مرثية دعبل الخزاعي في الإمام الحسين عليه السلام

2021/08/20

حكى دعبل الخزاعي

قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا عليه السلام في مثل هذه الأيام فرأيته جالسا جلسة الحزين الكئيب ، وأصحابه من حوله ، فلما رآني مقبلا قال لي : مرحبا بك يا دعبل مرحبا بناصرنا بيده ولسانه ، ثم إنه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه .

ثم قال لي : يا دعبل احب أن تنشدني شعرا فان هذه الأيام أيام حزن كانت علينا أهل البيت ، وأيام سرور كانت على أعدائنا خصوصا بني أمية ، يا دعبل من بكى وأبكى على مصابنا ولو واحدا كان أجره على الله يا دعبل من ذرفت عيناه على مصابنا وبكى لما أصابنا من أعدائنا حشره الله معنا في زمرتنا ، يا دعبل من بكى على مصاب جدي الحسين غفر الله له ذنوبه البتة .

ثم إنه عليه السلام نهض ، وضرب سترا بيننا وبين حرمه ، وأجلس أهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين عليه السلام ثم التفت إلي وقال لي :

يا دعبل ارث الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا مادمت حيا ، فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت .

قال دعبل : فَاسْتَعْبَرْت وَسَأَلْت عَبْرَتِي وَأَنْشَأَت أَقُول :

أفاطمٌ لَوْ خَلَتْ الحُسين مجدلاً*** وَقَدْ مَاتَ عطشاناً بِشَطّ فراتِ

إذَا للطمت الْخَدّ فاطمَ عنده**** وَأُجْرِيَت دَمْعُ الْعَيْنِ فِي الوجناتِ

أَفاطمٌ قَوْمِي ياأبنة الْخَيْر وأندبي*** نُجُوم سماواتٍ بِأَرْض فلاةِ

قُبُور بكوفان وَأُخْرَى بطيبة**** وَأُخْرَى بفخٍ نَالَهَا صَلَوَاتِي

وَأُخْرَى بِأَرْض الجوزجان محلها*** وقبرٌ بباخمرا لَدَى الغُرباتِ

وقبرٌ بِبَغْدَاد لِنَفْس زكيةٍ ****** تَضَمَّنَهَا الرَّحْمَنِ فِي الغرفاتِ

وقبرٌ بطوسٍ يالَها مِنْ مصيبةٍ*** الْحَتّ عَلَى الأحشاء بالزفرات(2)

إِلَى الْحَشْرِ حَتَّى يُبْعَثَ اللَّهُ قائماً*** يُفَرِّج عَنَّا الْغَمّ والكُربات(3)

عليَ ابْنُ مُوسَى أَرْشَد اللَّه أمرهُ*** وَصَلَّى عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصلواتِ

فَأَمَّا المُمضات الَّتِي لَسْت بالغاً*** مبالغها مِنِّي بِكُنْه صفاتِ

قبورٌ بِبَطْن النهرِ مِنْ جُنُبٍ كربلاء***مَعرسهُم مِنْهَا بشطِ فراتِ

تَوفوا عِطَاشًا بِالْفُرَات فليتني*** تُوُفِّيَت فِيهِم قَبْل حِين وَفَاتِي

إلَى اللَّهِ اشكوا لوعةٌ عِنْد ذكرهم***سَقتني بِكَأْس الثُكل والفظعاتِ

أَخَاف بِأَن ازدارهم فتشوقني**** مَصَارِعِهِم بِالْجَزَع فالنخلاتِ

تَغْشَاهُم رَيْبُ الْمَنُونِ فَمَا ترى*** لَهُم عقرةً مغشيةََ الحُجراتِ

خَلَا أَنَّ بِالْمَدِينَةِ مِنْهُم عصبةً*** مَدِينين إِنْضاءٌ مِن اللزباتِ

قليلةَ زوارٌ سِوَى أَنَّ زورا*** مِنْ الضَّبُعِ وَالْعِقْبَان والرخماتِ

لَهُمْ كُلَّ يومٌ تربةً بمضاجعٍ*** ثوت فِي نَوَاحِي الْأَرْضِ مفترقاتِ

تنكبت لأْوَاء السِّنِين جوارهمُ*** وَلَا تصطليهم جمرةَ الجمراتِ

وَقَدْ كَانَ مِنْهُمْ بِالْحِجَاز وأرضها*** مغاويرَ نَجَّارُون فِي الأزماتِ

حُمَّى لَم تزرهُ المذنبات وأوجهٌ*** تضئ لَدَى الأستارُ والظلماتِ

إذَا وَرَدُوا خَيْلًا بِسُمْر مِن القنا*** مساعير حربٌ أقحموا الغمراتِ

فَإِن فَخَرُوا يوماً أَتَوْا بمحمدً *** وَجِبْرِيل وَالْفُرْقَان والسوراتِِ

وَعَدُوا علياً ذُو الْمَنَاقِب والعلى*** وَفَاطِمَة الزَّهْرَاء خيرَ بناتِ

وحَمزةَ وَالْعَبَّاس ذَا الْهَدْي والتقى***وجعفرا الطَّيَّار فِي الحجباتِ

أُولَئِك لاملقوح هندٍ وحزبها*** وسُميةَ مِن نَوْكَى وَمَن قذراتِ

ستسأل تَيْم عَنْهُم وعديها *** وبيعتهم مِنْ أَفْجَرِ الفجراتِ

هُم مَنَعُوا الْإِبَاءُ عَنْ أَخْذِ حقهم*** وَهُم تَرَكُوا الْأَبْنَاء رَهَن شتاتِ

وهُم عدلوها عَنْ وَصِيٍّ محمدٍ *** وبيعتهم جَاءَتْ مِنْ الغدراتِ

وَلِيِّهِم صِنْو النَّبِيّ محمدً **** أَبُو الْحَسَنِ الفراج للغمراتِ

ملامكَ فِي آلِ النَّبِيِّ فأنهم***احبايَ مَا دَامُوا وَأَهْل ثُقاتي

تخيرتهم رشداً لِنَفْسِي إنهم*** عَلَى كُلِّ حالٍ خَيْرِه الخيراتِ

نَبذتُ إلَيْهِم بالمودةَ صادقاً*** وسلمتُ نَفْسِي طائعاً لولاتي

فَيَا ربَ زِدْنِي فِي هوايَ بصيرةً*** وَزِد حُبُّهُم ياربَ فِي حَسَنَاتِي

سأبكيهم مَا حجَ لِلَّه راكبٌ***** وَمَا ناحَ قَمَرِيٌّ عَلَى الشجراتِ

وَإِنِّي لِمَوْلَاهُم وقالٍ عدوهم**** وَإِنِّي لمحزونً بِطُول حَيَاتِي

بِنَفْسِي أَنْتُمْ مِنْ كهولٌ وفتيةً*** لِفَكّ عتاةٍ أَوْ لَحْمًا دياتِ

وَلِلْخَيْل لِمَا قَيَّدَ الْمَوْتِ خَطوها***فأطلقتم مِنْهُنّ بالذرباتِ

أحبُ قُصي الرَّحِمِ مِنْ أَجْلِ حبكم***وأهجر فِيكُم زَوْجَتِي وَبَنَات

وَأَكْتُم حُبكم مخافةَ كاشحٍ عنيد*** لِأَهْلِ الْحَقِّ غَيْرَ مواتِ

فَيَا عينُ بكيهم وُجُودِيٌّ بعبرةً**** فَقَد اَن للتسكاب والهملاتِ

لَقَد خِفتُ فِي الدُّنْيَا وَأَيَّام سعيها*** وَإِنِّي لأَرْجُوا الْأَمْنُ بَعْدَ وَفَاتِي

أَلَم ترَ إنِّي مُذُ ثَلَاثُون حجةٍ*** أَرْوَح وأغدوا دَائِمٌ الحسراتِ

أَرَى فَيْئَهُم فِي غَيْرِهِمْ متقسماً*** وَأَيْدِيهِم مِنْ فَيْئِهِمْ صفراتِ

وَكَيْف أُدَاوِي مِن جَوًى بي*** والجوى أُمَيَّة أَهْل الكفرواللعناتِ

واَل زِيَادٍ فِي الْحَرِيرِ مصونةٌ***واَل رَسُولُ اللَّهِ منهتكاتِ

سأبكيهم مَا ذرَ فِي الافقِ شارقٌ***ونادى مُنَاد الْخَيْر بالصلواتِ

وماطلعت شمسٌ وحانَ غروبها***وبالليل أُبكيهم وبالغدواتِ

ديارَ رسولُ اللَّه أَصْبَحْن بلقعاً*** واَل زِيَاد تَسْكُن الحجراتِ

واَل رَسُولُ اللَّهِ تُدمى نحورهم*** واَل زِيَاد رُبة الحُجلاتِ

وَآل رَسُولُ اللَّهِ يُسْبَى حريمهم***واَل زيادٍ اَمنوا السُرباتِ

إذَا وَتروا مَدُّوا إلَى واتريهم*** أكُفاً عَن الْأَوْتَار منقبضاتِ

فَلَوْلَا الَّذِي أَرْجُوه فِي الْيَوْمِ أو***غَدٍ تُقْطَع نَفْسِي أَثَرِهِم حسراتِ

خُرُوج إمامٍ لَا محالةَ خارجُ*** يَقُومُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ والبركاتِ

يُميزُ فِينَا كُلَ حقِ وباطلُ***ويجزي عَلَى النَّعْمَاء والنقماتِ

فَيَا نَفسُ طِيبِي ثُمّ يانفسُ**فأبشري فَغَيْر بعيدٌ كُلّ ماهُو اَتِ

ولاتجزعي مِنْ مُدَّةِ الْجَوْر انني**أرى قُوَّتِي قَدْ أَذِنْتُ بثباتِ

فَيَا ربَ عَجَّلَ مَا أُؤَمِّل فيهم***لأشفي نَفْسِي مِنْ آسَى المحناتِ

فَإِن قربَ الرَّحْمَنِ مِنْ تِلْكَ مدتي*** وأَخر مِنْ عُمْرِي وَوَقْت وَفَاتِي

شَفيتُ وَلَم أتركُ لِنَفْسِي غصةً***ورويتُ مِنْهُم منصلي وقناتي

فَإِنِّي مِنْ الرَّحْمَنِ أرجوا بحبهم***حياةً لَدَى الْفِرْدَوْس غَيْر تباتي

عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْتَاح لِلْخَلْق إنهُ*** إلَى كُلِّ قومِ دَائِمٌ اللحظاتِ

فَإِنْ قُلْت عرفاً أَنْكَرُوه بمنكرً*** وَغَطّوا عَلَى التَّحْقِيقِ بالشبهاتَ

تُقاصر نَفْسِي دائماً عَلَى جدالهم*** كَفَانِي مَا أَلْقَى مِنْ العبراتِ

أُحَاوِل نَقَل الصُّمّ عَن مستقرها *** وَإِسْمَاع أَحْجَارٍ مِنْ الصلداتِ

فَحَسْبِي مِنْهُمْ أَنْ أَبَوْا بغصةًٌ*** تَرَدَّدَ فِي صَدْرِي وَفِي لهواتي

فَمَن عارفُ لَمْ يَنْتَفِعْ ومعاند*** تَمِيلُ بِهِ الْأَهْوَاءُ للشهواتِ

كَأَنَّك بالأضلاع قَدْ ضَاقَ ذرعها*** لِمَا حَمَلَتْ مِنْ شِدَّةِ الزفراتِ

..................

يقال أن البيتين (2+3) للامام الرضا الحقهم بقصيدة دعبل الخزاعي

أخترنا لك
العالم الرباني السيد علي القاضي الطباطبائي

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة