في محراب الكلمة ….شجرة الخيزران الصينيّة

2021/09/15

مليحة عبدالكريم الشافعي

مرحبا بكم في كوكب الصين العظيم؟

سأروي لكم قصّةَ أغربِ شجرةٍ سمعتها على الإطلاق، وهي شجرة الخيزران الصينيّة ويطلق عليها «ساق البامبو» وغرابة هذه الشجرة تكمن في دورة حياتها الأولى. ذلك أن بذورها تزرع في الأرض ثم تبقى تحت التراب خمس سنوات كاملة لا يُرى منها شيء، ويستمر الزارع بسقيها بشكل يومي دون أن يرى لها أي أثر على سطح التربة ولو كان جاهلًا بطبيعة حياة الشجرة لأصابه اليأس من أول شهر. وبعد خمس سنوات وبشكل مفاجئ تقفز سيقان الشجرة إلى السماء لتنمو بمقدار أربعة وعشرين مترًا خلال تسعين يومًا فقط. قد لا يصدّق البعض هذه القصّة، وقد يدور في الأذهان التساؤل التالي: ماذا يحدث خلال الخمس السنوات الأولى من عمر هذه الشجرة تحت الأرض؟

والحقيقة أن الشجرة تبدأ ببناء ذاتها خلال الخمس سنوات الأولى تحت التربة بشكل معقّد، فتصنع شبكة من الجذور القويّة التي تساعدها لحظة الخروج من تحت التربة فتحلّق في السماء خلال فترة وجيزة بطول يصل في بعض الأوقات إلى 30 مترًا بما يعادل بناية مكونة من عشرة طوابق.

لكم أن تتخيّلوا المزارع الصيني وهو يقف يوميًا لسقاية بذرة غرسها تحت الأرض خلال خمس سنوات متواصلة دون كلل أو ملل، في انتظار لحظة بزوغ الشجرة وانطلاقها لمعانقة السماء، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة حصاد الفوائد الكبيرة لهذه الشجرة التي لا مجال لحصرها.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن؟ ماذا تعلمنا من قصّة هذه الشجرة؟ وما الدرس الذي يمكن أن نستلهم منه الفائدة على المستوى الشخصي أو الإداري في منظماتنا؟

الجميع سيتفق معي على أهم درس نستفيده من هذه القصّة، وهو أن النجاح لا يمكن أن يتحقّق بين عشيّة وضحاها، بل قد يتطلب الأمر خمس سنوات وأكثر، وخلال هذه الرحلة الطويلة ستحتاج إلى مقومات الصبر والحكمة وزاد الطريق وسقي البذور وتعهدها حتى تأتي اللحظة الحاسمة لجني الحصاد.

مشكلة الكثير من الناس أنهم يتعجّلون النتائج ويحاولون تخطي المراحل التمهيدية، ويغفلون عن الخطوات البسيطة الأولى وتكوين شبكة الجذور التي يمكن أن تحدث الأثر الكبير في النتائج النهائية. ومن فطرة الإنسان أنه يتصف بالعجلة «خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ» لكنّ الطامحين يتحلّون بالصبر ولا يتعجلون قطف الثمار بل ينتظرون الوقت المناسب لإشعال الإنجاز. صحيح أننا نعيش في عصر السرعة، والتقنيات الجديدة حولتنا إلى كائنات راكضة خلف كل شيء بشكل جنوني، لكن القاعدة الأساسيّة أن النجاح في الحياة لا يمكن أن يُقدم في وصفة سحريّة سريعة، بل هو رحلة طويلة وشاقّة قد تأخذ منك سنوات من الجد والاجتهاد والسهر والتخطيط والعزم، وستواجه في طريقك الكثير من الصعوبات والتحديات وقد تفشل وتتوقف ثم تواصل الطريق لكي تبني مجدك وترفع خيزرانك الخاص.

هذه الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط، بل يدخل أيضًا في سياق القادة والمديرين في المنظمات وطبيعة تعاملهم مع تحقيق النتائج دون بناء القواعد الصلبة للنجاح. وهنا يضع الكاتب والمؤلف «براكاش آير» سؤالًا مهمًا لقادة المنظمات: هل أسلوب قيادتك يشجع – أو حتى يسمح – بنمو شجرة الخيزران، أم أنك تنشئ منظمة ذات أشجار غير مكتملة النمو، لكنها تظهر سريعًا على الأرض؟

الكثير منّا يخطئ في استعجال الوصول وصعود منصات التتويج، لكن الصعود الناجح هو أن يبدأ بالبناء والتدريج دون حرق المراحل، قد تصل إلى القمة سريعًا لكن لن تستطيع مقاومة العواصف فيكون سقوطك مدوّيًا.

كل شيء عظيم في هذه الحياة بحاجة لوقت، فخذ وقتك ولا تستعجل فالعجلة تُفسد الأمور وتمنع البذور من النمو، وكلّما طال الطريق يصبح للوصول قيمة أكبر. لفتة أخيرة: من يصبر ينجح في جني المكاسب فليس هناك شيء يحدث في لمح البصر.

أخترنا لك
الحشد الشعبي يعلن نجاح خطة عاشوراء الأمنية في سهل نينوى

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة