بِقَلَمِ / مُجَاهِدَ منعثر مُنْشِدٌ
لِعُمَرِيٍّ إِنَّ فَاجِعَةَ البقيع** يُشَيِّبُ لِهَوْلِهَا
فُؤَادَ الرَّضيعِ
وَسَوْفَ تَكُونُ فَاتِحَةُ الرَّزَايَا** إِذَا لَمْ يُصْحَ مِنْ
هَذَا الْهُجُوعِ
أَمَّا مِنْ مُسْلِمِ لله يَرْعَى** حُقوقَ نَبِيِّهِ الْهَادِّيِّ
الشَّفِيعِ..
قَالَ تَعَالَى: ٌ وَاِتَّخَذُوا مِنْ مَقَامِ إبراهيم
مُصَلَّى..
وَقَالَ عزوجل: ُ اِبْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا…قَالَ الَّذِينَ
غَلَّبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم
مَسْجِدًا..
وَوَرْدٌ فِي زِيَارَةِ الْإمَامِ الْحِسَّيْنِ( عَلَيْهِ
السُّلَّامَ):( وَفِي قَلْبِ مَنْ يَهْوَاكَ قَبْرُكَ).
احاديث شَرِيفَةَ كثيرة وَرَدَّتْ فِي فَضْلِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ
وَالتَّبَرُّكِ بأولياء اللهَ تَعَالَى, فَمِنْهَا: ٌ
ٌ مِنْ أَتَى قَبْرَ أَخِيهُ ثُمَّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى الْقَبْرِ
وَقَرَأَ( إِنَا أَنْزَلْنَاهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَمِنْ يَوْمِ
الْفَزَعِ الْأكْبَرِ)
ٌ، وَإِذَا ضَاقَتْ بِكَمِ الصُّدُورِ فَعَلَيْكُمْ بِزِيَارَةِ
الْقُبُورِ.
ُ جَاوَرَ الْقُبُورُ تَعَتبرْ…
وَفِي إِطَارِ( مَنْدُوبِيَّةَ التَّبَرُّكِ) عَنْ عُرْوَةِ بْن
مَسْعُودٍ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَّةِ قَالَ: وَاللهُ مَا تنخم
رَسُولَ اللهِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله) نُخَامَةً إِلَّا
وَقَعَتْ فِي كَفَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ.فَدَلْكٌ بِهَا وَجْهِهِ
وَجِلْدِهِ إِنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى
وَضَوِّئْهُ).
وَفِي حَديثِ اِبْنِ حَنْبَلٍ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا عَنْ
تَعْلِيمِ الرَّسُولِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله) لِلرَّجُلِ
الضَّرِيرِ الدُّعَاءَ الْمَشْهُورَ، فَقَدْ أَمُرْهُ أَنَّ
يَتَوَضَّأُ وَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيَدْعُو بِهَذَا
الدُّعَاءِ:
( اللَّهُمُّ إنْي أَسَالِكٌ وَأُتَوِّجُهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ
مُحَمَّدَ نَبِيَّ الرَّحْمَةِ، يَا مُحَمَّدَ، إنْي تَوَجَّهَتْ
بِكَ إِلَى رَبِّيٍّ فِي حَاجَتِي لِتُقْضَى لِي.
اللَّهُمُّ شَفْعِهِ فِي..)
البقيع أَرْضَ مُقَدَّسَةً، وَأَرْضَ مُشْرِفَةً، وَتُرْبَةَ
مُعْظَمَةٍ بَلْ هِي قَطْعَةٌ مِنَ الْجَنَّةِ لِأَنَّهَا تَضُمُّ
فِي طَيَّاتِهَا أَبُدَّانُ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ وَأَجْسَادِ
جَمْعٍ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ.
وَصَفُّ البقيع عَوِّنَّ بْن هَاشِمٍ، حِينَ هَجَمَ
الْوَهَّابِيُّونَ عَلَى الطَّائِفِ بِقَوْلِهِ:( رَأَيْتُ الدَّمَ
فِيهَا يُجْرِي كَالْنَّهْرِ بَيْنَ النَّخِيلِ، وَبَقِيَتْ
سِنَّتَيْنِ عَنْدَمًا أَرَى الْمَاءَ الْجَارِيَةَ أَظَنَّهَا
وَاللهَ حَمْرَاءَ)..
وَوَصْفُ البقيع الرَّحَّالَةَ السُّوِيسْرِيَّ( لُوِيسَ بورخات)
بِقَوْلِهِ:( هِي عِبَارَةٌ عَنْ مُرَبَّعِ كَبِيرِ تَبَلُّغِ
سَعَتِهِ مئات مِنَ الْخَطْوَاتِ، مُحَاطٌ بِجِدَارِ يَتَّصِلُ مِنَ
الْجِهَةِ الْجَنُوبِيَّةِ بِضَاحِيَةِ الْبَلَدَةِ، وَبَسَاتِينَ
النَّخِيلِ الْأُخْرَى.
وَتَبَدَّوْا الْمُقْبِرَةَ حَقِيرَةُ جِدًّا لَا تَلِيق
بِقُدْسِيَّةِ الشَّخْصِيَّاتِ الْمَدْفُونَةِ فِيهَا.
وَقَدْ تَكُونُ أَقَذَرٌ وَأَتْعَسُ مِنْ أية مَقْبَرَةَ
مَوْجُودَةَ فِي الْمُدُنِ الشَّرْقِيَّةِ الْأُخْرَى الَّتِي
تُضَاهِي الْمَدِينَةُ الْمُنَوَّرَةُ فِي حَجْمِهَا، فَهِي
تَخْلُوَا مِنْ أَيِّ قَبْرِ مُشِيدِ تَشْيِيدًا مُنَاسِبًا،
وَتُنْشِرُ الْقُبُورُ فِيهَا وَهِي أَكْوَامُ غَيْرِ مُنْتَظِمَةٍ
مِنَ التُّرَابِ يَحُدُّ كُلُّ مِنْهَا عَدَدٌ مِنَ الْأَحْجَارِ
الْمَوْضُوعَةِ فَوْقَهَا(..) وَقَدْ خَرَّبَ الْوَهَّابِيُّونَ
قُبُورَهُمْ وَعَبِثُوا بِهَا)
نَعُودُ إِلَى الْآيَةِ الْمُبَارَكَةِ..
قَالَ تَعَالَى: ُ( قَالَ الَّذِينَ غَلَّبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ
لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَسْجِدًا)
أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ يُعْظِمُ الْمُؤْمِنَيْنِ
وَيُكَرِّمُهُمْ بِالْبِنَاءِ عَلَى قُبُورِهِمْ ٌ حَيْثُ كَانَ
هَذَا الْأَمْرُ شَائِعًا بَيْنَ الْأُمَمِ الَّتِي سَبَّقَتْ
ظُهورُ الْإِسْلَامِ ٌ فَيُحْدِثُنَا الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْ
أهْلِ الْكَهْفِ حينما اِكْتَشَفَ أَمْرُهُمْ ٌ بَعْدَ
ثَلَاثِمِائَةٍ وَتِسْعِ سِنَّيْنِ ٌ بَعْدَ اِنْتِشَارِ
التَّوْحِيدِ وَتَغَلُّبِهِ عَلَى الْكَفْرِ.
وَمَعَ ذَلِكَ نَرَى اِنْقِسَامَ النَّاسِ إِلَى قِسْمَيْنِ: قَسْمٌ
يَقُولُ:( اِبْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا) تَخْلِيدًا
لِذَكَّرَاهُمْ ٌ وَهَؤُلَاءِ هُمِ الْكَافِرُونَ ٌ بَيْنَمَا نَرَى
الْمُؤْمِنَيْنِ ٌ الَّتِي اِنْتَصَرَتْ إِرَادَتُهُمْ فِيمَا
بَعْدَ ِ يَدْعُوَنَّ إِلَى بِنَاءِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْكَهْفِ،
كَيْ يَكُونَ مَرْكَزًا لِعِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى، بِجِوَارِ
قُبُورِ أُولَئِكَ الَّذِينَ رَفَضُوا عِبَادَةَ غَيْرِ اللهِ.
أَنَّ سَيْرَةَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحَّدِينَ فِي الْعَالَمِ
كُلَّهُ كَانَتْ جَارِيَةٌ عَلَى الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ،
وَكَانَ يُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ نَوْعًا مِنَ التَّقْديرِ لِصَاحِبِ
الْقَبْرِ، وَتَبَرُّكًا بِهِ لَمَّا لَهُ مِنْ مَنْزِلَةٍ
عَظِيمَةٍ عِنْدَ اللهِ، وَلِذَلِكَ بُنِيَ الْمَسْجِدُ
وَأَصْبَحَتْ قُبُورُ أَصْحَابُ الْكَهْفِ مَرْكَزًا لِلتَّعْظِيمِ
وَالْاِحْتِرَامِ.
وَدَأَبَتِ الْأُمَمُ عَلَى تَقْديسِ عظمَائِهَا وَمَصْلَحِيَّهَا،
وَكُلَّ مَنْ وَضْعِ نَفْسِهِ فِي خِدْمَةِ كِيَانِهَا
وَهُوِيَّتِهَا بَلْ مَنْ شَكْلِ هُوِيَّتِهَا وَحَضَاَرتِهَا..
يُرَافِقُ هَذَا التَّقْديسِ مِنْ إِفْرَازَاتٍ أَيْنَعَتْ
ثِمَارُهَا فِي تَشَكُّلِ شَخْصِيَّاتٍ، حَاوَلَتْ أَنَّ تَكَمُّلَ
الطَّرِيقِ مِنْ مُنْطَلَقِ التَّأَثُّرِ وَالتَّأْثِيرِ، بِمَا
يُؤَصِّلُهُ مُعَرَّفِيًّا، عُلَمَاءَ الْاِجْتِمَاعِ( سِيَمًا
الْاِجْتِمَاعَ التَّارِيخِيَّ) وَعِلْمَ الانثربولوجيا
الْاِجْتِمَاعِيَّةَ وَالسِّيَاسِيَّةَ أَوْ سُلُوكٌ وَطَبَائِعُ
الْبَشَرِ، مِنْ وُجُودِ حَالَةٍ تُوَجِّهُ لَا شُعُورِيُّ
تَتَرَكَّزُ فِي كِيَانِ الْفَرْدِ وَمُجْتَمَعِهِ نَحْوَ مِثْلُ
أسْمَى وَالتَّشَبُّهُ بِهِ، لِذَا تَكُونُ قَضِيَّةُ التَّوَاصُلِ
مَعَ هَذَا الْمِثْلِ َ ضَرُورَةٌ فِي اِسْتِمْرَارِ التَّشَكُّلِ
الْحَضَاَرِيِّ وَدَيْمومَةِ دَوْرَتِهَا َ قِرَاءةٌ لِأَفْكَارِهِ،
لِسَيَّرَتْهُ، وَاِسْتِذْكَارَهُ..
وَزِيَارَةٌ كُلَّ مَا يُذَكِّرُ بِهِ، الْأَمْرَ الَّذِي يُوَفِّرُ
لَهُ الانشداد إِلَى الْأُسُسِ وَالْمُنْطَلَقَاتِ الَّتِي سَارُّ
عَلَيْهَا ذَلِكَ الْمِثْلِ الْأسْمَى بُغْيَةَ تَدْشِينِهَا
وَتَكْميلِهَا.
أَيْنَ كَانَ عُلَمَاءُ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ عَنْ مَنْعِ
الْبِنَاءِ عَلَى الْقُبُورِ ؟ وَوُجُوبَ هَدْمِهِ قَبْلَ هَذَا
التَّارِيخِ؟!
وَلِمَاذَا كَانُوا سَاكِتَيْنِ عَنِ الْبِنَاءِ طِيلَةَ هَذِهِ
الْقُرُونِ ؟! مِنْ صَدْرِ الْإِسْلَامِ، وَمَا قَبْلَ
الْإِسْلَامِ، وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا ! أَلَمْ تَكُنْ قُبُورُ
الشُّهَدَاءِ وَالصَّحَابَةِ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا ؟ أَلَمْ تَكُنْ
هَذِهِ الْأَمَاكِنِ مَزَارَاتٍ تَارِيخِيَّةٍ مُوَثَّقَةٍ
لِأَصْحَابِهَا ; مِثْلُ مَكَانٍ: مَوْلِدُ النَّبِيِّ( صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله)، وَمَوْلِدَ فَاطِمَةَ( عَلَيْهَا
السُّلَّامَ)، وَقَبْرَ حَوَّاءِ أُمِّ الْبَشَرِ وَالْقُبَّةِ
الَّتِي عَلَيْهِ، أَيْنَ قَبْرِ حَوَّاءِ الْيَوْمِ ؟ أَلَمْ
يَكُنْ وُجُودُهُ تُحْفَةَ نَادِرَةٍ ؟ يُدْلِ عَلَى مَوْضِعِ
مَوْتِ أَوَّلَ اِمْرَأَةٍ فِي الْبَشَرِيَّةِ ؟ أَيْنَ مَسْجِدِ
حَمْزَةٍ فِي الْمَدِينَةِ ؟ وَمَزَارَهُ الَّذِي كَانَ ؟ أَيْنَ…؟
وَأَيْنَ…؟
فِي الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ هُنَالِكَ بُقْعَةِ شَرِيفَةِ
طَاهِرَةِ هِي البقيع.
وَقُرْبُ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ وَمَرْقَدِ
الرَّسُولِ الْأعْظَمِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله).
وَفِيهَا مَرَاقِدَ الْأئِمَّةِ الْأَرْبَعَةَ الْمَعْصُومِينَ مِنْ
أهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ( عَلَيْهُمِ السُّلَّامَ)
عَلَيْهَا قُبَبٌ وَأَضْرِحَةٌ وَمَعَالِمُ تَدَلٍّ عَلَى
قُدُسِيَّتِهِمْ.
وَقَدْ كَانَتْ عَلَى هَذِهِ الْقُبُورِ قِبَابٌ وَبِنَاءٌ، وَكَانَ
لَهَا صَحْنٌ وَحَرَمٌ، فَكَانَتْ عَظِيمَةً فِي أَعْيُنِ النَّاسِ،
شَامِخَةً فِي قَلُوبُ الْمُسْلِمِينَ…
مَحْفُوظَةُ حُرْمَتِهَا وَكَرَامَتِهَا، وَكَانَ النَّاسُ
يَتَوَافَدُونَ عَلَى هَذِهِ الْبُقْعَةِ الْمُقَدَّسَةِ
لِزِيَارَةِ الْمَدْفُونِينَ فِيهَا ُ عَمِلَا بِالسَّنَةِ
الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ استحباب زِيَارَةَ الْقُبُورِ وَخَاصَّةِ
قُبُورِ ذَرِّيَّةِ رَسُولِ اللهِ وَأَوْلِيَاءِ اللهِ
تَعَالَى.
الْوَهَّابِيُّونَ وَكَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ قَدْ وَرِثُوا الْحِقْدَ
الدَّفِينَ ضِدَّ الْحَضَاَرةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مِنَ اسلافهم
الطُّغَاةَ وَالْخَوَارِجَ الْجُهَلَاءَ فَكَانُوا الْمِثَالَ
الصَّادِقَ لِلْجَهْلِ وَالظُّلْمِ وَالْفَسَادِ فَقَامُوا
بِتَهْدِيمِ قُبُورِ بَقِيع الْغَرْقَدِ مَرَّتَيْنِ:
الْأوْلَى عَامُّ 1220ه كَانَتِ الْجَرِيمَةُ الَّتِي لاتنسى،
عِنْدَ قِيَامِ الدَّوْلَةِ السُّعُودِيَّةِ الْأوْلَى حَيْثُ قَامَ
آلَ سُعُودٌ بِأَوَّلِ هَدْمِ للبقيع وَذَلِكَ عَامِ 1220 ه
وَعَنْدَمًا سَقَطَتِ الدَّوْلَةُ عَلَى يَدِ الْعُثْمَانِيَّيْنِ
أَعَادَ الْمُسْلِمُونَ بِنَاءَهَا عَلَى أَحَسَنَ هَيْئَةٍ مِنْ
تَبَرُّعَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَبَنَيْتُ الْقُبَبَ وَالْمَسَاجِدَ
بِشَكْلِ فَنِّي رَائِعَ حَيْثُ عَادَتْ هَذِهِ الْقُبُورِ
الْمُقَدَّسَةِ مَحَطَّ رِحَالِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أَْنْ وَلَّى
خَطُّ الْوَهَّابِيِّينَ لُحِينَ مِنَ الْوَقْتِ.
