فيض الخاطر.. المسرح في يومه العالمي

2022/03/21

بقلم : د.كلثم جبر الكواري

يقال إن المسرح هو أبو الفنون حيث يتوفر فيه السرد والشعر، والغناء والموسيقى، والتشكيل والإعمار، وغيرها من الفنون البصرية والسمعية، وقد اهتمت به شعوب العالم من قديم الزمان، وبرزت أعماله التي تحوّل بعضها إلى السينما ليثريَها كمصدر من مصادر ازدهارها الفني والاقتصادي، كما برزت مسرحيات خالدة كتبها عمالقة ما زالت أسماؤهم محفورة في ذاكرة المسرح العالمي، وما زالت أعمالهم تدرّس على المستوى الأكاديمي في كل جامعات العالم وكلياته المتخصصة، لذلك حظي المسرح على امتداد التاريخ بالعناية الرسمية والأهلية، خاصة في البلدان التي تستمر فيها العروض المسرحية زمنًا قد يستغرق شهورًا أو سنوات للمسرحية الواحدة، لكثرة الرواد الباحثين عن المتعة الذهنية، والاستفادة الفكرية، فلا غرابة أن يسمى المسرح بأنه «أبو الفنون».

ولأهمية المسرح وبمبادرة من المعهد الدولي للمسرح تم في عام 1961 الاتفاق على اعتبار اليوم السابع والعشرين من شهر مارس من كل عام يومًا عالميًا للمسرح، وتم تنفيذ هذا القرار في العام التالي 1962 عندما تم الاحتفال بالمسرح بمناسبة افتتاح مسرح الأمم المتحدة في باريس، والذي حمل اسم «مسرح سارة برنار» ومن ذلك التاريخ تحتفل دول العالم  وبالتعاون مع اليونسكو – وفي كل عام بالمسرح، من خلال تقديم المسابقات المسرحية، والندوات النقدية، كما تكرم فيه الشخصيات البارزة في الفنون المسرحية، كما هو الحال في الدوحة في هذه الأيام.

ومنذ ما يزيد على الخمسين سنة بدأ المسرح في قطر مسيرته انطلاقًا من المدارس والأندية الرياضية، ثم تكونت الفرق المسرحية وبدأت البعثات لدراسة الفنون المسرحية في القاهرة وبعدها الكويت، ونشط الهواة ثم الخريجون الأكاديميون في تقديم أعمال مسرحية مستفيدة من خبرات عربية وافدة في الإخراج، وتهافت عليها الجمهور المتعطش للاستمتاع بما قدم من مسرحيات تلامس همومه ومشكلاته، أو تحكي جانبًا من ملامح حياته وحياة آبائه وأجداده، وخلال السنوات الماضية واصل المسرح نشاطه ليقدم للدراما الإذاعية ثم التلفزيونية كوادر بشرية امتدّ نشاطها إلى دول خليجية وعربية أخرى، خاصة في مجال التمثيل والإخراج، كما شاركت المرأة بجهد وافر في النشاط المسرحي في قطر، وجاء افتتاح أقسام لبعض الفنون المسرحية في كلية المجتمع، ليؤصل القيم المسرحية، ويدعم النشاط المسرحي بلادنا، ويؤهل بعض الشباب للعمل في المسرح.

والمؤسف أن الحركة المسرحية قد تراجعت في السنوات الأخيرة، وتقلص عدد الفرق المسرحية، وتلاشى الدعم الحكومي لهذه الفرق، لدرجة أن بعض هذه الفرق أضحت مهددة بالطرد من مقراتها المستأجرة بسبب عدم قدرتها على دفع إيجارها، وهو أمر مستغرب بعد مضي كل هذه السنوات من عمر المسرح في قطر، واعتماده الكلّي على جهود أفراد عشقوا المسرح، وضحّوْا من أجله بأموالهم وأوقاتهم، بينما انصرف بعضهم للمشاركة في الإنتاج التجاري مثل المسلسلات التلفزيونية والأعمال التلفزيونية والإذاعية، دون مظلة رسمية تحميهم من استغلال تجار الفن. حتى أصبح المسرح في قطر يعيش حالة من الإرباك الذي يئن من وطأته منسوبو الفرق المسرحية على قلتها، دون أن يكون لذلك صدى على المستوى الرسمي، رغم نشاطهم المسرحي الذي يتضح أكثر في المهرجانات التي يقدمها المسرحيون بمناسبة يوم المسرح العالمي.

ولو تم استفتاء المسرحيين لمعرفة أهم طلباتهم، لوجد المسؤولون أن تكاليف هذه الطلبات متواضعة نسبيًا إذا ما قورنت بالمشاريع الضخمة التي تنفذها الدولة في الكثير من المجالات التنموية الهامة والمنتشرة على امتداد رقعة الوطن، مما يمثل وجهًا حضاريًا للدولة، والمسرح من أهم هذه الوجوه دون شك. وهذه الطلبات تتمثل في وجود مقرات للفرق المسرحية، وتحديد ميزانية لكل فرقة تساعدها على تغطية مصاريفها المختلفة، وتسديد تكاليف التشغيل والصيانة في هذه المباني، على أن يتم تعيين الإداريين والفنيين العاملين في هذه الفرق كموظفين رسميين في وزارة الثقافة، وهي الجهة الأولى المسؤولة عن الفرق المسرحية، مع إنشاء جمعية أو رابطة للمسرحيين لتنظيم علاقتهم بالجهات الأخرى، بما في ذلك ضمان حقوقهم الفنية والمادية، وتوفير المناخ المناسب لتقديم أعمال مسرحية في مستوى طموح المسرحيين والمسؤولين في الوقت نفسه.

أخترنا لك
مفهوم الثّورة وأسبابها

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة