بقلم / ولاء إبراهيم . لبنان
انحنى على طفله الذي كان وحده دون أخويه ، يستطيع التمسك به قبل رحيله كل مرة.حمله وطبع على جبينه قبلة .وفي اذنيه وعدا بالعودة.
اعاده الى امه التي عانقته بدورها وامتثلت لطلبه ، العودة الى الداخل .ومضى.
احس بحرارة عينيها ، تلفحان قامته المسرعة الخطى ، التفت اليها دون إرادة ، لمحها عن البعد الصحراوي الذي وصله ، تمسح دمعتين وربما اكثر ، فهي ما ان رأته يلمحها ، لوحت له بيد صغيرها فوق زندها واسدلت ستارة النافذة ، تاركة خطاه تتابعان سيرهما باتجاهه ، عالمة انه يقاوم رغبة خطاه ان تعيده اليها....
وما إن مشى خطوات جديدة ، راى جاره الذي بادره بعناق مشتاق حار، وبعد ان أخبره بوجهته أوصاه بوالديه المسنين ..أطفاله الثلاثة الذين يعجزون عن القيام لوداعه ما خلا اصغرهم ، اطلق جاره سراحه من بين ذراعيه داعيا له بسلامة العودة ، معاهدا اياه على رعاية والديه وصغاره ...إنِ اصطفاه الله لركب سيد الشهداء وتعانقا لمرة ثانية واخيرة ومضى كل منهما في اتجاه مغاير ، لكنه يصب كإتجاه الاخر في نصرة العراق الغالي واهله ...
أبعدته الطريق بعد منعطف واحد عن نافذة منزله ، وبعد منعطفين تقريبا ، غضَّ بصره عندما لمح اما في مثل عمر زوجته تحمل طفلا في مثل عمر طفله ، وتمسح -كما فعلت زوجته -دموعها...فتساءل :أتراها مثل زوجتي اما لثلاثة اطفال واحد فقط يستطيع اللحاق بأبيه لوداعه ؟أتراها زوجة لرجل مثلي، لم يتجاهل فتوى الجهاد الكفائي فامتثل لها حرصا على عرضها واعراض سائر زوجات عراق الخير والحب والشهادة وسائر بناته ؟
اوقف سؤاله عند هذي الحدود ، واستقلَّ فور وصوله الحافلة التي كانت تنتظره لتقله الى ميدان المعركة الدائرة منذ اكثر من اسبوع خلف تلك الصحراء المترامية الأطراف بين سامراء وضواحيها..
وبعد شهر واحد فقط ، شهدته هذي الدرب نفسها ، يعود الى اولاده الثلاثة ، الذين كان اثنين منهم عاجزين عن استقباله ، وحده الذي ودعه قفز عن ذراعي امه جازعا ،رافضا ذراع جارهم الذي لم ينسَ وصية الجار المجاهد، وجاء يشارك في واجب العزاء فور سماعه باستشهاده.
واتجه الصغير نحو الرفاق الذين جاؤوا به على اكتافهم شهيدا ،وقد لمحوا من لمحها منذ شهر ، تحمل خلف النافذة طفلها وتنتظر ....عودة ابيه ...
تحية لكل شهيد عراقي لاقى وجه الله شهيدا ، تاركا خلفه اطفالا مرضى ولكنهم في رعاية الله.
