خارج الحدود.. ثقافة الاختلاف وتقبل الآخرين

2021/08/27

بقلم / إيمان عبد العزيز آل إسحاق

في محطّات الحياة ومع كل تغيّر قد تجد أناسًا يملكون نضجًا عقليًا، ولكن لا يملكون نضجًا انفعاليًا فيتعاملون مع المواقف التي يمرّون بها وتغضبهم بطريقة لا تليق بعقولهم ولا بأشخاصهم، فـ (الزعل)، هو ردّة الفعل الوحيدة لأتفه المواقف والوقوف ضدّ من اختلفت معه رأيًا وليس شخصًا.

وحقيقة يجهلها صاحبُنا أنه سيبدأ في خصومة وهجران طويلَين يحرقان صفاء القلوب ويدمران العلاقات ومعهما للأسف يتفشّى خطاب اللوم والانتقاد والرفض وتحمل المسؤوليّة، والعجز عن التحكم في التقلبات المزاجية، وهيمنة الانفعالات السلبيّة في العلاقات بالمُحيط الاجتماعيّ، وتضخيم الإحباطات، وزيادة السلبية التي تفتك بالشخص والمُجتمع.

والسبب، في ذلك واضح وبسيط، هو انخفاض رصيد المرء من الذكاء العاطفي «The emotional intelligence»، وهو مصطلح حديث، وأوّل من استخدمه «سالوفي وماير Salovey and Mayer»،

حيث وصفا الذكاء العاطفيّ بأنه نوع من الذكاء الاجتماعي المُرتبط بالقدرة على مراقبة الشخص لذاته ولعواطفه ولعواطف الآخرين واستخدام المعلومات الناتجة عن ذلك في ترشيد تفكيره وتصرّفاته وقراراته، وهذا ما يحدث عادة.

ربّما الكثير منا يميل لوصف تفكيرهم بالعقلانية، حيث يتميّز هؤلاء بالاعتقاد أن التفكير الجيّد لا يستقيم إلا بغياب العاطفة، وهذا اعتقاد غير صحيح، فليس المطلوب منا هنا تنحية العاطفة جانبًا بل توظيف العقل ووزن الأمور جليًا، والعمل على مُراعاة التوازن بين العقلانية والعاطفية في تفكيرنا وسلوكنا وعلاقاتنا وكلّ أمور الحياة.

ولنكتسب القدرة على تحقيق هذا التوازن بين العقل والعاطفة، علينا أولًا: أن نُعزّز رصيدَنا من الذكاء العاطفيّ، ولو نظرنا إلى ثقافتنا الإسلاميّة لوجدنا سعيها الحثيث إلى تحقيق ذلك النّوع من التوازن بين الفكر والعاطفة، يقول الله تعالى: «أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا..» (46) سورة الحج، هذا هو المزيج البديع الخالص بين العقل والقلب.

والذكاء العاطفي عامل مهم في تحديد نجاحك في مسارات الحياة منها الدراسية والمهنية والأسرية، حيث ينمّي نظرة إيجابية واقعية تجاه الذات خاصة، ويعزّز اتّخاذ قرارات الحياة بشكل أفضل، ونجده يحفّز النفس ذاتيًا لتكون أكثر فاعلية في العمل وإقامة علاقات ناجحة مع الآخرين والقدرة في التعامل مع الضغوط الحياتية بفاعلية.

وهناك بعض المهارات الأساسية للذكاء العاطفي، تحدّث عنها دانيال جولمان Daniel Goleman:

1- الوعي الذاتي Self-awareness، وهو القدرة على التصرف، والقدرة على فهم الشخص لمشاعره وعواطفه ودوافعه وتأثيرها على الآخرين من حوله.

وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ قَالَ: يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلاءِ لِمَا لا يُطِيقُ»، رواه الترمذي.

2- ضبط الذات Self-control، وهو القدرة على ضبط وتوجيه الانفعالات والمشاعر القوية تجاه الآخرين.

قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ». متفق عليه.

3- الحافز Motivationوهو حب العمل بغض النظر عن الأجور والترقيات والمركز الشخصيّ، قال صلى الله عليه وسلم : «إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَه». رواه البيهقي.

4- التعاطف Empathy، وهو القدرة على تفهم مشاعر وعواطف الآخرين، وكذلك المهارة في التعامل مع الآخرين فيما يخصّ ردود أفعالهم العاطفية. وفي الحديث: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»، رواه البخاري.

5- المهارة الاجتماعية Social skill، وهي الكفاءة في إدارة العلاقات وبنائها والقدرة على إيجاد أرضية مُشتركة وبناء التفاهمات. وفي الحديث: « مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ»، أخرجه مسلم في «صحيحه (1844) يعني يعامل الناس بمثل ما يحب أن يعامل به.

ومن خلال تلك المهارات يمكننا أن نعالجَ ثقافة الزعل والاختلاف لدينا، حتى لا تسيطر علينا وتفسد علينا حياتنا مع الآخرين، وكما يقال: وسّع صدرك… وإخواننا المصريون يقولون: كبر دماغك .. ونقول الاختلاف في جميع الأمور لا يفسد للود قضية.. قد أختلف معك بالرأي وأتفق معك بالآخر.. وقد لا أحب شخصك ولكن يعجبني تفكيرك، وقد لا تكون كل المتغيرات مُتقابلة مع توقّعاتي، ولكن يجب أَن أتعايش وأخلق لي الفرص للحياة والمضي قدمًا وترك المساحة خضراء يانعة مُثمرة.

أخترنا لك
ربنا تضرَّعنا إليك فارحمنا

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة