تجربة حياة ….القوة بين التفلّت والتوازن

2021/09/11

رنا فضل السباعي

القوّةُ هي السيف الذي تحتاج أن تستخدمَه من جهتَي نَصْلِه -الحادّة وغير الحادة- والعبرة في مهارتك أن تعلمَ في أيّ وقتٍ وأمام أي موقف تختار بينهما.

من منّا لا يرغب بأن يكون قويًا إلى الحدّ الذي يحقق به كل ما يتمنّاه، وأن يمتلك من القوّة ما يجعله مُهابًا بين النّاس وعصيًا على المُواجهة ولا يعرف الهزيمة! الكل في قرارة نفسِه يرغب ويريد، ولكن كيف السبيل إلى ذلك.

في داخل كل منا قوة من نوع ما، فقد تكون قوة عقلية، قوة جسدية، قوة اجتماعية، وقد تكون كلها، وذلك بحسب مدى الاهتمام والرعاية التي نوليها لكل منها. فالقوة كما غيرها من الصفات موجودة فينا متل بذور الزرع وما ينمو منها هو ما نوليه رعايتنا واهتمامنا تمامًا كما يولي الأبوان طفلهما الرعاية. بدايةً، لا بد أن نعي أن الله سبحانه وتعالى أكرمنا بنعمة العقل وجعله هو صاحب الأمر في أداء الجسم لوظائفه البيولوجية دون أي تدخل منا، وبصفتنا الإنسانية هو أيضًا المرجعية الأولى في التفكر قبل أي قول أو تصرف. إن هذه الأدوار المناط بها العقل تجعل منه القوة الأساس التي تحدد طريقة تفكيرنا، وأقوالنا وتصرفاتنا، وهو القادر على أن يقينا العديد من المشكلات والصعاب في حياتنا بالدرجة التي يكون فيها راجحًا وعلى مستوى التحديات، وعلى مدى قوته تتأسس كل قوّة أخرى فينا.

إننا نحتاج أن نهتمّ بقوّتنا العقلية من خلال التعلم، المعرفة، التفكر، الاستفادة من التجربة وتخزين خلاصتها، وغيرها من السبل القادرة على تعزيز مخزوننا الفكري والارتقاء به حتى تتحدد أولوياتنا في رعاية باقي القوى بالشكل الذي يعود بالنفع علينا وعلى المجتمع ككل. وعلى القدر الذي نكون فيه عقلانيين ومرجحين للعقل، يكون اهتمامنا بالقوة الجسدية مثلًا بهدف أن نكون أصحاء فلا نعاني مرضًا أو ضعفًا، ليبقى عقلنا سليمًا من خلال انشغاله بما ينفعه بدلًا من أن ينشغل بالضعف والمرض، وما يستتبعه من قلق وخوف وأثرهما في حياتنا وهو ما يثبته القول «إن العقل السليم في الجسم السليم»، ومنا من يرغب بالاهتمام بالقوّة الجسدية لأغراض الدفاع عن نفسه، وفي هذه الحالة وحدها القوة العقلية هي القادرة على كبح لجام القوة الجسدية بالقدر الذي يبقيها ضمن المنطق والمقبول.

وككائن اجتماعيّ، نحن نميل إلى التعرف على الآخر والعمل على بناء شبكة من العلاقات التي نشعر بأنها تثري الجانب الاجتماعي فينا، هذه العلاقات منها ما يتولد بحكم الظروف وواقع الحال فنعمل على تقويتها وتعزيزها بالتواصل متى ما وجدنا أننا مُستمتعون بها وبأن أشخاصها يحاكون شخصيتنا بآرائهم وأفكارهم، ومن هذه العلاقات ما نتركه على حاله، ونكتفي بالقدر الذي هي عليه.

أمام اختلاف القوة التي بإمكاننا تملكها عقليًا، جسديًا واجتماعيًا، فإننا نحتاج أن نعمل على توازن عملها بما يحقق ما نتمناه، وأن نتذكّر دومًا أن القوة بإمكانها أن تهدم كما بإمكانها أن تبني، أو أن تكون عدمًا، ومن يحدد أيًا من الأدوار تؤديه هو أنت، فإما أن تهتم بقواك بالشكل المتوازن أو تهملها أو تبالغ في رعايتها. القوة حصانك في دروب الحياة وسيفك في مواجهة صعابها، وما عليك إلا أن تروضه أو تشحذ نصله بشكل دقيق وسليم حتى يكون وجودنا أكثر تأثيرًا وأعمالنا أشدّ وأنفع أثرًا.

أخترنا لك
الشيخ د. أحمد التيجاني يزور جامعة البصرة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة