بقلم / مجاهد منعثر منشد
قبل ولاية زياد بن أبيه على الكوفة سنة 50 هـ كانت المدينة على هيئة نظام الاسباع ,ولكن غيرها زياد إلى نظام الارباع(1) , فأجرى تعديلاً على خطط القبائل ,فوصف ماسنيون أهل العالية مثلوا الربع الأول وأهل تميم وهمدان الربع الثاني وقبيلة ربيعة وكندة الربع الثالث وقبيلة مذجح وأسد الربع الرابع(2).
وقد أثر هذا التنظيم الرباعي على المدينة وصار جزءً منها وسمة لها فوصفت بانها مدينة مربعة برية بحرية(3).
ووفق التخطيط الهندسي لشوارع المدينة وازقتها ، سميت الشوارع العامة بالسكك , علما ان عرض السكة منها 50 ذراعاً وهذه السكة كانت تنار بواسطة المشاعل اثناء الليل.
واهم السكك في الكوفة هي سكة البريد وموقعها بين الجسر الذي كان في الجانب الشرقي من القصر وبين الكناسة وسكة دار الروميين بالقرب من قصر الامارة وسكة عميرة في منازل كندة(4).
بعد هذا المختصر لتخطيط مدينة الكوفة في القرن الأول الهجري , لابد من معرفة موقع منزل السيدة طوعة الكوفية من خلال ما تم ذكره في النصوص من المتون التاريخية في المصادر وكتب السير.
أن طوعة أمرأه من كندة يقع منزلها مع منازل سكة عميرة في أزقة الكوفة(5) , إذ يقول البلاذري : و لجأ الي دار من دور كندة (6).
ووفقنا لما تقدم في مقدمة الموضوع ,فأن كنده في الربع الثالث من نظام الارباع للمدينة.
وسنذكر فيما بعد النصوص التاريخية التي اشارت الى موقع الدار تحديدا حيث جاء بين ثنايا المتون بان دار السيدة طوعة مع دور بني جبلة من كندة .
قال الشاعر :
إن السفير سفير آل مــــــــحمد غدروا به جهرا بغير تحاشي
نقضوا العهود وأسلموه لحتفه غــــدرا وتلك سجية ألأوباش
لم يبق منهم من يرافق مسلما ليدله جنــــــح الظلام الغاشي
قبحا لـــــــقوم رأيهم متناقض جدعا لقوم عزمــــهم متلاشي
قد سار مسلم في ألأزقة وحده ماش على قدميه نعم الماشي
حتى تراءت دار طوعة أمها يسقي التراب بمدمع رشاش(7)
تختلف الروايات في خروج مسلم بن عقيل من الكوفة بعد مقتل هاني ,فمنهم من قال انه خرج الى الحيرة , والاكثرية منهم قالوا بقى في ازقة الكوفة , فعلى سبيل المثال جاء في مقتل ابو مخنف ,فقال: فلما سمع مسلم بن عقيل عليه السلام قتل هانئ رحمه الله، خرج من داره التي كان فيها يخترق الشوارع حتي خرج من الكوفة، و أتي الحيرة و جعل يدور فيها، حتي بلغ الي دار عالية البنيان، و فيها دهليز كبير، و امرأة جالسة علي باب الدهليز(8).
ويؤكد الطريحي قول ابو مخنف ,اذ يذكر ما صرح به الناقلون ,فقال: لما وصل خبر هانئ الي مسلم، خرج من الدار دار هانئ هاربا حتي انتهي الي الحيرة، فأضافته امرأة هناك بعد ما سألته عن حاله و قصته، فلما أدخلته الدار أكرمته(9).
وهنا نستبعد خروج سفير الامام الحسين (عليه السلام) من الكوفة الى الحيرة التي تبعد مسافة ثلاثة فراسخ عن المدينة. وذلك لان سكك المدينة في حينها اغلقتها السلطة الاموية , فلا تستطيع الناس الدخول والخروج منها.
اما الروايات التي تتفق على ان مسلم بن عقيل (عليه السلام) اخذ يتنقل بين ازقة الكوفة علماً أن الازقة هي فروع من الشوارع ,فمنها هذه النصوص :
ـ فنزل عن فرسه و مشي متلددا في أزقة الكوفة , و انتهي بابن عقيل السير الي دور بني جبلة من كندة(10).
ـ فاذا هو وحده لا يدري أين يذهب، حتي وصل الي دور بني جبلة، فتوقف علي باب امرأة اسمها: طوعة(11).
ـ فمضي في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، فانتهي الي باب امرأة من كندة يقال لها: طوعة(12).
وقال ابن شهر اشوب : فبقي في أزقة الكوفة متحيرا، فمشي حتي أتي الي باب امرأة يقال لها طوعة(13).
وفي نص للخوارزمي : و مضي في بعض أزقة الكوفة (14).
وذكر الطبرسي :فمضي علي وجهه متلددا في أزقة الكوفة(15).
اذن يتفق بعض الرواة على هذا النص : فمضي علي وجهه متلددا، في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، حتي خرج الي دور بني جبلة من كندة، فمشي حتي انتهي الي باب امرأة يقال لها: طوعة (16).
وبهذا يتضح لدينا بان سفير الامام الحسين (سلام الله عليه ) لم يخرج من الكوفة , فكان يتنقل بين ازقتها الى ان انتهى المطاف به الى دور بني جبلة من كنده ,ليحل ضيفاً على السيدة المجاهدة طوعة الكوفية ,فذلك الدار يقع في زقاق تابع لشارع يطل على سكة من سكك المدينة نفسها ,وكما ذكرنا بان قبيلة كنده في الربع الثالث من نظام الارباع , بمعنى ان الدار من وسط الكوفة الذي يسمى الميدان جنوباً الى جبانة كنده الى مسجد السكون وصولا الى حدود المنطقة جنوباً حيث نهر الحيرة في هذا الموقع بالضبط هو دار السيدة طوعة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر
(1)الطبري : تاريخ الرسل ، ج4 ، ص48.
(2)خطط الكوفة ,ص99.
(3)ابن الفقيه : مختصر البلدان ، ص 130-164.
(4)الزبيدي : الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة ، ص31.
(5)انظر ابن سعد , الحسين عليه السلام ,ص 66.
(6)البلاذري، جمل من أنساب الأشراف ج3,ص 423. وانظر تاريخ الطبري ج5ص39.
(7)عبدالواحد المظفر : سفير الحسين عليه السلام ص 88.
(8)مقتل أبي مخنف (المشهور),ص 33 – 31.
(9)الطريحي، المنتخب ج2,ص 426 - 425 .
(10)المقرم، مقتل الحسين عليه السلام، ص 183 - 182، 181, وانظر الجواهري، مثير الأحزان،ص 24. وكذلك قال المازندراني الدار في ازقة الكوفة ,انظر المازندراني، معالي السبطين،ج1,ص 233 - 234 .
(11)ابن نما، مثير الأحزان، ص 16 – 17.
(12)ابن الأثير، الكامل،ج3,ص 272 .
(13)ابن شهر آشوب، المناقب،ج4ص 93 .
(14)الخوارزمي، مقتل الحسين،ج1,ص 207 – 208
(15) الطبرسي، اعلام الوري، ص 228 – 227, وكذلك قول أبوعلي مسكويه، تجارب الأمم، ,ج2ص49ـ50.
(16) انظر المفيد، الارشاد،ج2ص 55 - 53 , المجلسي، البحار،ج44,ص 350 , البحراني، العوالم،ج17ص 200 - 199 , الدربندي، أسرار الشهادة، ص223ـ 224 , القمي، نفس المهموم، ص 106 - 107؛ مثله الفتال، روضة الواعظين، ص 150، الأمين، أعيان الشيعة،ج1ص 592 , لواعج الأشجان، ص 55 – 56, أبوالفرج، مقاتل الطالبيين، ص 67 – 68, المسعودي، مروج الذهب،ج3ص 67 , ابن أعثم، الفتوح،ج5ص 88 , الطبري، التاريخ،ج5ص 371 - 372 , المحمودي، العبرات،ج1ص 326 .