تجربة حياة.. أن تكون وفيًا

2021/11/21

رنا فضل السباعي

ليس هنالك على وجه الأرض من مسعى يقوم به الإنسان لا يسبقه جهد فكري أو جسدي أو كلاهما معًا. وإضافة لنوع الجهد المبذول فإن نسبة هذا الجهد تختلف أيضًا في استهلاك القوى بين شخص وآخر اعتمادًا على ما نمتلكه أصلًا من إمكانات عقلية وما اكتسبناه من خبرات عملية من شأنها أن تجعل مهمةً ما صعبة على أحدهم ولكنها يسيرة على الآخر.

وفي جميع الحالات التي نسعى بها، يكون الهدف هو ما نضعه نصب أعيننا مُتطلّعين إلى تحقيقه بكل شغف وترقّب احتفاءً بالهدف نفسه، وبأن جهدنا قد أنتج وأثمر. هذا الهدف ورغم أننا نرى أن تحققه يكون فقط بنتيجة ما نقوم به، لكنه عمليًا يؤدي دورًا أساسيًا وفاعلًا قبل ذلك بكثير، فهو من بداية أية خطوة يشكل عاملًا أساسيًا ومساعدًا في تشجيعنا، تجديد نشاطنا وعدم الانزلاق إلى هاوية التعب والاستسلام حتى إذا ما تحقق شَعُرْنا بأن السعادة كلها من نصيبنا، وفي واقع الأمر أننا نشعر بالسعادة ليس لمجرد أننا تمكنّا من تحقيق ما نرغب به وإنما أيضًا لأن جهودنا لم تذهب سدًى فكانت في محلها كَمًا ونوعًا.

هذا الشعور الذي نعيشه احتفاءً بجهودنا وبتحقيق أهدافنا الشخصية هو ما يقابله في علاقاتنا الإنسانية بالوفاء، فنحن في حياتنا اليومية نتواصل مع الآخر في مختلف المجالات بدءًا من العلاقات العائلية، مجالات العمل، دائرة العلاقات الاجتماعية والصداقات، وصولًا إلى تلبية الاحتياجات والخدمات، وأكثر ما نرغب أن نشهده بنتيجة هذا التواصل أن نتلقَى وفاءً مقابلًا لما نؤديه للآخر وإن اختلفت صوره وأساليب التعبير عنه، وصولًا إلى مجرد كلمة شكر لا أكثر. إن الأمر لأشبه ما يكون بالزرع الذي تبذل جهودك لتغرسه وأنت على ثقة بأن الأرض التي تغرس بذور زرعك فيها صالحة، فتمر بك الأيام لتجد أن زرعك قد أينع مثمرًا وأن جهدك لم يذهب هباءً. ما أجمله حقيقة من شعور بالإنجاز.

إنَّ الوفاء من أسمى الصفات الحميدة التي تعكس سمو الأخلاق في صاحبها، وتحفظ للعلاقات الإنسانية روحيتها، فلا تبقى في إطارها الضيق من الحاجة والتلبية فقط لتنتهي بانتهائهما، إنما تتخطى هذا المفهوم المادي المجرد للروابط الإنسانية لتضخ هذه الصفة في تلك الروابط حيوية البقاء ما بقي الوفاء لجهود الآخرين والاعتراف بجميل صنيعهم معنا، حاضرًا في أذهاننا، وأثره ثابتًا في وجداننا، فلا يزيده مرور الوقت إلا حضورًا وثباتًا.

ومن الصفات الحسنة التي غالبًا ما تترافق مع صفة الوفاء في الشّخص هي الاستقامة والصدق، إذ قلما تجد شخصًا يتعامل بوفاء مع الآخرين وهو غير مستقيم في تصرفاته أو غير صادق في أقواله ومثل هذه الشخصية هي أكثر ما يجذبك للتعامل معها؛ لأنها كالأرض الصالحة لن تزرع فيها معروفًا إلا وحصدته امتنانًا وعرفانًا.

أن تكون وفيًّا يعني أن تثبت بأنك أهل لما قُدم لك من معروف أو مساعدة أو مبادرة وغيرها، فتحفظ قيمة ذلك وأثره في نفسك وفي حياتك لترده شكرًا وتجازي عليه خيرًا، ما استطعت إلى ذلك سبيلًا ومن لم يكن وفيًّا في شكره وامتنانه للمخلوق فإنه لم يتذوّق حلاوة شكر الخالق.

أخترنا لك
محكمة إسرائيلية تقرر حجز 450 مليون شيكل من أموال السلطة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة