بقلم / روضة عمران القبيسي
أعزائي القراء.. مع مرورنا بشهر رمضان الكريم، نجد أن القرآن يتجلى بحواسنا وأفئدتنا لمعالم روحانية، تبحر بنا وببصيرتنا نحو آفاق ومدارك لغوية، جوهر جماليتها تكمن في الوحدات الصوتية المكونة من حركات وصوامت، تنتظم فيما بينها لتؤلف وحدات كبرى، وأصواتًا بسيطة مفردة تعبر عن الوحدة الدنيا في بناء اللغة، والوحدة التي تلي الأصوات البسيطة من المقطع والتي هي من أهم الوحدات اللغوية.
لقد اختلفَ العلماء على تحديد مفهوم المقطع، حتى إن بعض العلماء وصفوا المقطع بأنه (مجرد اصطلاح ليس له حقيقة موضوعية في المطلق) وهذا لأنه يرجع إلى اختلاف العلماء في تحديد مفهوم المقطع فمنهم من ينظر إلى مفهوم المقطع من عدة نواحٍ (مادية، ونطقية، ووظيفية) ويرجع ذلك إلى طبيعة الأجهزة المستعملة، التي لا تمكّن علماء الأصوات من تعيين حدود المقاطع على الخطوط البيانية، ولهذا تم تعريف المقطع من ناحية مادية على أنه (المسافة بين الحدين الأذنيين للإسماع)، ومن ناحية نطقية تم التعبير عنها على أنه (الفترة الفاصلة بين عمليتين من عمليات إغلاق جهاز التصويت سواء كان الإغلاق كاملًا أو جزئيًا)، ومن تبنى تعريف المقطع من ناحية نطقية، فإنه لا يمكن وضع تحديد عالمي للمقطع ولذلك سيصطدم هذا الأسلوب بأسلوب التركيب المقطعي لكل لغة، لأن من الناحية الوظيفية تم تعريف اللغة على أنها (الوحدة الأساسية التي يؤدي الصوت المتحرك وظيفة داخلية معبرة عن المفهوم الحركي للجسد).
كما أن براجماتية اللغة، عبرت كمصطلح يرمز إلى نزوع اللغة إلى التغيّر تبعًا لما تُمليه قوانين التطور المختلفة التي يبدو التناقض واضحًا في عمل بعضها، حيث من الممكن أن نجد قانونًا من هذه القوانين يتدخل بصورة فاعلة في مظهر من المظاهر التي تشكل الظاهرة اللغوية، ومن الممكن أن يعمم أثر هذا القانون على أنماط أخرى تكون بعيدة عن عمله رغبة من اللغة في توحيد علاماتها، وفي نفس الوقت، قد نجد قانونًا آخر يعمل في الاتجاه المعاكس لأثر هذا القانون، فيؤدي إلى نشوء ظاهرة أخرى بعيدة عن أثر القانون السابق وربما كانت ناقضة لأثره تمامًا، حيث نجد من الأمثلة الحية التي يمكن أن نسوقها على هذه البراجماتية (الذرائعية) من صوت عسير النطق، يحمّل الجهاز الصوتي أعباء هو غير قادر على حملها، مدعاة إلى إسقاط هذا الصوت، ما دفع بقانون السهولة والتيسير إلى التدخل، ومع هذا الأثر الذي سببه قانون السهولة والتيسير، قانون آخر يسير بعكس اتجاه قانون السهولة والتيسير السابق، ونعني به هنا قانون التمدّن، أو ما يمكن أن يطلق عليه قانون التجميل اللغوي الاجتماعي، حيث إن نطق القاف بصورها المختلفة (القاف المهموسة والمجهورة والنطق القريب من الجيم) أصبح علمًا معروفًا لشرائح المجتمع ومكوناتهم الثقافية، المعبرة عن شرائح البدو وسكان المناطق المختلفة في الرقعة الجغرافية.
وفي الختام: تحمل اللغة مقاصد ومآرب عدة، معقدة بتعقيد المنطق والإيدلوجية التاريخية التي تعبر عن الشعوب وثقافتها الإنسانة وإرثها الحضاري، وهذا ما نجده بارزًا في القوانين التي تُسير حياتنا، والتي من الممكن أن تكون صادمة للمنظومة الاجتماعية التي تمثل تاريخنا الإنساني، ومراحل تطوره المعرفي، وتجعله فريسة سهلة لعملية التطبيع العالمي، الذي يهدف إلى زرع الإرهاب اللغوي في الخطاب الموجّه.
خبير التنمية البشرية