بقلم /فريدة العبيدلي
مثل شعبي طريف مُتداول بين الناس، تكمن طرافته في جمعه بين صفتين مُتناقضتين في النفس البشريّة، إحداهما تُمثل أعلى درجات التعقل وصفاء الذهن والرأي السديد، والأخرى تُمثل شتات الذهن واضطرابه وشطحات العقل وانفعالاته، صفتان تُمثلان حدة تناقض النفس البشرية عند التعامل مع الظروف الحياتيّة على اختلافها.
طرافة هذا المثل تعود لقصته المُتداولة بين الناس وفي الأدبيات المنشورة بقصص الأمثال، التي تتلخص في لجوء شخص عاقل لآخر مجنون طالبًا منه النصح في مشكلة عائلية ألمّت بهم وكانت ستسبب خلافًا حادًا بينه وبين إخوته، بعد تلقيهم نبأ وفاة والدهم الذي مات غريبًا عن بلده، وخلافهم مع أخيهم الأكبر على تقسيم الميراث بينهم بعد علمهم بخبر الوفاة، ورفضهم نصح أخيهم لهم بتأجيل تقسيم الميراث حتى الانتهاء من مراسم العزاء.
وعليه قرروا رفع أمرهم للقاضي الذي طلب منهم حضور أخيهم، وعندما علم أخوهم بذلك ذهب لأحد الحكماء لاستشارته فيما حدث، فنصحه بالذهاب لشخص معروف في المدينة بأنه «مجنون»، فذهب أخوهم إليه وقصّ عليه قصته مع إخوته، فقال له المجنون: «قل لإخوتك هل لديكم من يشهد بموت أبينا؟ فذهب الابن إلى القاضي الذي أعجبه السؤال، فسأله للإخوة قائلًا لهم: هل لديكم شهود؟ فوضّح له الأبناء أن أباهم مات في بلد بعيد، ولا يوجد شاهد على وفاته، فطلب منهم القاضي إحضار شهود، ما أدّى لتعليق القضية لمدة من الزمن، دفعت أخاهم الأكبر لقوله لهم «لو صبرتم أسبوعًا واحدًا فقط لكان خيرًا لكم مما أنتم فيه الآن».
وعليه انتشر المثل للدلالة على أن الحكمة تُنقذ من إشكاليات ومواقف حياتيّة عسيرة بالتوصّل لحلول رشيدة، وقد تصدر هذه الحلول أحيانًا من أشخاص لا يعتقد أنهم يمتلكون الحكمة.
الحياة من حولنا مليئة بأمثلة ومواقف قد تتضمن في ثناياها إشكاليات كبيرة، قد تحدث في نطاق الأسرة، وبيئات العمل والمُجتمع عامة، تتطلب مُعالجتها بالحكمة والرأي السديد للحفاظ على الكيان الاجتماعي واستقرار المُجتمع.