السيدة خولة بنت أبي عبد الله الإمام الحسين(عليه السلام)

2022/08/13

بقلم:مجاهد منعثر منشد

تاريخ النشر 2008

مقامها في منطقة بعلبك في لبنان وان سبب وجودها في المنطقة المذكورة وبعد استشهاد الإمام الحسين (ع) في كربلاء. وفي اليوم الحادي عشر سبيت أخوات وبنات ونساء الإمام الحسين (ع) برحلة شاقة من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام. ومن الطبيعي أن الرحلة إلى الشام ستمر في بلاد ومناطق كثيرة، فركب السبايا سار من حلب وحماه وحمص مروراً بمناطق لبنانية مختلفة ومتعددة، وصولاً إلى بعلبك ومرجة رأس العين، حيث يوجد مسجد رأس الإمام الحسين (ع)، وكما هو معروف أن القوافل في السابق ونظراً للسفر الطويل في الصحاري كانت تتبع مجاري الأنهار والينابيع مخافة العطش ولسقاية الحيوانات التي معهم، وكما هو معروف بأن المنطقة الممتدة من حلب حتى البقاع غنية بالخضرة وأشجار الفاكهة والأنهار والينابيع، وبالذات منطقة البقاع وبعلبك. فخط سير السبايا إذاً كان لا بدّ أن يمر في هذه المناطق. وكما تروي السير الحسينية* بأن القافلة حطت برأس العين، ثم بدير يعرف بدير العذارى القريب من قلعة بعلبك الشهيرة. من هنا نعلم لماذا دفنت السيدة خولة في بعلبك وتحديداً بالقرب من قلعة بعلبك الشهيرة.

، والتي يقال أنها طفلة بعمر الثلاث سنوات، قد توفاها الله بهذه المنطقة بالذات نتيجة السبي والسير الطويل والعطش والتعب. وتروي السير أيضاً أنه وطوال فترة المسير هناك مراقد مشرّفة لآل الرسول وهذا دليل على الوفاة التي كانت تحصل نتيجة ما أصابهم من عذاب وعطش وجوع.. وقد خص الله منطقة بعلبك بوجود هذا المرقد الشريف من رائحة الإمام الحسين (ع) العطرة والذي يفوح عبيرها على أرجاء المنطقة بأكملها.

وكيفية اكتشاف قبرها الطاهر فمن الثابت أن رجلاً من آل جاري صاحب البستان الذي يحوي قبرها الشريف رأى طفلة صغيرة جليلة في منامه، فقالت له: (أنا خولة بنت الحسين مدفونة في بستانك) وعينت له المكان وأمرته بالقول حوّل الساقية (ساقية مياه رأس العين) عن قبري لأن المياه تؤذيني. فالمياة كانت آسنة، لكن الرجل لم يلتفت للأمر، فجاءته ثانية وثالثة ورابعة حتى انتبه الرجل فزعاً من هذه الرؤى، فهرع عندها للاتصال بنقيب السادة من آل مرتضى في بعلبك وقصَّ عليه الرؤية، فذهب النقيب ومن حضر من الأهالي وحفروا المكان المشار إليه، وإذ بهم أمام قبر يحوي طفلة ما تزال غضة طرية، فأزاحوا البلاطات واستخرجوا جسدها المبارك ونقلوها بعيداً عن مجرى الساقية وبنوا فوقه قبة صغيرة للدلالة عليه.

وما إن ذاع صيت الحادثة التي يعود عمرها لمئتي عام تقريبا حتى توافد إلى زيارة المقام محبّوا أهل البيت )عليهم السلام )حتى ضاق بهم المكان، فأصبح مشهدها المبارك مزاراً يأتيه العوام من مختلف المناطق والأطراف والبلاد لا سيما أيام عاشوراء والأربعين والجمعات والأعياد والمناسبات.وهي من الروايات الثابته لسكان منطقة بعلبك في لبنان .

ويقع مقام السيدة خولة على قطعة أرض (تبلغ مساحتها حوالي الألف وخمسمائة متر مربع) عند المدخل الجنوبي لمدينة بعلبك ومقابل مصرف لبنان، وهي أول ما يطالعك في هذه المدينة وقلعتها، ويحيط بالمقام الذي يُبنى اليوم بأرقى هندسة الأشجار الصنوبرية والحرجية، ووسط بناء المقام شجرة سرو معمِّرة ونادرة عمرها يربو على مئات السنين، وقيل إنها واحدة من الأشجار التي زرعت مع بناء القلعة، وعشعش في تلك الناحية العصافير ما يضفي على المقام بهجة ورونقاً نادرين، وهذا المكان قد سجّل في مديرية الآثار لما يمتلكه من قيمة أثرية إضافة إلى قيمته الدينية والمعنوية، ويعتبر المكان حجاً للزوار من كافة المناطق اللبنانية، وذاع صيت المقام وكرامة صاحبته التي كانت ضمن ركب السبايا إلى الأمصار العربية والإسلامية. فصرتَ تجد القاصدين لزيارتها من سوريا وإيران ودول الخليج والدول الإسلامية الأخرى .

أن المقام كان عبارة عن بناء حجري مربع (غرفة) طول ضلعه ستة أمتار يحوي الضريح الشريف الذي يضطجع في الزاوية الشمالية الغربية على يمين الداخل، وقد أقيم فوقه صندوق خشبي مزخرف بآيات قرآنية وأشكال هندسية يفوح منها شذا القداسة وعطر النبوة، وللمقام جدران سميكة تحمل أربعة عقود حجرية مقوّسة تعلوها قبة حجرية صغيرة، وقد توسط محراب بسيط الجدار الجنوبي، وتشير البلاطات الخارجية إلى وجود مسجد صغير كان بإزاء المزار الذي تظلله شجرة سرو قديمة العهد المعروفة بنموها البطيء وباخضرارها الدائم. وقد قيل عنها أنها إحدى الشجيرات اليتيمات التي كانت ضمن الجنائن الرومانية الشهيرة والتي كانت محيطة بالمعابد الرومانية في العصر الروماني64 ق.م. عام 330 م. وقيل أيضاً: إنها زرعت للدلالة أو العلامة وكأن حولها أو قربها شيئاً مقصوداً، إذ يتردد بين العوام أن الإمام زين العابدين (ع) أمر بزرعها للاستدلال من خلالها على ضريح السيدة خولة (ع) .

وتوسيع المقام في عام (1416 هـ)، فأصبح المقام بالحالة الجميلة التي نراه الآن. مقام كبير يتألف من ققص حديدي كبير، يتخلل هذا القفص فتحات صغيرة على شكل نوافذ، وبداخل هذا القفص احتفظ بالقفص الخشبي الصغير والقديم والذي يحتوي بداخلة ضريح السيدة خولة (ع ).

وهذا القفص الحديدي مزدان بآيات قرآنية وأحاديث نبوية شريفة وأقوال لأئمة أهل البيت عليهم السلام من جميع الجهات. ثم لو نظرت إلى جدران المقام العالية فكيفما توجه نظرك تجد أقوال وأحاديث مزخرفة بطريقة جميلة يختلط فيها الألوان ما بين الأزرق والأبيض والكحلي، بطريقة تبهر النظر، حتى كتابة الأقوال والآيات القرآنية فقد كتبت بخطوط عربية مختلفة الأشكال والألوان. ووجدنا من المناسب ذكر بعض هذه الأقوال والكتابات مثلاً:

نبدأ بآية قرآنية شريفة: ﴿ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ الْمَوَدَّةَ﴾

وهناك حديث قدسي*: "مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين خير خلق الله".

ويوجد في المقام أيضاً لوحات خشبية مختلفة الأحجام مكتوب عليها زيارة السيدة خولة(ع)*، وقد كتبت هذه الزيارات بخطوط تختلف من لوحة إلى لوحة، فمنها ما كتب بخط ذهبي، ومنها ما كتب بطريقة ملونة, ومنها ما كتب بخط أسود إلخ... ويوجد في المقام أيضاً خزائن صغيرة يوضع فيها المصاحف الشريفة وكتب أدعية وزيارات (كمفاتيح الجنان)، وكتب دينية أخرى تتناول سيرة الرسول وأهل البيت (ع).. ويُفصل المقام من الداخل بستار صغير من القماش منعاً للاختلاط والتزاحم بين النساء والرجال خاصة في أوقات الزيارات كالأربعين والخامس عشر من شعبان. فأهمية هذا الستار بأنه يعطي الحرية الكاملة بممارسة الشعائر الدينية لكلا الطرفين، وهذا الستار الفاصل نجده في جميع المراقد الشريفة والمقدّسة. وذلك للحفاظ على خصوصية قيام النساء والرجال بواجباتهم الدينية من صلوات مستحبة وقراءة قرآن وغيرها من الأمور العبادية والتي يستحب القيام بها داخل المقام..