الثاني: عَامُ 1344هـ , اِسْتَوْلَى آلَ سُعُودٌ عَلَى مَكَّةِ
الْمُكَرَّمَةِ وَالْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَضَوَاحِيِهِمَا
عَامَ 1344 هـ، وَقَامُوا فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ مِنْ شَوَّالٍ
بِهَدْمِ قُبُورِ أئِمَّةِ البقيع( عَلَيْهُمِ السُّلَّامَ) وَهُي
قبور : ٌ
• الْإمَامَ الْحَسَنَ المجتبى اِبْنَ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ.
• وَالْإمَامُ عُلِيَ بْن الْحِسَّيْنِ زَيَّنَ الْعَابِدَيْنِ.
• وَالْإمَامُ مُحَمَّدَ الْبَاقِرِ اِبْنَهُ.
• وَالْإمَامُ جَعْفَرَ الصَّادِقِ اِبْنَ الْإمَامِ الْبَاقِرِ(
عَلَيْهُمِ السُّلَّامَ).
وَبَعْدَ اِسْتِفْتَاءً عُلَمَاءَ الْمَدِينَةِ بَيْدَ قَاضِي
قُضَاةَ الْوَهَّابِيَّيْنِ سَلِيمَانِ بْن بليهد( لَعْنَةَ اللهِ
عَلَيْهِ) التَّهْدِيدَ وَالتَّرْهِيبَ وَقَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
جَوَابِ نُوِّهَ عَنْهُ فِي الْاِسْتِفْتَاءِ بِحُرْمَةِ الْبِنَاءِ
عَلَى الْقُبُورِ، تَأْيِيدًا لِرَأْي الْجَمَاعَةِ الَّتِي
كَتَبَتِ الْاِسْتِفْتَاءُ.
فَنَشَّرَتْ جَرِيدَةٌ أَمِ الْقُرَى بِعَدَدِهَا 69 فِي 17 /
شَوَّالَ 1344 ه نَصَّ الْاِسْتِفْتَاءِ وَجَوَابِهِ ٌ وَكَأَنَّ
الْجَوَابَ قَدْ أَعُدْ تَأْكِيدًا عَلَى تَهْدِيمِ الْقُبُورِ.
وَاِعْتَبَرَتِ الْحُكُومَةُ السُّعُودِيَّةُ ذَلِكَ مُبَرِّرَا
مَشْرُوعَا لِهَدْمِ قُبُورِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
لِيُقَدِّمُوا إهَانَةً لَهُمْ وَلََآلَ الرَّسُولُ( صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وآله).
فَتَسَارَعَتْ قُوَى الشَّرَكِ وَالْوَهَّابِيَّةِ إِلَى هَدْمِ
قُبُورِ آلَ الرَّسُولُ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله) فِي
الثَّامِنِ مِنْ شَوَّالٍ مِنْ نَفْسُ السَّنَةِ ٌ أَيَّ عَامِ 1344
ه ٌ فَهَدَّمُوا قُبُورَ الْأئِمَّةِ الْأَطْهَارِ وَالصَّحَابَةِ
فِي البقيع، وَسَوُّوهَا بِالْأرْضِ، وَشَوَّهُوا مَحَاسِنَهَا،
وَتَرْكُوهَا مَعْرِضَا لِوُطِّئَ الْأَقْدَامَ، وَدَوَّسَ
الْكُلَّابُ وَالدَّوَابُّ..
وَكَانَ مِمَّنْ قَتْلٍ فِي هَذِهِ الْهَجْمَةِ التَّارِيخِيَّةِ
الْمَشْهُورَةِ الَّتِي تَدَلٍّ عَلَى هَمَجِيَّتِهَا عَلَى
الْبُعْدِ الْبَعيدِ لِلْوَهَّابِيَّةِ عَنِ الْإِسْلَامِ
وَوَجْهِهِمِ الْمُزْرِي وَالْمُشَوَّهِ لِلْإِسْلَامِ َ الشَّيْخُ
الزَّوَاوِيِّ مفتِي الشَّافِعِيَّةَ وَجَمَاعَةً مِنْ بُنِّيِّ
شَيْبَةٍ( سِدْنَةَ الْكَعْبَةِ)…
وَكَانُوا قَدَّ بدأوا فِي تَهْدِيمِ الْمُشَاهِدِ وَالْقُبُورِ
وَالْآثَارِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي مَكَّةٍ وَالْمَدِينَةِ
وَغَيْرِهِمَا..
فَفِي مَكَّةِ دُمِّرَتْ مَقْبَرَةُ الْمُعَلَّى، وَالْبَيْتَ
الَّذِي وَلَدٍ فِيهِ الرَّسُولَ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله).
كَمَا قَامُوا بِفِعْلَةِ شَنِيعَةِ فِي سِنَّةٍ 1216ه( 1801م)
بِالْاِعْتِدَاءِ عَلَى مُبَانِيِّ مَدِينَةِ كَرْبَلَاءٍ،
فَهَدَّمُوا الْمَسَاجِدَ وَالْأَسْوَاقَ، وَالْكَثِيرَ مِنَ
الْبُيُوتِ التُّرَاثِيَّةِ الْمُحِيطَةَ بِالْمَرْقَدَيْنِ
وَعَبِثُوا بِالْمَرَاقِدِ الْمُقَدَّسَةِ وَهَدَّمُوا سُورٍ
الْمَدِينَةِ .
كَمَا أَنَّهُمْ أَرَادُوا هَدْمَ قُبَّةِ الرَّسُولِ الْأكْرَمِ(
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) لَكِنَّ تَظَاهُرَ
الْمُسْلِمُونَ فِي الْهِنْدِ وَمِصْرٍ وَلَعَلَّ غَيْرَهُمَا
أَيْضًا، أَوَقَفَهُمْ عَنْ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ مَعْرُوفَةِ، وَهُمْ
يَحِنُّونَ إِلَى ذَلِكَ إِلَى الْآنَ، حَتَّى أَنَّ عَالَمَهُمْ(
بْن بَازِ) لَا يَزُورُ مَسْجِدُ الرَّسُولِ قَائِلًا: مَا دَامٍ
هَذَا الصَّنَمِ( أَيَّ قُبَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وآله وَسَلَّمَ) هُنَاكَ لَا أَزُورُهُ، لَكِنَّ الزَّمَانَ مَرَّ
عَلِيُّهُ وَلَا يَأْبَهُ بِكَلَاَمِهِ أَحَدٌّ.
كَانَ البقيع قَبْلَ هَدْمِهِ هَكَذَا:
الْأئِمَّةُ الْأَرْبَعَةَ( عَلَيْهُمِ السُّلَّامَ) فِي قُبَّةٍ،
وَتُزَارُ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءِ( سُلَّامَ اللهِ عَلَيْهَا) فِي
بُقْعَتِهِمْ حَيْثُ مِنَ الْمُحْتَمَلِ أَنَّهَا دَفَنَتْ هُنَاكَ،
وَإِنْ كُنْتُ أَنَا رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ رَسُولَ اللهِ( صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) وَاقِفًا فِي قَبْرِهِ
الشَّرِيفِ..
وَقَالٌ لِي وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى مَا بَيْنَ قَبْرِهِ
وَمِنْبَرِهِ: أَنَّ قَبْرَ فَاطِمَةَ اِبْنَتِي( سُلَّامَ اللهِ
عَلَيْهَا) هُنَاكَ، وَاللهَ الْعَالَمِ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ.
كَمَا يَحْتَمِلُ أَنَّهَا( عَلَيْهَا السُّلَّامَ) دَفَنَتْ فِي
بَيْتِهَا، وَلَعَلَّ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ( عَلَيْهِ السُّلَّامَ)
حَمَلَ صُورَةُ جَنَازَةٍ إِلَى عِدَّةِ أَمَاكِنِ، كَمَا حَمَلَ
الْإمَامُ الْحَسَنُ( عَلَيْهِ السُّلَّامَ) صُورَةَ جَنَازَةِ
الْإمَامِ أَميرِ الْمُؤْمِنِينَ( عَلَيْهِ السُّلَّامَ) إِلَى
الْبَصَرَةِ.
وَمِنْ هنا11 لَا بَأسٌ بِزِيَارَةِ الصَّدِيقَةِ الطَّاهِرَةِ(
سُلَّامَ اللهِ عَلَيْهَا) فِي البقيع، وَفِي الْمَسْجِدِ، وَفِي
بَيْتِهَا وَذَلِكَ لِخَفَاءِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ، وَسَيَظْهَرُ
انَّ شَاءَ اللهُ تَعَالَى عِنْدَ ظُهورِ وَلَدِهَا الْإمَامَ
الْمَهْدِيَّ( عَجَلَ اللهِ تَعَالَى فَرَجُهُ الشَّرِيفُ) وَإِنْ
كَانَ مِنَ الْمُحْتَمَلِ إِخْفَاءَ قَبْرِهَا( سُلَّامَ اللهِ
عَلَيْهَا) إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِيَبْقَى سَنَدَا عَلَى
مَظْلُومِيَّتِهَا طُولَ التَّارِيخِ.
وَكَانَ فِي نَفْسُ تِلْكَ الْقُبَّةِ مَدْفِنَ الْعَبَّاسِ عَمَّ
النَّبِيَّ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ).
وَكَانَتْ خَارِجُ الْقُبَّةِ بِفَاصِلَةِ قَلِيلَةِ قُبَّةٌ
مَبْنِيَّةٌ عَلَى بَيْتِ الْأحْزَانِ، حَيْثُ كَانَتِ
الزَّهْرَاءُ( سُلَّامَ اللهِ عَلَيْهَا) تُخْرِجُ إِلَى ذَلِكَ
الْمَكَانِ وَتَبْكِي عَلَى أَبِيهَا.
وَكَانَتْ تَشْتَمِلُ مَقْبَرَةُ البقيع عَلَى قِبَابِ كَثِيرَةِ،
مِثْلُ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ وَأَوْلَاَدِهِ وَبُنَّاتِهِ
وَمُرْضِعَتِهِ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ) حَلِيمَةَ
السَّعْدِيَّةِ، وَكَانَتْ هُنَاكَ قُبَّةِ فَاطِمَةِ بِنْتِ
أَسَدِ( سُلَّامَ اللهِ عَلَيْهَا) وَالِدَةَ الْإمَامِ أَميرِ
الْمُؤْمِنِينَ( عَلَيْهِ السُّلَّامَ)، وَقُبَّةً أَمِ
الْبُنَّيْنِ( سُلَّامَ اللهِ عَلَيْهَا) زَوْجَةَ الْإمَامِ أَميرِ
الْمُؤْمِنِينَ( عَلَيْهِ السُّلَّامَ) وَقَبَتْهَا قُرْبُ قُبَّةِ
عَمَّاتِ النَّبِيِّ( صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ)،
وَكَانَتْ أَيْضًا قُبَّةِ جَابِرِ بْن عَبْدِ اللهِ
الْأَنْصَارِيِّ، وَغَيْرَهُمْ مِمَّا هُوَ مَذْكُورٌ فِي
التَّارِيخِ.
لِمَنِ الْقُبُورِ الدَّارِسَاتِ بِطَيِّبَةٍ** عَفَتْ لَهَا أهْلُ
الشَّقَا آثَارًا
قُلْ لِلَذِّيٍّ أَفْتَى بِهَدْمِ قُبُورِهِمْ** أَنَّ سَوْفَ
تُصَلَّى فِي الْقِيَامَةِ نَارَا
أَعَلِمْتَ أَيَّ مَرَاقِدِ هَدْمَتِهَا** هِي لِلْمَلَاَئِكِ لَا
تُزَالُ مَزَارًا.