خواطر.. خداع ذاتي

2021/12/27

بقلم: نجوى معروف

تُثيرُ الشّخصيةُ الغامضةُ فضولَ الآخرين، والرّغبة في معرفة خفاياها، فهي شخصيّةٌ تبدو مُتحفظة، قليلة الكلام وغير واضحة التوجه، الأمر الذي يُصعِّب علينا معرفة ما يدور في أذهان أصحابها.

فالغموضُ مثيرٌ في حدّ ذاته، وكذلك الهدوءُ، والسّيطرةُ على المشاعر، علاوة على تمتعهم بالكتمان كأحد عناصر التّشويق والإثارة، ما يجعلهم محط إعجاب مبهم!

لذا ترسم العيون حولهم هالة وهمية، فالصفات السابقة ليست بالضرورة مزايا، بل قد تكون استراتيجية مُقنعة، فقلةُ الكلام، قد لا تعني التحفظ، بل تشير أيضًا إلى عدم المعرفة وخشية الانتقاد، وأسهل طريقة لمداراة ذلك تكون بالصمت المهيب، كما يتميّز أصحاب هذه الشخصية بالاختفاء المتقطع، والتعذر بالانشغال، ليتركوا انطباعًا بصعوبة المنال، وأنهم يفضّلون استثمار أوقاتهم بما هو مُجدٍ ومع من يستحقّهم أكثر، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!

عادةً ما يُجري الشخص الغامض مسحًا ضوئيًا على المكان والأشخاص، سواء كان في زيارة أو احتفال أو مُلتقى عملٍ اعتيادي، يصغي باهتمام مكوّنًا فكرة عامة عن المتواجدين، وهو مولع بالبحث عن نقاط ضعفهم وقوّتهم، لكنه يتظاهر بنسيان الأسماء والمواقف وعدم التركيز في التفاصيل.

الشخصية الغامضة قد تكون فعلًا كذلك بلا أدنى تصنع أو تمثيل، لكن القصور قد يكون في الآخر الذي يصفها بالغموض، فالوصف أو الأحكام الاجتماعية موهبة بشرية تتبلور بالمعرفة والتجارب الشخصية، لكنّها ليست مبنيّة على معايير ثابتة، فللناس في أحكامهم مذاهب.

موضوعي عن الشخصية التي تتعمد الغموض، وتلبس ثوب الحَيرة اللافت، ولها في ذلك مآرب أخرى، فنجاحها يأتي من دهشة الآخرين وانبهارهم السطحي وفضولهم القاتل.

أغلب النصابين في هذا العالم يتمتّعون بذكاء فطري، بإمكانهم أن يحققوا به إنجازات عظيمة، لكنهم يختارون الطُرق المختصرة والمحفوفة بالإثارة والأدرينالين المفتعل، قد يتمتعون بهيئة جذابة ومظهر قوي ورصين، يُبعد عنهم الشبهات، ويجعلهم مثار إعجابٍ بما قَلّ ودَلّ، الطُعم الذي يصطادون به ضحاياهم، ولأن القانون لا يحمي المغفلين، فهم يُتقنون اختيار ألاعيب لا تُدينهم قانونيًا، كما يستغلون انبهار الناس وشغفهم، لدرجة تجعلهم عناصر تابعة، من حيث لا يدرون.

في علم الاجتماع تُصنّف الشخصيات اللامعة بالشخصية ألفا، وهي الشخصية المميزة والقيادية بطبيعتها وتتمتع بالكثير من المزايا الظاهرة، والمشكلة لا تكمن أبدًا في هذه الشخصيات أيًا كانت، بل في تقييم من حولهم ومدى استعدادهم للالتفاف والانصياع التلقائي، إضافة إلى قدرة الشخصية ألفا على استغلال نقاط ضعفهم لتحقيق مآربها.

وتبرز الشخصية ألفا في المواقف الصعبة بكل شهامة للعناية بالآخر، إلّا أن الوقت كفيل بإظهار أنَّ ألفا كانت من اختلق الأزمة، لتُشمر عن ساعديها وتتولى دور البطولة.

تُرى كم منّا واجهَ توجّسه وريبته من هؤلاء بصدق، وتوصّل لمعرفة ما وراء الغموض في الوقت المناسب، وكم منّا تجاهل إحساسه وخدع نفسه، وأحاطهم بهالة من التبجيل فأصبح من الخاسرين!

النفس البشرية عالمٌ مجهول، والمظاهر هي ما يريد الآخرون أن نراها منهم، نسأل الله أن يلهمنا حُسن البصيرة قبل حُسن الظن، ويقينا شرّ أنفسنا والآخرين.

أخترنا لك
تقديم على كتاب تبسيط قواعد النحو والصرف تأليف أ. رجاء حسين حافظ

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة