إطلالة على سيرة حياة الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليهما السلام في ذكرى ولادته الشريفة.
اسمه ونسبه (1)
الإمام موسى بن جعفر بن محمّد الكاظم(عليهم السلام).
كنيته
أبو الحسن، أبو إبراهيم، أبو علي، أبو إسماعيل.
من ألقابه
الكاظم، العبد الصالح، الصابر، الأمين، أبو الحسن الأوّل، أبو الحسن الماضي.
أُمّه
جارية، اسمها حَميدة بنت صاعد البربرية المغربية المعروفة بحميدة المصفّاة.
ولادته
ولد في السابع من صفر 128ﻫ بالأبواء قرب المدينة المنوّرة أو على رواية في العشرين من ذي الحجة.
عمره وإمامته
عمره 55 عاماً، وإمامته 35 عاماً.
حكّام عصره في سِنِي إمامته
أبو جعفر المنصور المعروف بالدوانيقي؛ لأنّه كان ولفرط شحّه وبخله وحبّه للمال يُحاسب حتّى على الدوانيق، والدوانيق جمع دانق، وهو أصغر جزء من النقود في عهده، محمّد المهدي، موسى الهادي، هارون الرشيد.
عبادته
أجمع الرواة على أنّه(ع) كان من أعظم الناس طاعة لله، ومن أكثرهم عبادة له، وكان من مظاهر عبادته(ع) أنّه إذا وقف مصلّياً بين يدي الخالق العظيم أرسل ما في عينيه من دموع وخفق قلبه، وكذلك إذا ناجى(ع) ربّه أو دعاه.
يقول الرواة: إنّه(ع) كان يُصلّي نوافل الليل، ويَصلها بصلاة الصبح، ثمّ يُعقّب حتّى تطلع الشمس، ويخرّ لله ساجداً، فلا يرفع رأسه من الدعاء والتمجيد لله حتّى يقرب زوال الشمس.
وكان من مظاهر الطاعة عنده(ع) أنّه دخل مسجد جدّه رسول الله(ص) في أوّل الليل، فسجد(ع) سجدة واحدة وهو يقول بنبرات ترتعش خوفاً من الله: «عَظُمَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِك»(2)، وجعل(ع) يُردّد هذا الدعاء بإنابة وإخلاص وبكاء حتّى أصبح الصباح.
وحينما أودعه الطاغية الظالم هارون الرشيد العبّاسي في ظلمات السجون، تفرّغ(ع) للعبادة، وشكر الله على ذلك قائلاً: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّغَنِي لِعِبَادَتِكَ، اللَّهُمَّ وَقَدْ فَعَلْتَ، فَلَكَ الحَمْد»(3).
وكان الطاغية هارون يشرف من أعلى قصره على السجن، فيبصر ثوباً مطروحاً في مكان خاصّ لم يتغيّر عن موضعه، وعجب من ذلك، وراح يقول للربيع: ما ذاك الثوب الذي أراه كلّ يوم في ذلك الموضع؟
فيُجيبه الربيع قائلاً: يا أمير المؤمنين، ما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر، له في كلّ يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، وبهر الطاغية وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم، قلت: فما لك قد ضيّقت عليه الحبس؟ قال: هيهات، لابدّ من ذلك!(4).
زهده
زهد(ع) في الدنيا، وأعرض عن مباهجها وزينتها، وآثر طاعة الله تعالى على كلّ شيء، وكان بيته خالياً من جميع أمتعة الحياة، وقد تحدّث عنه إبراهيم بن عبد الحميد فقال: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْحَسَنِ الْأَوَّلِ(ع) فِي بَيْتِهِ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ، فَإِذَا لَيْسَ فِي الْبَيْتِ شَيْءٌ إِلَّا خَصَفَةٌ وَسَيْفٌ مُعَلَّقٌ وَمُصْحَف»(5).
وكان كثيراً ما يتلو على أصحابه سيرة الصحابي الثائر العظيم أبي ذر الغفاري الذي طلّق الدنيا ولم يحفل بأيّ شيء من زينتها، ناقلاً لهم قول أبي ذر: «جَزَى اللهُ الدُّنْيَا عَنِّي مَذَمَّةً بَعْدَ رَغِيفَيْنِ مِنَ الشَّعِيرِ، أَتَغَدَّى بِأَحَدِهِمَا وَأَتَعَشَّى بِالْآخَرِ، وَبَعْدَ شَمْلَتَيِ الصُّوفِ أَتَّزِرُ بِإِحْدَاهُمَا وَأَتَرَدَّى بِالْأُخْرَى»(6).
من زوجاته
جارية اسمها تُكتم.
من أولاده
الإمام علي الرضا(ع)، إبراهيم، أحمد، إسحاق، إسماعيل، حمزة، عبد الله، القاسم، محمّد العابد، العباس، هارون، فاطمة المعصومة(عليها السلام).
سجنه
أمر هارون الرشيد بسجن الإمام الكاظم(ع)، ثمّ أخذ ينقله من سجنٍ إلى سجن، حتّى أدخله سجن السندي بن شاهك الذي لم تدخل الرحمة إلى قلبه، وقد تنكّر لجميع القيم، فكان لا يُؤمن بالآخرة، ولا يرجو لله وقاراً، فقابل الإمام(ع) بكلّ قسوة وجفاء، فضيّق عليه في مأكله ومشربه، وكَبّله بالقيود، ويقول الرواة: إنّه قيّده(ع) بثلاثين رطلاً من الحديد.
رسالته إلى هارون
أرسل(ع) رسالة إلى هارون الرشيد أعرب فيها عن نقمته عليه، قال فيها: «لَنْ يَنْقَضِيَ عَنِّي يَوْمٌ مِنَ الْبَلَاءِ إِلَّا انْقَضَى عَنْكَ مَعَهُ يَوْمٌ مِنَ الرَّخَاءِ، حَتَّى نَقْضِيَ جَمِيعاً إِلَى يَوْمَ لَيْسَ لَهُ انْقِضَاءٌ، يَخْسَرُ فِيهِ المُبْطِلُون»(7).
وحكت هذه الرسالة ما ألمّ بالإمام(ع) من الأسى في السجن، وأنّه سيُحاكم الطاغية هارون الرشيد أمام الله تعالى في يوم يخسر فيه المبطلون.
استشهاده
استُشهد في الخامس والعشرين من رجب 183ﻫ بالعاصمة بغداد، ودُفن بالكاظمية المقدّسة
كيفية استشهاده
عهد هارون إلى السندي بن شاهك باغتيال الإمام(ع)، فدسّ له سُمّاً فاتكاً في رطب، وأجبره السندي على تناوله، فأكل(ع) منه رطبات يسيرة، فقال له السندي: زِد على ذلك، فرمقه الإمام(ع) بطرفه وقال له: «حسبُكَ، قد بلغتُ ما تحتاجُ إليه فيما أُمرتَ به»(8).
وتفاعل السمّ في بدنه(ع)، وأخذ يُعاني الآلام القاسية، وقد حَفّت به الشرطة القُساة، ولازمه السندي، وكان يُسمعه مُرّ الكلام وأقساه، ومنع عنه جميع الإسعافات ليُعجّل له النهاية المحتومة.
تشييعه
خرج الناس على اختلاف طبقاتهم لتشييع جثمانه(ع)، وخرجت الشيعة وهي تلطم الصدور وتذرف الدموع.
وسارت مواكب التشييع في شوارع بغداد وهي متّجهة إلى محلّة باب التبن، وقد ساد عليها الحزن، حتّى انتهت إلى مقابر قريش في بغداد، فحُفِر للجثمان العظيم قبر فواروه فيه.
من وصاياه (9)
1ـ قال(ع) لبعض شيعته: «أَيْ فُلَانُ، اتَّقِ اللهَ وَقُلِ الحَقَّ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ هَلَاكُكَ؛ فَإِنَّ فِيهِ نَجَاتَكَ، أَيْ فُلَانُ، اتَّقِ اللهَ وَدَعِ الْبَاطِلَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَجَاتُكَ؛ فَإِنَّ فِيهِ هَلَاكَكَ».
2ـ قال(ع): «إِيَّاكَ أَنْ تَمْنَعَ فِي طَاعَةِ اللهِ، فَتُنْفِقَ مِثْلَيْهِ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ»
3ـ قال(ع): «المُؤْمِنُ مِثْلُ كَفَّتَيِ الْمِيزَانِ، كُلَّمَا زِيدَ فِي إِيمَانِهِ زِيدَ فِي بَلَائِهِ».
4ـ قال(ع) عند قبر حضره: «إِنَّ شَيْئاً هَذَا آخِرُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُزْهَدَ فِي أَوَّلِهِ، وَإِنَّ شَيْئاً هَذَا أَوَّلُهُ لَحَقِيقٌ أَنْ يُخَافَ آخِرُهُ».
رثاؤه
ممّن رثاه السيّد مهدي الأعرجي(رحمه الله) بقوله:
«لَهفِي وَهَل يُجدِي أسى لَهفِي على ** موسى بنِ جَعفر عِلَّةِ الإيجادِ
ما زالَ يُنقَلُ في السُّجونِ مُعانياً ** عضَّ القُيودِ ومُثقَلَ الأصفادِ
قَطَعَ الرَّشيدُ عَليهِ فَرضَ صَلاتِهِ ** قَسْراً وأظهرَ كامِنَ الأحقادِ
حتَّى إليهِ دَسَّ سُمّاً قَاتلاً ** فَأصابَ أقصى مُنيةٍ ومُرادِ
وَضعوا على جِسرِ الرَّصافةِ نَعشَهُ ** وعَليهِ نادى بالهَوانِ مُنادِ»(10).
ــــــــــــــــــــــ
1ـ اُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى 2/ 5، الأنوار البهية: 177.
2ـ الإرشاد 2/ 231.
3ـ الإرشاد 2/ 240.
4ـ اُنظر: عيون أخبار الرضا 2/ 89.
5ـ قرب الإسناد: 310 ح1208.
6ـ الكافي 2/ 134 ح17.
7ـ كشف الغمّة 3/ 9.
8ـ إثبات الوصية: 200.
9ـ تحف العقول: 408.
10ـ رياض المدح والرثاء: 566.