مهما تطوَّرت وتعدَّدت أدوات الجمال والتزيّن، ومهما اتسعت في رواجها لتصبح جزءًا من ثقافة مُجتمع، فإنَّ لا شيء يبقى محتفظًا بقيمته وحاضرًا بقوَّته كالفكر.
الفكر هو هُوية خالصة تُعرّف بها عن نفسك تعريفًا حقيقيًا بعيدًا عن الشكليات والسطحيات التي وإن احتوت على تأثيرات الإبهار والانجذاب، فإنَّها لا تعدو كونها شكلياتٍ لن تحقق لك ولا لمحيطك ولا لمجتمعك الفائدة المؤثرة التي تبقيك حاضرًا في الأذهان وذا هيبة بحضورك ومحل تقدير واحترام.
أنت إنسان لديه عقل يفكر ويبتكر ويبدع ويؤثر ولست مجرد أداة للزينة، ومهما بدا لك أن التوجَّه السائد قد بات يتركز أكثر فأكثر على شكليات الظهور بكيف تبدو على شكليات المادة، وبكم تملك لشكليات الاجتماع بمدى اتساع دائرة معارفك، فإن قيمتها جميعًا لا تصل ولن تضاهي قيمتك الفكرية ومخزونك الثقافي الذي يبقى محتفظًا بوجوده وبحضوره بالقدر الذي توليه الاهتمام وتقدمه على ما سواه.
مغريات الحياة والناس كثيرة، ولها قوى جبارة في استمالتك وإبعادك عن الخط الصحيح بالفكر والمنطق لأنها مغريات وتوجهات فيها سعادة ظاهرة وآنية، ولم يعد كل منطقي هو ما يجب أن يسود، بل إن كل ما يتوافق مع تلك المغريات هو المنطق بنظر منتهجي خط الشكليات. ولكن حتى هذه الفئة التي تجري وراء شكلياتها وتضع كل جهودها في تحسينها وتطويرها، تعلم تمام العلم أنَّها تهتمُّ بما لا يمتُّ إلى الفكر بِصِلة، وهي تدرك في قرارة نفسها أن ما تتبعه ليس هو الجوهر، وقد يصل أحيانًا إلى أن تتمنَّى لو تستطيع أن تتصرف تجاه نفسها بخلاف ما هي عليه؛ لأن الصواب كالذهب مهما أخفاه غبار الاعتقادات الخاطئة بأن الشكل هو الجوهر، فإنه يبقى صوابًا يتحدى كل خطأ، وكل ما هو خارج المنطق. لنتفكر قليلًا فيما نملك من فكر ونعمل على استثمار وقتنا ومجهوداتنا في تطويره وجعله منارة تستضيء بها دروبنا في الحياة، لتتجلى أجمل الصور في احترام الذات وفي احترام الآخرين.