ومن أعمال التحسين في المقام أيضاً بناء غرف صغيرة .

أما في ما يخص الشجرة المذكورة اعلاه فهي كانت قبل تحسين المقام ملاصقة له مباشرة، فكانت الناس تأخذ منها أوراق صغيرة للتبرّك كونها وكما هو معروف لدى العوام بأن الإمام زين العابدين هو من زرعها، ويحكى عن كرامات كثيرة لهذه الشجرة، فالناس ونظرا لتعلقهم وحبهم وإيمانهم بأهل البيت وبكراماتهم يأخذون أوراق منها لعلاجهم من مختلف الأمراض. وهذا الأمر كاد أن يؤدي إلى يباس هذه الشجرة وخسارتها، مما حدا بالمعنيين والقيمين على المقام وحفاظاً عليها من اليباس الكامل بأن أحاطوها بقفص زجاجي كبير وعالي يمنع الأيدي من الاقتراب منها، أو قطع أوراقها. أما نوع هذه الشجرة فمنهم من يقول: بأنها من نوع السرو، وعمرها يعود لمئات السنين، والبعض من سكان بعلبك يقولون بأنها من نوع اللزاب، على كل حال فهي شجرة ضخمة جدا تخترق المقام نحو الأعلى بسمو وتباهٍ.

ويوجد في داخل المقام أيضاً صندوق صغير للتبرعات والصدقات وذلك مساهمة في تحسين وتوسيع المقام. وهناك أيضاً أناس يضعون أموالاً داخل القفص الحديدي وليس فقط في صندوق التبرعات, وهؤلاء الأشخاص ممن في ذمتهم نذورات أو قضيت حوائجهم فيفِّضلون وضع أموالهم بقفص السيدة، وذلك عربون شكر ووفاء لها لأن الله سبحانه وتعالى قضى حوائجهم ببركة هذه الطفلة. واللافت أن جميع الأموال سواء في صندوق التبرعات أو في داخل القفص تُصرف في أعمال تحسين وتوسيع المقام، وأيضاً يصرف جزء من هذه الأموال كرواتب رمزية للخدم الذين يشرفون على نظافة المقام

وصف المقام من الخارج.. فيطالعك المقام بهندسة رائعة يعلوه مئذنتان كبيرتان مزدانتان بزخارف جميلة جداً، كذلك يتميّز المقام بقبته الكبيرة ذات الشكل الدائري باللون الأزرق، بحيث إنك بمجرد وصولك على مشارف بعلبك فإنك ترى المقام شامخاً بقبته الزرقاء ومئذنتيه .. ويوجد على باب المقام زيارة استئذان*..

في الباحة الخارجية للمقام يوجد محلات صغيرة لبيع الأشرطة الدينية والعلاّقات المختلفة الأشكال والأحجام والموجود عليها صور للسيد حسن نصر الله، وأقوال دينية، وآيات قرآنية، أيضاً يُباع في هذه المحلات والتي تشبه إلى حد ما المكتبات الصغيرة كتيبات تحكي عن تاريخية المقام وعن الآثارات المهمة الموجودة في مدينة بعلبك والجوار، وغيرها من الأمور التي تستهوي الزائر والسائح. ويوجد أيضاً في الباحة الخارجية أماكن للوضوء ومراحيض وجميعها تتميز بالنظافة والترتيب، فهناك أشخاص مسؤولين عن الاهتمام بنظافتها وترتيبها.. فمن يشرف على أمن المقام ونظافته امرأتان وأربعة رجال، مهمتهم السهر والعناية بالمقام، ومساعدة الزوار إن أرادوا الاستفسار عن أية معلومات تخص المقام. لذا فحالة التنظيف مستمرة طوال اليوم.

أيضاً يوجد في الباحة الخارجية مكان صغير لإضاءة الشموع والتي تضاء للدلالة على أنها نذور.

أيضاً بني طابق ثاني أضيف إلى المقام هو عبارة عن مسجد ملحق بالمقام وهذا المسجد في بنائه قد جارى حركة التوسع التي أضيفت على المقام، وذلك تسهيلاً لحركة الزوار عند الاكتظاظ في أوقات الزيارات وإقامة صلوات الجمعة والجماعة.

ومن الكتابات المزخرفة التي تزين جدران المقام من الخارج:

السلام على صالح المؤمنين، السلام على يعسوب الدين والإيمان..

سودت صحيفة أعمالي ووكلت الأمر إلى حيدر..

وغيرها من الأقوال والأحاديث التي تحفل بها جدران المقام من الخارج..

والسيده خوله (ع) قاضية حواج وأنها صاحبة كرامات ومعجزات، وقد روى أحد الأشخاص بعض من الكرامات والمعجزات التي حصلت بإذن الله وكرامة لهذه الطفلة. فمن هذه الكرامات أن أحد خدام المقام واسمه الحاج نايف عطية توفي لساعة من الزمن فرأى في منامه السيدة خولة عليها السلام وقالت له: ستعيش وحدَّدت له الوقت والسنة اللذين سيموت بهما، وبالفعل فقد عاش المدة التي حددتها له السيدة خولة وعندما حان الوقت المحدّد توفي هذا الرجل. وهذه القصة مشهورة في بعلبك ويرويها أحفاد هذا الرجل حتى الآن.

من الكرامات أيضاً أنه ولدى سماع مجلس عاشوراء في مقام السيدة خولة (ع) فوجيء الناس بالثريا المعلّقة فوق المقام تهتز، وفي هذا الوقت دخلت فتاة سافرة (غير محجبة)، وإذ بها تقف بالباب جامدة، وبعد لحظات استفاقت، ومن الطبيعي أن يجتمع الناس حولها لأنها كانت بحالة شبه إغماء، فسألوها ما الذي حصل معك، فقالت: حضرت علي السيدة خولة عليها السلام ووضعت يدها علي، وقالت لي تستري. (أي ضعي حجاباً على رأسك).

وقد حصلت مع إحدى الفتياة معجزة من معجزات السيدة خولة، فقد تزوجت الفتاة وقد مضى على زواجها ما يزيد على الإثني عشر سنة، وقد حاولت مع الطب كثيراً لكن الطب عجز وهي يأست من إجراء العمليات والوعود، فما كان عليها إلا أن ذهبت إلى طبيبة من نوع آخر طبيبة خصها الله بكرامة عالية، وهذه الطبيبة هي السيدة خولة عليها السلام، فذهبت الفتاة إلى مقام السيدة خولة لزيارتها، وهناك نذرت أنها إن رزقت بولد ذكر ستسميه حسين على اسم الامام الحسين (أي والد السيدة خولة)، وإن رزقت بفتاة ستسميها خولة، وكان نذرها بخشوع وإيمان. وبعد فترة وبإذن الله حملت هذه المرأة وأنجبت فتاة وأسمتها خولة على اسم السيدة خولة، وللدلالة على هذه الكرامة أن الفتاة هذه لم تنجب غير هذه الفتاة. ولم تحمل مرة ثانية.

والمقام يشكِّل مكاناً عبادياً كبيراً ففيه تقام الصلوات الخمس؛ (أي الصلوات اليومية الواجبة على كل مسلم) بشكل جماعي ويومي، وذلك بإمامة الشيخ على فرحات، أما صلاة الجمعة فهي تقام بإمامة الشيخ محمد يزبك،

هذه هي السيدة خولة وبلمحة موجزة لا تفيها حقها، فهي طفلة من أطفال الإمام الحسين عليه السلام الذين جار عليهم الزمن، وظلمهم طغاة الاستبداد، ثم سبوهم من مكان إلى مكان، فمنهم من قتل مع الحسين في كربلاء، ومنهم من سبي وتشرّد مع ركب السبايا الذي سير بهم من بلد إلى بلد، فمن الطبيعي أن يتعرض هؤلاء الأطفال ونتيجة للجوع والعطش أن يتعرضوا إلى المرض ومن ثم الموت في الطريق، وطوال رحلة السبي قد احتوت تراب بلاد كثيرة أجساد هؤلاء الأطهار من فلذات كبد الإمام الحسين، والسيدة خولة عليها السلام هي طفلة أيضاً شاء القدر أن تحط قافلة سبيهم رحالها في بعلبك، وشاء الله أن تحتوي تراب هذه المدينة جسد هذه الطفلة ليصبح مكان دفنها فيما بعد وبعد أن تم اكتشافه منارة للقداسة ورمزاً للطهارة .

أخترنا لك
في رحاب النقد

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة