*الرَّبابُ مع رأس الحسين
دَعَا السَّبايا ابنُ زيادٍ منَ السِّجنِ , دَخَلنَ عليهِ , شَاهَدنَ الرأَسَ الشَّريفَ تَتَصَاعَدُ أَنوارُهُ وأَساريرهُ إلى عَنَانِ السَّماءِ , هَروَلتِ الرَّبابُ , وَقَعَتْ عليهِ تُقَبِّلُهُ .
سارعتْ أُمُّ كلثومٍ لِرَباب , خَاطَبَها الطَّاغيةُ : الحَمْدُ لله الذي قَتَلَ رجَالَكُم! فَكيفَ تَرَونَ ما فَعَلَ بِكُم؟
رَدَّتْ عليهِ بنتُ عَليٍّ : أَي ابن زيادٍ! لِئِنْ قَرَّتْ عَينُكَ بقَتلِ الحُسينِ فَطَالَمَا قَرَّتْ عَينُ جَدِّهِ بهِ، وكانَ يُقَبِّلُهُ ويَلثِمُ شَفَتَيهِ ويَضَعَهُ على عَاتِقِهِ! يا ابنَ زَيادٍ أَعدَّ لِجَدِّهِ جَواباً فإنَّهُ خَصمُكَ غَداً!
**********
* طواف برأس الحسين
أُذِّنَ بالناسِ أَذَاناً عاماً , حَضَروا , يَرونَ الرَّأسَ بينَ يَدَي ابنِ زيادٍ , يَنظُرُ إليهِ ,يَبتَسِمُ , يَضربُهُ بقَضيبٍ بينَ ثَنايَاه!
أَمَرَ الطَّاغيةُ أَنْ يَطوفَ جندُهُ برأسِ الحُسينِ في أَزقَّةِ الكوفَةِ مَحمولً على خَشَبَةٍ كَصَلْبِ عيسى بنِ مَريمَ . جَعَلوا الأَغلالَ في يَدَي عليِّ بنِ الحُسينِ ورقَبَتِهِ , سِيْقَ بالرَّكبِ في الكوفَةِ !
**********
* انتفاضة عبدِ الله بنِ عَفيفٍ الأَزدي مع الطَّاغية
صدرتْ أَوامرُ ابنِ زيادٍ بنَصبِ رأسِ الحُسينِ على بَابِ دارِ الأَمارةِ , طَلَبِ من رجالِهِ جَمعَ الناسِ على بابِ مَسجدِ الكوفَةِ , اجتمعوا , خرجَ إليهم وصَعَدَ المِنبرَ قائلاَ: الحَمْدُ للهِ الذي أَظهَرَ الحَقَّ وأَهلَه! ونَصَرَ أَميرَ المؤمِنينَ وأَشيَاعَهُ! وقَتَلَ اَلكَذَّابَ ابنَ اَلْكَذَّابِ!
وَثَبَ إليهِ عبدُ اللهِ بنُ عَفيفٍ الأَزدِيُّ صَرَخَ بِوَجهِهِ: يا يَا اِبْنَ مَرْجَانَةَ إِنَّ اَلْكَذَّابَ ابنَ اَلْكَذَّابِ أَنْتَ أَبُوكَ ومَنِ اِسْتَعْمَلَكَ و أَبُوهُ يَا عَدُوَّ اَللَّهِ أَتَقْتُلُونَ أَبنَاءَ النَّبِيِّينَ وَ تَتَكَلَّمُونَ بهَذَا اَلكَلامِ علَى مَنَابِرِ اَلْمُؤْمِنِينَ ؟!
اشتَاطَ الطَّاغِيةُ غَضَباً , سَأَلَ : مَنِ المُتَكَلَّمُ؟
أجابه بكل ثقة:
أَنَا المُتَكَلِّمُ يَا عَدُوَّ اَللهِ تَقْتُلُ الذُّرِّيَّةَ الطَّاهِرَةَ الَّتِي قَدْ أَذْهَبَ اَللهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ تَزْعُمُ أَنَّكَ عَلَى دِينِ الإِسلامِ ؟ واغَوثَاهُ! أَينَ أَوْلاَدُ المُهَاجِرِينَ وَ الأَنصَارِ ليَنْتَقِمُوا مِنْ طَاغِيَتِكَ اللَّعِينِ ابنِ اللَّعِينِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ رَبِّ العَالمِينَ ؟!
انتَفَخَتْ أَودَاجُ ابنِ زيادٍ , أَمَرَ : عَلَيَّ بهِ!
شَدَّ عليهِ الجَلاوزَةُ , نَادَى بِشِعَارِ الأَزدِ: يا مَبْرُورُ.
سَمِعَهُ عبدُ الرَّحمَنِ ابنُ مُخنِف الأَزديِّ ، هَمْهَمَ: وَيحَ نَفسكَ! أَهلَكتَها وأَهلَكْتَ قَومَكَ!
تَجَمَّعَ سبعمائة مُقاتلٍ منَ الأزدِ، وَثَبوا إليهِ فِتيةٌ منهم ,انتَزَعوهُ ,انطَلَقوا بهِ إلى مَنزلِهِ.
رَجَعَ الطَّاغيةُ إلى القَصرِ , كَلَّمَ رَجالَهُ : اذهبوا إلى هذا الأَعمَى الذي أَعمَى اللهُ قلبَهُ كما أَعمَى عَينيهِ، فَأتونِي به!
رأتْ عَشيرتُهُ تَحرُّكَهُم الى مَنزلِ عبد الله الأَزديِّ , اجتمعوا ,انضَمَّتْ إليهم قَبَائلٌ منَ اليَمَنِ .
بلغَ ابنَ زيادٍ خَبرُهُم , فَجَمَعَ قَبَائِلَ مُضَرَ وَ ضَمَّهُمْ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ أَشْعَثِ وَ أَمَرَهُمْ بِقِتَالِ القَومِ
, فَاقْتَتَلُوا ا قتالاً عنيفاً , قُتِلَتْ جماعَةٌ منَ العَرَبِ , وَصَلوا دارَ عبدِ اللهِ بنِ عَفيفٍ، كَسَروا البابَ ,اقتَحَموا عليهِ.
فَصَاحَتْ ابنَتُهُ أَتَاكَ القَوْمُ مِنْ حَيثُ تَحْذَرُ!
فَقَالَ لا عَلَيْكِ نَاوِلِينِي سَيْفِي .
وَضَعتْ سَيفَهُ في قَبضَةِ يَدِهِ اليُمنَى , ذَبَّ عَنْ نَفْسِهِ, يَسمَعُ صَوتَ ابنَتِهِ : لَيتني كنتُ رجلاً فأقاتل بين يديك هؤلاء الفجرة.
دارَ عليهِ الجُندُ أَحاطوا بهِ مِن جَميعِ الجَوَانبِ, ظَلَّ يُقاتِلُ ويَرتَجِزُ:
أُقْسِمُ لَوْ يُفْسَحُ لِي عَنْ بَصَرِي ضَاقَ عَلَيْكُمْ مَوْرِدِي وَ مَصْدَرِي
تكاثروا حَولَهُ, صَرَخَتْ ابنَتُهُ : وَاذِلَّاهُ ! يُحَاطُ بِأَبي وليسَ لهُ نَاصِرٌ يَستَعينُ بِهِ!
أَلقَوا القَبضَ عليهِ , سَاقوهُ إلى الطَّاغيةِ , صَرَخَ بوجهِهِ : الحَمْدُ للهِ الذي أَخزَاكَ!
أَجابَهُ الأَزدِيُّ : يا عَدَوَّ اللهِ! بمَاذا أَخزَانِي! واللهِ لو يُكشَفُ عَن بَصَري.
أَردَفَ الطَّاغيةُ : ماذا تَقولُ في عُثمانَ؟
ـ كلمه مستفزا إياه:
فَقَالَ يَا عَبدَ بَنِي عِلاَجٍ يَا ابنَ مَرْجَانَةَ و شَتَمَهُ مَا أَنْتَ وعُثْمَانَ إِنْ أَسَاءَ أَمْ أَحْسَنَ وأَصْلَحَ أَمْ أَفْسَدَ ؟
وَ اَللهُ تَعَالَى وَلِيُّ خَلْقِهِ يَقْضِي بينَهم بِالعَدلِ والحَقِّ ولَكِنْ سَلْنِي عَنْ أَبِيكَ وعَنْكَ وعَنْ يَزِيدَ وأَبِيهِ!
تَلعَثَمَ ابنُ زيادٍ قائلاَ : لاسَأَلْتُكَ عَنْ شَيءٍ أَو تَذُوقَ المَوْتَ!
نَطَقَ بنُ عَفيفٍ : الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالمِينَ، كُنْتُ أَسْأَلُ اَللهَ رَبِّي أَنْ يَرْزُقَنِيَ الشَّهَادَةَ قَبْلَ أَنْ تَلِدَكَ أُمُّكَ وسَأَلْتُ اَللهَ أَنْ يَجعَلَ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ أَلْعَنِ خَلْقِهِ وأَبْغَضِهِمْ إِلَيْهِ ، فَلَمَّا كُفَّ بَصَرِي يَئِسْتُ مِنَ الشَّهَادَةِ والآنَ الحَمْدُ للهِ اَلَّذِي رَزَقَنِيهَا بَعْدَ اليَأْسِ مِنْهَا وعَرَّفَنِي الإِجَابَةَ مِنْهُ فِي قَدِيمِ دُعَائِي.
نَادَى الطَّاغيةُ جَلاوزَتَهُ , أَمَرَهُمْ: اِضْرِبُوا عُنُقَهُ!
صَلَبُوهُ!!!!
.......................................
*للكاتب مجاهد منعثر منشد /المجموعة القصصية (ظمأ وعشق لله) , الفصل السادس سبي آل الحسين , ص 117ـ 120.