذا لم يُشكل إضافةً لما سبق إنجازه في المجال نفسه؟ وفي هذا اعتراف بأن ما بناه الأوائل يُشكل أساسًا متينًا وقاعدة صلبة لما يُبنى عليه لاحقًا، وهذا لا يقلل من قيمة ما تبنيه الأجيال الجديدة لأنها اعتمدت على تلك الأسس المتينة والقواعد الصلبة التي وضعتها الأجيال السابقة، لتكون منارة تهتدي بها الأجيال الجديدة في مسيرتها الظافرة نحو البناء التنموي الشامل، فالاستعانة بتلك الكنوز الثرية من الخبرات المُتراكمة، مبدأ تحرص عليه الدول لدعم مسارها التنموي، وفي الأمثال الشعبية: (اللي ما له أول، ما له تالي). وإذا انصهرت تجارب الرواد مع عزيمة وحماسة الشباب يمكن الوصول إلى أعلى حد مُتاح من التميز في العمل والجودة في الإنتاج.

وإذا كان المطلوب من جيل الرواد هو الأخذ بأيدي الشباب ودعمهم وتشجيع خطواتهم حتى تكتسب الخبرات اللازمة للنجاح، فمن باب أولى أن تحرصَ الأجيال الجديدة على الاستفادة من الخبرات والتجارب السابقة، مع الحرص على الإضافة والتجديد، ومواكبة ما يوفره العلم من مُستجدات تقنية ومُبتكرات جديدة، وفرها التطور العلمي الذي وصل إليه عالم اليوم في مجالات مُختلفة، واستثمار كل ذلك في البناء الوطني والتنمية المُستدامة.

ثمة أصوات تنادي بنسف الماضي بكل حسناته، وهدم كل ما يتعلق بالماضي من أجل بناء جديد خالٍ من تبعات الماضي ورموزه السابقين، هذا المنحنى مع خطورته يعني أحد أمرين: الأول الانسلاخ من التراث، والثاني الإساءة لمن بذلوا الغالي والنفيس لترسيخ قيمه ومبادئه وإشراقاته المُلهمة، وهذا أمر لا يعني نفي النقد البنّاء بقدر ما يعني الاعتماد على موضوعية تكسب هذا النقد شرعيته وفائدته في تحقيق أهداف الحاضر والمُستقبل، أما هدم الماضي فهو يعني غياب الأسس، وما من بناء لا يقوم على أسس مُحددة فلن يكون مصيره إلا الانهيار العاجل، وفي كل الظروف وفي كل الحالات فإن البداية من الصفر، لا تحقق نتائج فورية ناجحة، لأن النتائج تبنى على تجارب سابقة هي التي توصل إلى تلك النتائج، وهذا ما يعنيه تواصل الأجيال من أجل البناء الناجح.

أولئك الرواد الكبار علينا تقديرهم والاستفادة من تجاربهم، التي تُشكلُ ثروةً حقيقيةً ونبعًا فياضًا يستطيع أن يكونَ رافدًا قويًا لكل تقدم مُنتظر، ولكل طموح يُراد تحقيقه، وبخبرات الآباء وحكمتهم، وحماسة الأبناء وعلمهم، تبني الشعوب نهضتها في الحاضر والمُستقبل.

أخترنا لك
مقتل شقيق أورييه لاعب توتنهام بإطلاق نار في فرنسا

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة