مدرسة العطاء في الاخلاق, الإمام الحسين ( ع ) أنموذجا

2021/08/08

بقلم : مجاهد منعثر منشد

مفهوم الاخلاق ,وسيرة صاحب المدرسة

مفهوم الاخلاق لغويا :

الأخلاق جمع خلق، والخُلُق -بضمِّ اللام وسكونها- هو الدِّين والطبع والسجية والمروءة، وحقيقته أن صورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخَلْق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها([1]).

وقال الرَّاغب: والخَلْقُ والخُلْقُ في الأصل واحد... لكن خص الخَلْق بالهيئات والأشكال والصور المدركة بالبصر، وخص الخُلْق بالقوى والسجايا المدركة بالبصيرة([2]).

يعني الاخلاق هي صورة النفس الانسانية , ولذلك تعرف بأنها الصورة النفسية للانسان ,أو الانعكاس للجانب المعنوي والنفسي عنده ,فكما ان للانسان جسما يمثل شكله وصورته المادية , من طول وقصر وملامح ,فينظر الناس الى شخصيته المادية من خلال ملامحة الجسمانية ,فان هناك بعدا اخر للإنسان ,هي النفسه التي تعني الميول والتوجهات ,وهذه تتجلى وتتجسد من خلال الاخلاق .

وان الحكم الحاسم على كل انسان يأتي من خلال أخلاقه ,فمهما بلغ من مكانه نسبيه او علمية او كفاءة او منصب اذا كان سيء الاخلاق ,فذلك سيؤثر حتما على مكانته في قلوب الناس ,قيقول الامام علي (عليه السلام) : رب عزيز اذله خلقه ,وذليل أعزه خلقه([3]).

وبذلك فأن الانسان حتى لو بلغ أعلى المراتب ,وهي النبوة والاتصال بالوحي الالهي ,او الامامة ,لن يكون عزيزا ويترك تأثيره في النفوس ,مالم يكن على درجة عالية من سمو ورفعة الاخلاق .

وخير دليل على ذلك عندما يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه محمد (صلى الله عليه واله وسلم ) بقوله : (فبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ) ([4]).

ولذلك كان رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) عندما يتحدث عن الاخلاق يجعلها الهدف الاعلى من بعثته ,فيقول : (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق ) ([5]).

وقال (صلى الله عليه واله وسلم ): (الاسلام حسن الخلق ) ([6]).

وورد عنه ايضا : (أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا ) ([7]).

ويروي لنا الامام الحسين (عليه السلام )عن جده (صلى الله عليه واله وسلم) :(راس العقل بعد الايمان بالله ,التودد الى الناس ) ([8]).

سيرة صاحب المدرسة

   أن سيرة الامام الحسين (عليه السلام) الاخلاقية في الحرب مستنبطه من منظومة الاخلاق الاسلامية التي تربى ونشا عليها على يد جده رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) ,وأبيه الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام).

وأما جده النبي الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم) ,فيخاطبة الله عزوجل في كتابه المبين : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ([9]).

فالأمام ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه ) تأدب بأداب النبوة وحمل روح اخلاق جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم )في الحرب والسلم .

وابيه أمير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام) الذي يقول له رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): أنت مني و أنا منك ([10]),

وعلي (عليه السلام) قد وصفه القران الكريم  في قوله تعالى : (نفس النبي ) ([11]),

ونفسه (صلى الله عليه واله وسلم) يقول :(ما من نبى الا وله نظيرفي امته وعلى نظيري) ([12]),

 لقد كان الحسين (عليه السّلام) يُشبَّهُ بجدّه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الخِلْقة والاخلاق واللونِ ، ويقتسمُ الشَّبَهَ به (صلّى الله عليه وآله وسلم ) مع أخيه الحَسَن (عليه السّلام) , ولا غَرْوَ فهما فِلقتان من ثمرة واحدة من الشجرة التي قالَ فيها رسولُ الله (صلّى الله عليه وآله وسلم ): (( أنا الشجرة ، وفاطمة أصلها ـ أو فرعها ـ , وعليّ لقاحها ، والحسن والحسين ثمرتها ، وشيعتنا ورقها ؛ فالشجرة أصلها في جنّة عَدْن ، والأَصل والفرع واللقاح والثمر والورق في الجنّة )) ([13]),

وكان أمير المؤمنين (عليه السّلام) يعرف ما تميّز به الحسين (عليه السّلام) من القوّة الغيبيّة التي نفثها فيه جبرئيل (عليه السّلام) ، فكان يشّبهه بنفسه في الشجاعة والإقدام والاخلاق ويقول  : (( وأشبه أهلي بي الحُسينُ )) ([14]),

ومن هذا الشبه المقدس يروي لنا الشبيه سيد الشهداء ابي عبد الله (عليه السلام) : لو شتمني رجل في هذه الأذن - وأومى إلى اليمنى - ، وأعتذر لي في الأخرى ، لقبلت ذلك منه ، وذلك أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام ) حدثني أنه سمع جدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : لا يرد الحوض من لم يقبل العذر من محق أو مبطل ([15]), وهكذا كان الامام (عليه السلام) يحسن التعامل بمنظومة الاخلاق النبوية والحيدرية العلوية مع القريبين والبعيدين ,فعن الامام الباقر (عليه السلام) :ـ أنه ما تكلم بين يدي أخيه الحسن اعظاما له ,فاذا كان اخوه الامام الحسن في مجلس لايتكلم في محضره تعظيما واجلالا له .

ولذلك أحد المسائل المهمة التي جعلت شخصية الامام الحسين (عليه السلام) قد أسرت النفوس والقلوب معا هي مسألة الاخلاق الاسلامية  التي حملها واتصف وتحلى بها .

فالهدف من ثورة الامام الحسين (عليه السلام) لم يكن الحرب والقتال من أجل السلطة والخلافة فحسب  ,وانما هي في الحقيقة نهضة أصلاحية سلمية من أجل التغيير والعودة الى القواعد الأخلاقيّة الرصينة في الاسلام ,لتكون الخلافة دولة الاخلاق .

والخصم كان الهدف من رده على تلك الثورة هو السيطرة على الحكم من أجل العودة الى الحضيض حيث كانت قبل الإسلام بين الإفراط والتفريط.

وهنا صاحب الثورة الامام الحسين (عليه السلام) يحمل خُلق فاضل ارتفع بالانسان إلي مصاف الملائكة حيث يشحنه بالفضائل الجهادية ,فيمنحه الملكات الفاضلة من خلال أخلاقيات ثورته وتضحية أنصاره وجهاد أعوانه ,فيستمر ويبقى  قانون دولة الاخلاق حيوياً فاعلاً في الاُمّة متحرّكاً في ضميرها يهتزّ بالحياة والنشاط كلّما واتته ظروف الثورة.

وأما نقيضه وخصمه يزيد يحمل خلق سافل هبط بالانسان المسلم  إلى حضيض البهيمية حيث تجميد قانون الجهاد واخلاقيات الثورة ,فتكون الشعوب والامة في حالة سبات وركود الى ان تصل الى مستوى العبد للحاكم .

وفي هذه الثورة النهضوية التي تحولت الى حرب كان العدد غير متكافى ,فصاحب الثورة (سلام الله عليه ) جيشه سبعون,والخصم يزيد سبعون ألفاً,فمن المنتصر ؟

لاشك أن صاحب النهضة (عليه السلام) هو المنتصر على خصمه ,فصارت ثورة كربلاء ( قانون جهادي أخلاقي) يستطيع من يحسن استعماله أن يغيّر به نظام العالم ويحرّر به أمماً وينقذ شعوباً.

أجل، لقد وعت الاُمّة ذاتها بعد ثورة الحسين وميّزت بين عدوّها وصديقها وثارت على واقعها المرير بأيدي حكّامها وسياسيها عدّة ثورات، ولا زال قانون الجهاد الحسيني يشدّها إلى الثورات وسيبقى كذلك إلى أن تطهر الأرض من رجس العدى.

اخلاق الصراع السياسي عند الامام الحسين مع الخصم

في نهضة الحسين ومنذ الوهلة الاولى بعد هلاك معاوية سنة (60 /679 م ) طالبه والي المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان بمبايعة يزيد ,فرفض الامام (عليه السلام )هذا العرض

ولكن ابي عبد الله الحسين (سلام الله عليه ) بين سبب الرفض بدون تسقيط او تشهير عن طريق الافتراء ,بل بالحقائق الموجوده لدى الخصم ,اذ قال : ويزيد رجل فاسق ,شارب للخمر قاتل للنفس المحرمة ,معلن بالفسق , مثلي لايبايع مثله([16]),

وهذه الصفات تشير الى ان يزيد غير مؤهل ليكون مسلما عاديا في المجتمع الاسلامي ,فكيف يكون حاكما عاما للمسلمين ؟

أذن اخلاق الصراع تتطلب من القائد الاسلامي أن يؤدي واجبه الشرعي ,فيكون أمينا في رأيه ,مبيننا الاسباب لهذا الرأي بكل صراحة ,فمن الاخلاق والادبيات الاسلامية أن يعلن الامام (عليه السلام) موقفه الحقيقي بالحاكم ,فيحرص على وعي الأمة وتعليمها الأخلاق الإسلامية الأصيلة .

والسؤال يفرض نفسه !

كيف يكون كلام الامام الحسين (سلام الله عليه ) من الاخلاق والادبيات الاسلامية ,وهو يقول عن يزيد (فاسق, شارب للخمر ,قاتل للنفس المحرمة)!اليس ذلك نوع من التشهير ؟

الجواب : الامام الحسين (عليه السلام)أمام معصوم مفترض الطاعة ,وبنفس الوقت حجة على الخلق , وكما ذكرنا كان التصريح والاعلان برايه واجبا شرعيا ,فلو التزم الامام الصمت عن حقيقة صفات يزيد ,فحينها ستعتقد الامة الاسلامية بأن حكم يزيد شرعيا, بلاحظ سكوت الامام الحسين (عليه السلام) ,ولذلك نلاحظ في عبارة الامام (معلن بالفسق ) ,فاغلب الامة تعلم بسلوك وصفات يزيد .

وهذا الاعلان يعني انه يشتهر بين الناس بارتكاب المحارم والكبائر ,فلا يعتبر كلام سيد الشهداء ابي عبد الله (سلام الله عليه ) نوع من التشهير الغير حقيقي ,لان هذه الصفات موجودة فعلا  .

والامام الحسين (عليه السلام) في هذا الدرس العملي الاخلاقي  يعلم الامة على أن يكونوا احرارا ,ويرقضوا الذل والمهانه ,فالانسان الشريف العزيز الكريم , لا يمكن أن يخضع لإنسان وضيع ، ملحد، فاسق ، فاجر إلى غير ذلك من الصفات التي كان يتصف بها يزيد الأموي وقد عبر عن ذلك في قوله : (والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر لكم إقرار العبيد ) ([17]),

أخلاق الامام الحسين (عليه السلام) في الحرب

اولا :ـ خروج الامام (عليه السلام) لتلبية نداء الامة .

كانت الرسائل المتتالية التي تضم بين طياتها (الاستغاثة ,والنجدة من حكم يزيد مع المواثيق والعهود والبيعة ) الواردة الى الامام وهو في مكة تطالب بأن يقوم بالثورة ويقبل عليهم ,فهذه الرسائل تقدر بالالاف ,والان ليس بصدد نقاش تلك الرسائل ,ولكن كمحل شاهد نأخذ واحدة منها والتي ارسلها شبث بن ربعي اليربوعي([18]),و محمد بن عمر التميمي , و حجار بن ابجر العجلي([19]),و يزيد بن الحارث الشيباني([20]) , و هذا نصها : - (( اما بعد فقد اخضر الجناب , و اينعت الثمار , و طمت الجمام([21]), فاقدم على جند لك مجند والسلام عليك )) ([22]).

وبعد هذه الرسائل ماهو موقف ضمير الامام المعصوم تجاه خلاص الامة من الطاغية يزيد ؟ وتلبية النداء ؟ ,فلايوجد أمام الامام الحسين (عليه السلام) المسؤول عن الامة ,الا الاستجابة والاقبال عليهم .

وهذا التحرك بحد ذاته نابع من القواعد الاخلاقية في الاسلام ,فقد قال ابي عبد الله (عليه السلام) في  حديثه مع جيش  الحر بن يزيد الرياحي : بعد أن حمد الله وأثنى عليه، ثم قال : أيها الناس إنها معذرة إلى الله عز وجل وإليكم ، إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم أن أقدم علينا فإنه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم([23]).

ولنفترض لم تكن هناك رسائل مطالبه من الامة فيها مواثيق وعهود وبيعة ,فهل سيخرج الامام (عليه السلام)؟

الجواب : بديهي ان الامام (سلام الله عليه ) لايخرج الى كربلاء لوجود أسباب كثيرة منها :ـ

ثانيا :ـ عدم البدء بالقتال .

كان شعار الامام الحسين (عليه السلام) شعاره (أني اكره ان أبدأهم بقتال ) ([25]) .

وهذا الشعار كان قاعدة اخلاقية في سيرة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم ),ثم في سيرة أمير المؤمنين (سلام الله عليه ) في كل حروبه , فلم يكن في يوم من الايام قد أعتدى أوبدأ بقتال أحد فهو القائل (عليه السلام):  لا تدعون إلى مبارزة واذا دعيت اليها فأجب فان الداعي اليها باغ والباغي مصروع([26]),فيذكر احد القادة العسكريين في جيش الامام علي (عليه السلام) قائلا :  كان يأمرنا في كل موطن لقينا معه عدوه يقول : لا تقاتلوا القوم حتى يبدؤكم([27]).

وقد ذكرنا مقدمة البحث بأن أخلاق أبي عبد الله الحسين (سلام الله عليه) من سيرة جده وابيه (عليهما الصلاة والسلام),فضلا عن ذلك ,فأنه (عليه السلام) كان حاضرا مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) في جميع الحروب .

وبذلك فأن سند الامام الحسين (عليه الصلاة والسلام) في الشعار المذكور الى أصل القاعدة الاخلاقية التي بينا مصادرها أعلاه .

وأما الحوادث التي لم يبدأ الامام فيها القتال في خروجه الى أرض كربلاء المقدسة وواقعة الطف لعل منها ما ياتي :ـ

عندما قدم الحر بن بن يزيد الرياحي بالف فارس قد انهكهم العطش ([28])في حر الظهيرة قبل صلاة الظهر بوقت قريب.

ولما التقى الحسين (عليه السلام) وأصحابه مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين (سلام الله عليه ) ,فقال زهير بن القين للامام :يابن رسول الله أن قتال هؤلاء أهون من قتال من ياتينا من بعدهم ,لكن الامام الحسين (عليه السلام) رفض([29]) .

وقال (عليه الصلاة والسلام) لفتيانه: اسقوا القوم وارووهم من الماء، ورشِّفوا الخيل ترشيفاً(عليه السلام) فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفاً، فقام فتية وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم، وأقبلوا يملؤون القصاع والأتوار والطِّساس من الماء ثم يدنونها من الفرس، فإذا عبَّ فيه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً عزلت عنه، وسقوا آخر حتى سقوا الخيل كلها.

ولما حضر وقت الصلاة قال الحسين (عليه السلام) للحر: أتريد أن تصلي بأصحابك؟

فقال الحر : لا، بل تصلّي ونصلّي بصلاتك([30]) .

وما يلاحظ في هذه الحادثة أنها شبيه بموقف أمير المؤمنين (سلام الله عليه ) في معركة صفين ,ولكن هناك اختلاف في المكان والاشخاص .

فالأمام علي (عليه السلام)  هو الذي ملك المشرعة يوم صفين فسقى المسلمين بعد أنْ جهدهم العطش, وعندما كانت بيد جيش معاوية منعوا الماء عن جيش امير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام ).

والماء بند من بنود حقوق الانسان في الاسلام في السلم والحرب معا ,وقد ارسى دعائم هذا البند الامام علي ثم الامام الحسين (عليهما السلام) ,ولكن تظهر المعادن الاسلامية الحقيقة لدى المسلم في المواقف الحساسة , فمن تلك المواقف ( الحرب) ,فهنا يكشف الغطاء هل الذي يمنع الماء بمسلم ؟

معاوية وجيشه منع الماء !

يزيد وجيشه منع الماء !

    لقد كان الامام باستطاعته ان يستغل شدة ظمأ العدو ,أو يستعين براي زهير بن القين ,فيقاتلهم ويستولي على اسلحتهم ,لكنه رق لحالهم وغض النظر عنهم,وهو يعلم أنهم جاؤوا لقتاله وسفك دمه الطاهر .

وفي نفس هذه الحادثة يذكر علي بن الطعان المحاربي قائلا : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين (عليه السلام )ما بي وبفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ! والرواية عندي السقا ثم قال : يا ابن الأخ أنخ الجمل ! فأنخته ، فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين : أخنث السقاء أي أعطفه فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه فشربت وسقيت فرسي([31]).

وهكذا نلاحظ الفرق في الاخلاق العدو يمنع الماء ويخون ,والامام (عليه السلام) يسقي أعداءه الماء، ويرشف خيلهم ,وينصحهم بعد اكمل الصلاة والفراغ منها قائلا (صلوات الله وسلامه عليه ) : بعد ان  حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبي محمّد: «أيّها النّاس إنّكم إنْ تتّقوا الله وتعرفوا الحقّ لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل بيت محمّد (صلى‌الله‌عليه‌ وآله وسلم) أولى بولاية هذا الأمر من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين بالجور والعدوان، وإنْ أبَيتم إلاّ الكراهيّة لنا والجهل بحقّنا وكان رأيكم الآن على غير ما أتتني به كتبكم، انصرفتُ عنكم»([32]).

وكانت لجيش الحر والناس نصيحة أخرى من الامام (عليه السلام) تعتبر تلك النصيحة قاعدة أخلاقية عامة ,وايضا لم يبدأهم الامام القتال  ,ففي البيضة ([33])خطب أصحابَ الحر فقال بعد الحمد لله والثناء عليه: «أيّها النّاس إنّ رسول الله قال: مَن رأى سلطاناً جائراً، مستحلاً لحرام الله، ناكثاً عهده، مخالفاً لسنّة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يغيّر عليه بفعل ولا قَول، كان حقّاً على الله أنْ يدخله مدخله، ألا وإنّ هؤلاء قد لزموا الشيطان وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد، وعطّلوا الحدود واستأثروا بالفَيء، وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وأنا أحقّ ممَّن غير، وقد أتتني كتبكم وقدمتْ عليَّ رُسُلكم ببيعتكم أنّكم لا تسلّموني ولا تخذلوني فإنْ أتممتم عليَّ بيعتكم تصيبوا رشدكم، فأنا الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول الله، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ولكم فيَّ اُسوة، وإنْ لَمْ تفعلوا ونَقضتم عهدكم وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلَعَمري ما هي لكم بنكر، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمّي مسلم، فالمغرور من اغترّ بكم فحظّكم أخطأتم ونصيبكم ضيّعتم ومَن نكث فإنّما ينكث على نفسه، وسيغني الله عنكم، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته»([34]).

        في يوم التاسع من محرم أقبل شمر بن ذي الجوشن على معسكر الامام الحسين (عليه السلام) وكان من اخوال أخوة الحسين ابناء ام البنين ,فنادى :أين بنوأختنا ؟ ,فاستنكروا الرد عليه .

فالتفت اليهم الامام الحسين (عليه السلام) ,وقال :أجيبوه ,وان كان فاسقا فأنه من اخوالكم .فاقبلوا يسألونه حاجته ,فقال : انتم يا بني اختي أمنون .لكنهم رفضوا امانه([35]).

ويلاحظ في هذه الحادثة تفعيل عنصرسمو الاخلاق متبادل بين ابناء أم البنين الذين رفضوا في البداية الاستجابة للشمر من اجل عدم جرح مشاعر الامام الحسين (عليه السلام) ,والامام أبي عبد الله (سلام الله عليه ) الذي اكد على مسالة صلة الرحم من خلال طلبه منهم ان يستجيبوا له وان كان فاسقا ,وايضا اعطى درس أخلاقي للمعسكرين في المسالة المذكورة ,وايضا لامانع من المحاورة مع الاعداء في الحروب لعل الخصم أن يهتدي او ينتبه انه على خطأ,فلايوجد أقوى من عرض الامان في معركة مصيرها معروف .

وهنا  الامام (عليه السلام)فسح المجال لتفكير العدو بأن هذا العرض مرفوض ,فعليه ان يفكر بسبب الرفض ليصل الى نتيجة بأن معسكر الحسين على حق وهو على باطل .

ويلاحظ ايضا في الحادثة تفعيل مسالة اخلاقية مهمة جدا هي عدم استغلال هذه المحاورة من أجل البدأ بالقتال او الغدر بالعدو وقتله , فالحسين (عليه السلام) وقبل الحرب كان يعلم اصحابه وانصاره على مبدا (رفض الغدربالعدو ) ,فهذا ماحدث عندما رفض مسلم بن عقيل أن يغدر بعبيد الله بن زياد مع أن هذا الأمر كان أمراً مهماً وربما يغير مجرى التاريخ، مع ذلك رفضه مسلم بن عقيل لأنه يتنافى مع مبادئه ,فيذكر  السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه مقتل الحسين : أن شريك بن الأعور نزل في دار هاني بن عروة لمواصلة بينهما ولما مرض أرسل إليه ابن زياد : أني عائد لك ، فأخذ شريك يحرض مسلم بن عقيل على الفتك بابن زياد وقال له : إن غايتك وغاية شيعتك هلاكه فأقم في الخزانة حتى إذا اطمأن عندي أخرج إليه واقتله وأنا أكفيك أمره بالكوفة مع العافية . وبينا هم على هذا إذ قيل : الأمير بالباب ، فدخل مسلم الخزانة ودخل عبيد الله([36]),فلما استبطأ شريك خروج مسلم أخذ عمامته من على رأسه ، ووضعها على الأرض ثم وضعها على رأسه فعل ذلك مرارا ونادى بصوت عال يسمع مسلما :

ما الإنتظار بسلمى لا تحيوها                 حيوا سليمى وحيوا من يحيها

هل شربة عذبة أسقى على ظماء              ولو تلفت وكانت منيتي فيها

وإن تخشيت من سلمى مراقبة                فلست تأمن يوما من دواهيها

وما زال يكرره وعينه رامقة إلى الخزانة ثم صاح بصوت رفيع : إسقونيها ولو كان فيها حتفي، فالتفت عبيد الله إلى هاني وقال : إن ابن عمك يخلط في علته ؟

فقال هاني : إن شريكا يهجر منذ وقع في علته وأنه يتكلم بما لا يعلم . فلما ذهب ابن زياد وخرج مسلم قال له شريك : ما منعك منه ؟

قال مسلم : قال : منعني خلتان :

الأولى : حديث علي ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن .

الثانية : امرأة هاني فإنها تعلقت بي وأقسمت علي بالله أن لا أفعل هذا في دارها وبكت في وجهي ، فقال هاني : يا ويلها قتلتني وقتلت نفسها ، والذي فرت منه وقعت فيه([37]).

وكما نرى هذه أخلاق اصحاب الامام (عليه السلام) ,فكيف بالحسين استاذ تعليم الاخلاق ؟

وقد كان بمقدور الامام(سلام الله عليه) ان يمنع ابناء ام البنين ,او يوصيهم بقتل شمر اثناء اللقاء والحديث , لكنه (عليه السلام )تأبى أخلاقه هذه التصرفات حتى في المواقف الصعبة .

فعندما أقبل معسكر يزيد وجيشه يجولون حول خيام الحسين ، فيرون الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان القي فيه .

وعندما نادى شمر بن ذي الجوشن بأعلى صوته : يا حسين أتعجلت ، بالنار قبل يوم القيامة ؟

فقال الحسين (عليه السلام) : من هذا كأنه شمر بن ذي الجوشن ؟

فقالوا : نعم .

فقال له : يا بن راعية المعزى أنت أولى بها صليا.

في هذه الحادثة اراد مسلم بن عوسجة وهو من معسكر الامام الحسين (عليه السلام) أن يرمي شمرا بسهما , فقال مسلم للامام  : دعني حتى أرميه فإن الفاسق من أعداء الله وعظماء الجبارين ، وقد أمكن الله منه.

قال له الحسين (عليه السلام) : لا ترمه فاني أكره أن أبدأهم بقتال([38]).

ثالثا : أخلاق الامام (عليه السلام) مع العدو من خلال الحوار.

من المبادىء الاخلاقية  الاسلامية السامية فسح مجال الحوار في الحروب ,فهذه المسألة يستفاد منها بعض التالي :ـ

وهذه هي بعض فوائد الحوار ,فالامام الحسين (عليه السلام) استخدم هذه المسألة الاخلاقية لعلها ان تجدي نفعها مع الخصم ,فقد حاور ابن سعد بالتي هي أحسن ,أذ أرسل الامام عمرو بن قرظة الأنصاري إلى ابن سعد يطلب الاجتماع معه ليلاً بين المعسكرين، فخرج كلّ منهما في عشرين فارساً، وأمر الحسين مَن معه أنْ يتأخّر إلاّ العبّاس وابنه علياً الأكبر، وفعل ابن سعد كذلك وبقي معه ابنه حفص وغلامه.

فقال الامام: يابن سعد أتقاتلني؟ أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن مَن قد علمتَ! ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنّه أقرب إلى الله تعالى؟

قال عمر: أخاف أنْ تهدم داري.

قال الامام: أنا أبنيها لك.

فقال ابن سعد : أخاف أنْ تؤخذ ضيعتي.

قال (عليه‌ السلام): أنا أخلف عليك خيراً منها من مالي بالحجاز»([39]).

فقال ابن سعد: إنّ لي بالكوفة عيالاً وأخاف عليهم من ابن زياد القتل. ولما أيس منه الحسين قام وهو يقول: «مالك، ذبحك الله على فراشك عاجلاً، ولا غفر لك يوم حشرك، فوالله إنّي لأرجو أنْ لا تأكل من بَرّ العراق إلا يسيراً».

قال ابن سعد مستهزأ: في الشعير كفاية([40]).

رابعا : أخلاق الامام (عليه السلام) مع اصحابه واهل بيته في الحرب .

تبرز الاخلاق الحقيقية عند القائد في المواقف الصعبة والحساسة كما ذكرنا مسبقا ,وابن بنت رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم ) لم يكن قائد او شخصية عادية ,بل كان حجة الله في أرضه , وسبط النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ,والامام الموصى به ,والمنصوص عليه ,فعلى هذا هو مدرسة العطاء في الاخلاق .

وهذه المدرسة المتكاملة تؤثر ولاتتأثر,وبنفس الوقت تحترم الانسان كأنسان سواء بفكره أو في حقوقه .

وفكر البشر متقلب كقلبه ,فعندما يسمع موقف يكون له رأي فيه ,وعندما يشاهد الموقف يكون راي أخر .

ولكن أهل بيت الحسين (عليهم السلام) وأصحابه الذين كانوا معهم يختلفون عن باقي البشر حيث لايتقلبون في المواقف الا ما ندر .

وأما ماندر ,فنقصد الاشخاص الذين خانتهم الارادة فكانوا في ذلك الموقف ,فتحولوا الى الموقف المحايد([41]) .

ونعتقد بسبب هؤلاء المحايدين كان راي الامام (عليه السلام) أن يتعامل مع جميع المتواجدين معه بخطاب أخلاقي واحد بدون تميز يحمل بين ثناياه الشفافية ونتيجة البقاء معه ,ووضوح مصير الجميع .

والامام (عليه السلام) بسبب سمو ورفعة أخلاقه لم يبخل على أهل بيته واصحابه بالخطاب مره واحد فحسب ,بل تكرر الخطاب مرات عديدة من خروجه المدينة الى كربلاء قبل مقتله بليلة واحد وحتى صباح العاشر من محرم .

وفي ذلك الخطاب يركز على مسألة أخلاقية وأنسانية بحته جدا هي حرية اتخاذ القرار,فتقدير منح الاخرين حرية القرارليس بالامر الهين ,فالموقف حساس والامام (عليه السلام) بحاجة لكل الافراد من الجماعة في المعسكر .

قرار البقاء أو الانصراف للجميع

أ.نموذج اخلاقي في المسير من مدينة جده الى كربلاء (بطن العقبة).

أشرنا الى لفظ الشفافية والوضوح في المصير , فعندما سار(سلام الله عليه ) من زبالة حتّى نزل بطن العقبة وفيها قال لأصحابه: «ما أراني إلاّ مقتولاً، فإنّي رأيت في المنام كلاباً تنهشني، وأشدّها عليَّ كلب أبقع»([42]).

ثم قال (عليه‌السلام): «إنّهم لَن يدعوني حتّى يستخرجوا هذه العلقة من جَوفي، فإذا فعلوا ذلك سلّط الله عليهم مَن يذلّهم حتّى يكونوا أذلّ فِرَق الاُمم»([43]).

وهنا يكشف ابي عبد الله (عليه السلام) عن المصير المحتوم الذي ينتظره ,فيمهد لخطابة القادم .

ب. قبل مقتله بليلة واحده .

الامام (عليه السلام) قد خير اصحابه أكثر من مرة في اللحوق به او التخلي عنه ,فكان (عليه السلام) يردد هذه العبارات :ـ ليس عليكم مني ذمام([44]), فانطلقوا في حل ليس عليكم مني ذمام ,هذا الليل قد غشيكم ,فأتخذوه جمالا ([45]).

وكان ذلك قريب المساء ,أذ جمع اهل بيته واصحابه ,فخطب ..واُثني على الله أحسن الثناء وأحمده على السرّاء والضرّاء، اللهمّ إنّي أحمدك على أنْ أكرمتنا بالنبوّة، وعلّمتنا القرآن وفقّهتنا في الدين، وجعلت لنا أسماعاً وأبصاراً وأفئدةً، ولَم تجعلنا من المشركين. أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عنّي جميعاً.

وقد أخبرني جدّي رسول الله (صلى‌الله‌عليه ‌وآله وسلم) بأنّي ساُساق إلى العراق فأنزلُ أرضاً يقال لها عمورا وكربلاء، وفيها اُستشهد. وقد قرب الموعد. ألا وإنّي أظنّ يومنا من هؤلاء الأعداء غداً. وإنّي قد أذِنت لكم فأنطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام. وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً خيراً! وتفرّقوا في سوادكم ومدائنكم، فإنّ القوم إنّما يطلبونني، ولَو أصابوني لذهلوا عن طلب غيري([46]).

وبهذا الخطاب الاخلاقي النوعي ياذن الامام (سلام الله عليه ) لجميع من في معسكره بالانصراف ولااشكال شرعي على أحد منهم ,وهنا يظهر معدن الاخلاق الحقيقي من الاهل والاصحاب بالاصرار على البقاء معه (عليه السلام),ولكن القائد لم يعبر عن اصرارهم بالفرح والسكوت ,بل واصل العطاء الاخلاقي في الحرب ليكشف لهم عن المصير قائلا : ((إنّي غداً اُقتل وكلّكم تقتلون معي ولا يبقى منكم أحد)) ([47]) ,فكانوا ضمائرنا حره وحيا .

ت . أخلاقه (عليه السلام) مع المحايدين .

1. في قصر بني مقاتل([48])

في هذا الموضع اجتمع به(عليه السلام) عمرو بن قيس المشرفي وابن عمّه ,فقال لهما الحسين: «جئتما لنصرتي؟»

قالا له: إنّا كثيروا العيال، وفي أيدينا بضائع للناس ولَم ندرِ ماذا يكون، ونكره أنْ نضيع الأمانة.

فقال لهما (عليه‌السلام): «انطلقا، فلا تسمعا لي واعية ولا تريا لي سواداً؛ فإنّه من سَمِع واعيتنا أو رأى سوادنا فلَم يجبنا أو يغثنا، كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أنْ يكبّه على منخريه في النّار([49]).

بغض النظر عن حجة عمرو بن قيس المشرفي وابن عمّه أن كانت صحيحة أو مجرد عذر ,ربما ممكن أن يقول لهم الامام (عليه السلام) أن ارسل رسول لاداء أماناتكم أو نقل عيالكم للمدينة وقاتلوا معي !

و يستطيع (سلام الله عليه ) أن لايحذرهم من سماع الواعية أو رؤيا السواد والمصير الاخروي في  ترك نصرته !

ولكن هيهات ان تكون أخلاقيات أمامنا الحسين (عليه السلام) على هيئة افكارنا القاصره ,فاراد باخلاقه (صلوات الله عليه )  ان يبين لهؤلاء لكم حق الاختيار ,بل ويحافظ على سلامتهم من الحساب ,لانه (سلام الله عليه ) ليس داعيا لحرب .

2. مع هرثمة بن ابي مسلم.

هرثمة هذا شهد صفين مع امير المؤمنين (عليه السلام ) حسب قوله ,فيقول في الطريق في منصرفه من صفين أو ذهابه اليها,حينما حاذى الامام علي (سلام الله عليه ) أرض كربلاء ,حدثهم عما يجري في كربلاء ,فقال (( وأها لك ايتها التربة ليحشرن منك اقوام يدخلون الجنة بغير حساب )),فتذكر هرثمة هذا القول عندما كان مع قوم عمر بن سعد في كربلاء,فعزم على ان يترك ابن سعد .

وجاء الى الامام الحسين (عليه السلام) ,فروى له ما سمعه من امير المؤمنين (عليه السلام) ,فكان هرثمة يعرف قيمة المكان وقيمة القضية , حينها ساله الامام الحسين (عليه السلام) : معنا انت أم علينا ؟

فقال هرثمة :لامعك ولاعليك ,خلفت صبية اخاف عليها عبيد الله بن زياد .

قال له الامام الحسين (سلام الله عليه ) : فامض حيث لاترى لنا مقتلا ولاتسمع لنا صوتا ,فوالذي نفس حسين بيده لايسمع اليوم واعيتنا أحد فلا يعيننا الا كبه الله لوجهه في نار جهنم ([50])

فنلاحظ تصرف الامام ابي عبد الله (عليه السلام ) مع هرثمة الذي خانته الارادة ,فقد نصحه الامام بما ينفعه ,ولم يغضب عليه او ينفعل لموقفه ,فهذا الجانب الاخلاقي من سلوك الانبياء والائمة المعصومين (صلوات الله عليهم اجمعين ).

وباعتقادنا القاصر فان الامام (عليه السلام) تعامل مع هرثمة وفقا من منطلق القاعدة الواردة في القران الكريم ,أذ جاء في  قوله تعالى :(قذكر انما أنت مذكر ,لست عليهم بمسيطر ) ([51]).

3.بعض المرافقين لمعسكره(عليه السلام) في ليلة التاسع

أ.الطرماح ,فعندما طلب منه(عليه السلام) بعض الاشخاص أن ينصرفوا أذن لهم ,فكان من بينهم الطرماح ,فقال للامام : انا لدي ميرة([52])لآهلي بالغذاء والطعام ,فاذن لي حتى اوصل لهم ميرتهم واعود اليك ,فأذن له الامام (عليه السلام) ,فذهب الطرماح ولم يعد الا بعد استشهاد الامام (سلام الله عليه ) واصحابه([53]).

ب. أحد اصحابه بلغه أن ابنه قد وقع أسيرا في الراي ,وكان هذا الخبر في ليلة العاشر من محرم ,فاخبر الامام (عليه السلام) ,فاذن وقال له : رحمك الله انت في حل من بيعتي ,فاذهب واعمل في فكاك ابنك .واعطاه ثوبا .

 

وقال له : فأعط ابنك محمد ـ وكان معه هذه الاثواب البرود يستعين بها في فكاك أخيه([54]).

خامسا : اخلاق الامام (عليه السلام) مع الجنود في معسكره .

فقال الغلام :سيدي ياابا عبد الله ,هذه لحظة السعادة ساعة الفوز كيف افوتها على نفسي .وهذا الغلام لم يكن له اقارب ومعارف ,بل كان غريبا ,وخرج الغلام الى المعركة ,فاستشهد ,فاقبل الامام الحسين (عليه السلام) نحو الغلام ,وميزه وانحنى عليه ووضع خده على خده ,فقد كان الغلام فيه رمق من الحياة ,ففتح عينيه وراى الحسين واضعا خده على خده ,فابتسم وطارت نفسه فرحا وسرورا ,وقال: من مثلي وابن رسول الله واضع خده على خدي([56])

وهكذا نرى التعامل الاخلاقي عند مدرسة العطاء الامام الحسين (عليه السلام)الذي يسوده الرفق والعطف والرحمة حتى مع الغريب ,فلاتميز ,ولاعنصرية كل المعسكر سواسية في المحبة ,الغريب قبل القريب ,فالقريب اول من ينزل الى ساحة القتال ,والغريب أخر من يقاتل ,فحياة الغريب عند سيد الشهداء (سلام الله عليه ) أهم من حياة القريب . والحمد لله رب العالمين .

 

 

المصادر

 

1.القران الكريم .

2. ابن الاثير , عز الدين علي بن ابي الكرم الشيباني .

ـ الكامل في التاريخ ,ط4 ,مؤسسة التاريخ الاسلامي , بيروت ـ 1414هـ.

3.البلاذري ـ أحمد بن يحيى بن جابر

ـ أنساب الأشراف ـ تحقيق محمد حميد الله . , ط,القاهرة,معهد المحفوظات, 1959, وطبع ليدن.

4.البحراني , عبد الله

ـ العوالم ، الإمام الحسين (عليه السلام), تحقيق: مدرسة الإمام المهدي (عليه السلام),ط1 المحققة ,سنة 1407هـ .

5.الترمذي  ، أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة .

ـ ,سنن الترمذي ( الجامع الصحيح ) تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف ، بيـروت – دار الفـكر  ( ط3 – 1983  )   ,و مصطفى الحلبي.

6.الجوهري، إسماعيل بن حماد

ـ الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية،  تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، ط4، دار العلم للملاين ـ بيروت، 1407 هـ ـ 1987 م  .

7.ابن حجر ـ أحمد بن علي بن محمد بن علي الكناني العسقلاني

ـ الاصابة في تمييز الصحابة. ,  تحقيق علي محمد البجاوي,ط دار الجبل ـ بيروت .

8.الراغب الأصفهاني .

ـ مفردات الفاظ القرآن، تحقيق محمد سيد كلاني، ط2، المكتبة المرتضوية.

9.السماوي , محمد بن طاهر .

ـ ابصار العين في انصار الحسين , ط1 ,مركز الدراسات الاسلامية , طهران ـ 1419هـ.

10.الشاكري , حسين

ـ  شهداء   اهل البيت ( مسلم بن عقيل ) , ط-1 , مطبعة ستاره , الناشر المؤلف , ايران /  1420 هـ .

11.الصدوق , أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين.

ـ عيون أخبار الرضا ,ط1 , مؤسسة الاعلمي للمطبوعات , بيروت ـ 1404هـ.

12.الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير .

ـ تاريخ الرسل والملوك،,تحقيق:نخبة من العلماء الأجلاء، ط5, مؤسسة الاعلمي ـ بيروت  1409هـ.

13.الطبري ,محب الدين ، الحافظ أحمد بن عبد الله

ـ  ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى، بغدادـ1984.

14.الطبرسي ،أبي منصور أحمد .

ـ إعلام الورى, دار الكتب الاِسلامية ـ تهران ـ قدم له السيد محمد مهدي الخرسان ,ط3.

15.العجلي، أحمد بن عبد الله بن صالح أبي الحسن

ـ  تاريخ الثقات، ترتيب نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي،  وتضمينات أبن حجر العسقلاني، علق عليه، عبد المعطي القلنجي، دار الكتب العلمية، بيروت،1405هـ/1984م.

16.الفيروزابادي، مجد الدين محمد بن يعقوب

 ـ القاموس المحيط،  ط2، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ـ مصر، 1371 هـ .

17.ابن قولويه ,ابي القاسم جعفر بن محمد القمي.

ـ  كامل الزيارات ,تحقيق: الشيخ جواد القيومي، مؤسسة النشر الاسلامي ,ط1 سنة 1417 هـ

18.القمي ,عباس

ـ  نفس المهوم في مصيبة سيدنا الحسين المظلوم ,ط1 ,دار المحجة البيضاء ,  1421هـ .

19.المقرم ,عبد الرزاق

ـ مقتل الحسين ,ط1 , مكتبة ال علي ,قم ـ 1424هـ.

20.القرشي ,محمد باقر

ـ حياة الامام الحسين بن علي (عليه السلام ) ، ط1 ، (النجف ، مطبعة الاداب ، 1974) .

21.لجنة الحديث في معهد باقر العلوم

ـ موسوعة كلمات الإمام الحسين   , ط الثالثة،( 1416 - 1995 م).

22.الامين ,محسن بن عبد الكريم الحسيني العاملي ,نزيل دمشق ,

ـ أعيان الشيعة, تحقيق السيد حسن الأمين قدس سره ــ ابن المصنّف, طبعة دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان,لسنة 1406 هـ ـ 1986م.

23.ابن ماجة,محمد بن يزيد

ـ  سنن ابن ماجة،تحقيق:محمد فؤاد عبد الباقي،ب.ط،دار الفكر،(بيروت-ب.ت).

24.أبو مخنف , لوط بن يحي

ـ مقتل الحسين. المطبعة الحيدرية ، النجف.

25.ابن منظور، جمال الدين محمد بن مكرم

ـ لسان العرب، ( نشر أدب الحوزة ـ قم , 1405 هـ ) .

26.المتقي الهندي، علاء الدين بن علي

ـ كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال،  تحقيق, الشيخ بكري حياني، والشيخ صفوة السقا، مؤسسة الرسالة – بيروت، 1409 هـ ـ 1989 م  .

27. المفيد ، محمد بن محمد بن النعمان العكبري

ـ الارشاد ، المؤتمر للشيخ المفيد ( قم المقدسة 1413هـ ) .

28.المجلسي ,محمد باقر

ـ  بحار الأنوارالجامعة لدرر أخبار الأئمة الاطهار ، ط2، (بيروت ، مؤسسة الوفاء ، 1983).

29.المحمودي ، محمد باقر

ـ نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة ، (بيروت، مؤسسة المحمودي ، د. ت) .

30.محمّد رضا الحسيني الجلالي.

ـ الحسين (عليه السلام) سماته وسيرته , دار المعروف للطباعة والنشر،(قم  ـ 1415هـ).

31.مدير ، كاظم .

ـ  الحكم من كلام الامام امير المؤمنين علي (ع) ، ط1 ، (مشهد ، مؤسسة الطبع والنشر التابعة للاستانة الرضوية المقدسة ، 1417هـ).

32.مجاهد منعثر منشد الخفاجي

ـ المختار الثقفي صاحب مبدأ وعقيدة ,ط1, مسجد الكوفة المعظم والمزارات الملحة به , 2013م.

33.النيسابوري , زين المحدثين محمد بن الفتال .

ـ روضة الواعظين ,المقدمة العلامة  السيد محمد مهدى السيد حسن الخرسان ,منشورات الرضي قم – إيران.

34.النوري ، ميرزا حسين

ـ  مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، تحقيق مؤسسة ال بيت، بيروت ، مؤسسة ال البيت ، 1987 .

35.النجفي ,هادي .

ـ  الشهيد مسلم بن عقيل ( عليه السلام ), موسوعة أحاديث أهل البيت  ,طبع طهران .

أخترنا لك
(رصاصة الرحمة)

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة