د.كلثم جبر الكواري
ضمن الحديثِ عن الإصلاحِ بجميعِ أشكالِه ومختلفِ أساليبِه، يتطرقُ الحديثُ للإصلاح الاجتماعي الذي يعتبر الركيزة الأولى لأي إصلاح في أي مجتمع، إذ يهيئ الإصلاح الاجتماعي للسيطرة على النواحي الأخرى للفساد، وغالبًا ما يكون هدفُه الفرد، ومن الفرد تتكون الجماعة، ومن الجماعة تتشكل المجتمعات، وبذلك يكون من الضرورة بمكان استهداف الفرد في الإصلاح، ليحمل على كاهله بعد ذلك مسؤولية هذا الإصلاح في مجتمعه الخاص المتمثل في بيئته الأسرية وفي مجتمعه العام المتمثل في مؤسسات ذلك المجتمع ابتداءً من المدرسة والمسجد والنادي، وصولًا إلى مجتمعه الشامل المتمثل في الوظيفة بما فيها من مسؤوليات وزملاء ورؤساء أو مرؤوسين. وبالضرورة لا بد أن تبدأ التربية الصالحة للإنسان منذ طفولته، في بيئة تفضي إلى نشأته نشأة سليمة خالية من معوقات نموه الطبيعي، فهذه المعوقات قد تؤدي إلى سوء التربية التي تنعكس سلبًا على مستقبل حياته.
ومع اختلافِ الأساليبِ التربويةِ من مجتمع لآخر، تظل الرقابة الوالدية عاملًا أساسيًا في التوجيه التربوي، وتحديد مسار الطفل ضمن تلك الأساليب التربوية السائدة في مجتمعه، وتعاني معظم المجتمعات من عدم قدرة الأبوَين في مسألة السيطرة الوالدية على الأطفال في ظل هيمنة الأفكار الجديدة التي ربما لا تنسجم مع رؤية الوالدَين في تربية أطفالهما، حيث تتضخم التجاذبات التي يتعرض لها هؤلاء الأطفال في المسائل القيمية، فما يراه الأبوان قد يختلف عما يراه المجتمع، حين تسود فيه قيم مستوردة لا تنسجم أبدًا مع ما يعتقده الأبوان في مسائل جدلية كالصح والخطأ، والمقبول والمرفوض، وما هو كائن وما يجب أن يكون، ما يخلق حالة من التشتت لدى بعض الناشئين خاصة أولئك الذين يعيشون في أسر مفككة، لا تنتظم في مفاهيم تربوية مشتركة، وذلك دون شك يعيق الإصلاح الاجتماعي المطلوب.
والخلل التربوي منذ الطفولة يولد في النهاية خللًا له عواقبه التربوية الخطيرة، التي تؤدي إلى مخرجات يصعب في ظلها على الأجيال الجديدة القيام بدور الإصلاح المنشود في المجتمع، وهنا يأتي دور المدرسة في تقويم ما هو معوج في الأساليب التربوية الوالدية، فالمدرسةُ هي الحاضنة الثانية لنمو الأطفال، وفرص اتباعها للأساليب التربوية الحديثة غالبًا ما تكون أوضح بسبب خضوعها لمناهج واستراتيجيات تربوية وتعليمية بإشراف الخبراء والمختصين، وهي لا تخضع للسلوك العشوائي في المنزل الذي تتحكم فيه أوضاع الأسرة الاجتماعية والاقتصادية وحالات الأبوَين من حيث الانسجام أو التنافر فيما بينهما، ومن حيث توفر أو غياب المناخ الصحي للتربية السليمة، والحصيلة النهائية لمعطيات التربية الأسرية والمدرسية هي سلاح الفرد في مواجهة ظروف الحياة عندما يتخطى مراحله الأولى ويصل إلى مرحلة الانخراط في العمل، وتحمل مسؤولية نفسه دون عون من أحد، وهذه المرحلة هي المحك الذي يفرز القادرين على المشاركة في الإصلاح الاجتماعي، الذي لا يعني التصدي لهذا الإصلاح بالشعارات والخطابات والدعوات المباشرة عبر منابر الإعلام المختلفة، ولكنه يعني صنع هذا الإصلاح باعتباره مسؤولية مباشرة على كل مواطن، ليكون هذا المواطن أداة للبناء الوطني الشامل من موقعه أيًا كان هذا الموقع، صغيرًا أو كبيرًا، وأهم مظاهر الإصلاح المنشود هو قيام كل فرد بمسؤولياته خير قيام، وعدم التنصل من المهمات المناطة به، إلى جانب الشعور بأن هذه المهمات مسؤولية أخلاقية وإنسانية ووطنية لا يكتمل انتماؤه الوطني إلا بأدائها وبأعلى مستوى من الجودة، وهذا هو الإصلاح الاجتماعي الذي تريده الأوطان من أبنائها، أما الكلام والحديث عن الإصلاح فهو سهل، وميسور لكل من أراد، لكن الأهم من ذلك هو القيام بهذا الإصلاح ابتداءً من إصلاح الذات، وتقويمها لتنسجم مع الإصلاح الوطني العام، دون تغليب المصالح الذاتية على المصالح العامة، وفي النهاية يظل للإصلاح نتائجه الإيجابية التي يقطف ثمارها المواطنون.. كل المواطنين، ومن إصلاح الذات يبدأ إصلاح المجتمع، وعندما يعم الإصلاح المجتمع.. تتراجع وإلى حد كبير مظاهر الفساد في كثير من الأمور.