ظنَّ ابنُ زياد أَنَّ الحسين سيبرح به العطش , فأرسل لقائده كتابا : امنع الحسين وأَصحابه الماء , وحُلْ بينهم وبينه حتى لايذوقوا منه حسوة , كما فعلوا بالتقي عثمان بن عفان !
هذه وقاحة طغاة ! أَين كان ابن زياد يوم مُنعَ عثمان عن الماء؟
وأَين كان علي بن أبي طالب والسبطين الحسن والحسين ؟
استغرب ذلك , الإمام علي لم يمنع الماء في صفين , والحسين يسقي جيش الطاغية بقيادة الحُرِّ .
أَلم يحمل أَمير المؤمنين قربة الماء على كاهله مقتحماً صفوف الثوار , متحديا حصارهم حتى سقطت عمامته من رأسه فأَنفذ الماء إلى الخليفة الظمآن !؟
هل تناسى الطاغية أَمر علي بن أَبي طالب لولديه الحسن والحسين بحراسة عثمان يذودان عنه عوادي الثوار حتى جُرِحَا وسالَ دمهما ؟
أرسل ابن سعد جنداً يبلغ تعدادهم خمسمائة فارس بقيادة عمرو بن الحجاج , احتلوا جميع الشرائع والأَنهر المتفرعة من الفرات , أَوصدوا الحسين ومعسكره يحولون بينه وبين الماء بصغار ولؤم مع تفوقهم العددي الساحق , ماذا يريدون وراء منع الماء , هل من في الخيام , سيدات , أطفال , مرضى ؟
حاصروا الطريق إلى الشريعة , جفت القرب التي ملأها أخوه العباس عنوه ,الاطفال والنسوة مشهدهم لا يطاق يترنحون تحت وطأة الظمأ , ما عسى الإمام صانع لهم ؟
*********
*( ظمأ)
وسط الصحراء اللاهبة تتلظى الأطفال من العطش , ينظرون إلى الفرات يفيض بمائه , ذبلت شفاههم , جف لبن المراضع , يصرخون من أَلم الظمأ القاتل .
جيش اللئام يتفاخرون باستيلائهم على نهر الفرات وحرمان من في كنف الحسين من نساء أَهل البيت وأَحفاد النَّبي , انبرى المهاجر بن أَوس يسمع الإمام رافعاً صوته : ياحسين إلا ترى إلى الماء يلوح كأَنَّه بطون الحيَّات , والله لاتذوقه أو تموتّ!
أَيظن هذا الملعون بكلامه يعيد الإمام خواطره من جديد حول موقفه ؟
ـ ردَّ الحسينُ : إنِّي لأَرجو أَن يوردنيه الله ويحلئكم منه .
هتف عِرقُ الخِسَّة ممن كاتَبَ الحسين بالقدوم فخان عمر بن الحجاج وأَقبل بفرسه صوب معسكر الإمام ,رفع صوته : ياحسين , إنَّ هذا الفرات , تلغُ فيه الكلاب , وتشرب فيه الحمير والخنازير , والله لاتذوق منه جرعة حتى تذوق الحميم في نار جهنم !
وأشتد عبد الله بن أَبي الحصين كالكلب ينبح منادياً : ياحسين ,أَلا تنظر إلى الماء كأنَّه كبد السَّماء , والله لاتذوق منه قطرةً حتى تموتَ عطشاً !
رفعَ الإمامُ كَفَّيه داعيا عليه : اللّهم أقتله عطشاً , ولاتغفر له أَبداً.
أنكر أصحاب الحسين نافع بن هلال وبُرَيرُ بن خُضَير والحُرُّ بن يزيد على ابن سعد منعه الماء عن ريحانة الرسول وأطفاله الموشكين على الهلاك .
صمتُ ابنِ سعدٍ المُطبقُ تفشي مَلامحُهُ سعادتَهُ بملك الرَّي , فوقف الحُرُّ مخاطباً جيش الخسة قائلا:
ياأَهل الكوفة, لأمِّكمُ الهَبَل والعِبر! إذ دَعَوتُموه، حتّى إذا أتاكم أسلَمتمُوه، وزعمتم أَنّكم قاتِلو أَنفسِكُم دونه، ثمّ عَدَوتُم عليه لتقتلوه! أمسكتُم بنفسه، وأخَذتم بكَظْمه، واحَطتُم به من كلّ جانب، فمنعتموه التوجّه في بلاد الله العريضة حتّى يأمنَ ويأمَنَ أَهلُ بيته، وأَصبح في أيديكم كالأسير.. لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع ضُرّاً، وحَلأتُموه ونساءه وصِبيتَه وأصحابَه عن ماء الفرات الجاري الذي يشربه اليهوديّ والمجوسيّ والنصرانيّ، وتمرغ فيه خنازير السَّواد وكلابُه، وها هم قد صَرَعهم العطش، بئسما خَلَفْتم محمّداً في ذريّته، لا سَقاكمُ الله يوم الظمأ .
...........................
*للكاتب مجاهد منعثر منشد /المجموعة القصصية (ظمأ وعشق لله) , الفصل الرابع رحلة من المدينة إلى الكوفة, ص 80ـ 81.