خواطر.. السفر من الحاضر إلى الذكريات

2022/07/04

بقلم : نجوى معروف// الراية

لمْ أعدْ مُرتبطةً بمواسمِ السفرِ المحصورةِ بإجازاتِ المدارسِ، فلقد تخطَّيتُ تلكَ المرحلةَ المزدحمةَ، بعد أن عشتُها بكاملِ مزاياها.

كُلما كبرْنا، لا نأبهُ بالمحاذيرِ التي يُلقيها علينا الآخرون، فتجاربُهم لا تعني الخبرةَ، بقدرِ ما تعكس شأنًا فرديًّا مرتبطًا بنوايا السفر ضمن خلفيتهم الثقافية والماديَّة والصحية.

فمن يسافر مع أطفالٍ فسيبحث عن بلدٍ سياحي آمن ومُهيأ بأماكن ترفيهية تناسب أعمارَهم، وسيستفسر عن جودة الطعام ومستوى النظافة وسهولة التنقل والطقس خلال الإجازة.

أمَّا الشباب من الأبناء، فعلى الأغلب سيحاولون التملُّص من الأهالي للخروج مع الرفاق لأماكن تناسب ميولهم وتُشبع فضولَهم، فالمتاحفُ والأماكنُ ذاتُ الطبيعة الخلَّابة مُمِلَّة برفقة الأهل، وهذا من واقع المرحلة العمريَّة بلا مجاملاتٍ، مرحلة بدء الابتعاد عن الأُطر الأسريَّة، وليس علينا إرهاق أنفسنا بفلسفة سنِّ المُراهقة، وافتعال الأزمات العائلية، لا للتقرُّب منهم، بل ليبقوا تحت أنظارنا، بينما يحاولون التواري وسَلك طُرقاتٍ خاليةٍ من رقابة الأهل والمجتمع، الذين لا ينفكُّون عن توقع الأسوأ ووصفهم بالجيل المدلل والمتهوِّر.

لقد مرَّ أغلبُنا بمراحل البحث عن الاستقلاليَّة واختيار الأزياء والمأكولات والخروج مع الأصدقاء خارج الأوقات المقبولة، وغيرها من الرغبات المختلفة عن رغبة الأهل، ولا يمكننا اعتبار ذلك الاختلاف أمرًا سلبيًّا.

الحقيقة أنَّنا كأهالٍ لم نكن مُهيَّئِين لتقبُّل نموِّ أبنائنا الجسدي والفكري، ولم ننتبه للضغط النفسي المُرهق بسبب تَغيُّر أسلوبنا في التعامل معهم، حيث يجد الشاب نفسه مُكلَّفًا ومُحاسبًا بكلمات مثل: أنت كبرت وعليك أن تتصرف كذا، ولم يعد مقبولًا منك أن تقول أو تفعل كذا، لا يعجبنا أصدقاؤك، نحن أعلم بمصلحتك، إلخ.

أحيانًا تكون المشكلة في اعتبار أبنائنا الشباب مصدر قلقٍ ومعاناة، بدلًا من الاستمتاع بصحبتهم وشكر الله على نموِّهم الطبيعي وطول أعمارهم.

ومع ازدياد عدد الإجازات عن ذي قبل، كثرت الأماكن السياحية والنوادي الترفيهية في دولة قطر، ولم يعد السفر يصنع فارقًا يُذكر سوى صيف، رغم أننا ننعم بالتكييف أينما كُنَّا، في الوقت الذي تقتصد فيه أو تخلو منه أغلب دول العالم.

وبعد أن وصلت لمرحلة السفر بدون أبنائي، أصبحت على إدراكٍ بأن الحُكم على السياحة يكون مبنيًّا على نفسية الشخص، فإن كان كثير التذمر والانتقاد، فلن تعجبه عجائب الدنيا السبع، لذا صرت أكثر حرصًا في اختيار الأماكن والرفاق، فاستثنيت المُتذمر والبخيل والمُبذر والفضولي والثرثار والمُتسلط، وهواة النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

الرحلات مُكلفة مهما قصرت، ومن حق المسافر الاستمتاع بكل درهم ينفقه وكل دقيقة يقضيها، حتى لو كان طموحه الجلوس في شُرفة مُطلّةٍ مع فنجان قهوة وكتاب، ففي رحلة ما، مرضت والدتي، واضطررت للبقاء معها في غرفة الفندق، لكن تعافيها كان سببًا في سعادتي، والإطلالة الخلَّابة كانت كفيلة بتعويضي عن الخروج.

كلٌّ يرى الدنيا بعين طبعه، فاعرف مُرادك وحدد ما يُلائمك، ولا تُجبر نفسك إلَّا على أهل بيتك، فالأسرة التزام دائم، وذكريات من الرضا في وسائد الكهولة، حاول أن تجعلها نَقيَّة من الندم.

أخترنا لك
رئيسة تايوان ترفض الخضوع للحكم الصيني.. وبكين: لن نتسامح إطلاقاً مع الانفصال

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة