خواطر.. ستمضي الأيام.. لتصبح ذكرى

2021/07/23

بقلم / نجوى معروف// الراية

للسفر فوائد، لا تُحدَد بأرقام كتبها القدماء، أهمها معرفة الذات خارج منطقة الراحة، وتقبّل الآخرين، وتكوين العلاقات، وتوسيع دائرة الأفق والإدراك، وتجديد النشاط وتنويعه، والتخلّي عن بعض العادات واكتساب أفضل منها، وتغيير بعض الأفكار البالية، والإبداع وغيرها الكثير.

السفر هو حب الاستطلاع والتعرف على خلق الله وأرضه الواسعة، وكسر روتين الحياة تجنّبًا للملل، وقياس الإقبال والقدرة الشخصية على ممارسات جديدة، ومحاولة الاسترخاء الذي لا يتحقق بمجرد الانتقال لمكان آخر مهما كان هادئًا وفخمًا ومُكلفًا، بل يحتاج لإرادة وتدريب كباقي الأشياء التي نعلمها، لكننّا لم نتقن أداءها بعد.

السفر يُبرز هوية الوطن من خلال المواطن، فهو مَن يعكس ثقافة بلاده وحضارتها، فلنكُن خير سفراء لبلادنا أينما حللنا، سواء للسياحة أو للعلم أو للعمل، ليس من باب التسويق، بل اعتزازًا بهويّتنا وإخلاصًا للوطن الذي يستحق منّا الأفضل.

لكل امرئ ما نوى، غالبًا ما يجد كل منّا ما سافر لأجله، إلاّ أننا قد نتعرض لمواقف ومفاجآت سارّة أو سيئة، تُبيّن قدرتنا في السيطرة على سير الأمور، والتحكم في ردود أفعالنا، كلها إشارات لها دلائل تنبهنا إلى نقاط قوتنا وضعفنا، حدوثها سيُضيف لنا ولن ينتقص منا.

سمعنا وقرأنا كثيرًا عن معرفة معادن الأصدقاء خلال السفر، وكلها وجهات نظر تبقى نسبيّة باختلاف المعايير والمفاهيم، إلاّ أننا لا نسافر مع رفاقنا لنكتشفهم ونتصيّد هفواتهم، فالاختلافات البسيطة قد تكون كثيرة، كمواعيد النوم ومُدّته وكمية الطعام والنشاط وحتى الكلام بين الهدوء والثرثرة، أحدهم يسافر للتسوّق ويكرم نفسه بتوازن، بينما غيره مُسرفٌ أو حريص أكثر من اللازم، والآخر يحب الآثار والمواقع التاريخية، هناك من ينام باكرًا بينما يسهر غيره للفجر، من المفترض ألا تصدمنا الاختلافات ولا تجعلنا نحكم بالخطأ أو الصواب على أحد، تلك التفاصيل لا تعنينا بشيء، التغاضي فضيلة لمن استطاع إليها سبيلًا، من الأفضل أن نُركز على أنفسنا وقدرتنا على التعايش مع الآخرين دون مقارنة، وعلى التأقلم مع المتغيرات، ومقاومة المغريات التي تبدو اعتيادية في الخارج، لكنها ليست كذلك لدينا!

الرحلات الجماعية ممتعة إن أحسنّا اختيار الرفاق والاتفاق المُسبق على بعض الأمور، كوضوح التكاليف، ومن المفترض ألاّ يؤثر التباين في القدرات المالية على العلاقات السليمة المبنية على المودة وحُسن العِشرة، كل ما في الأمر أن نتقن فن المسافات من تقارب وتباعد ضمن الساعة البيولوجية الخاصة بالآخرين، فلا نخترق خصوصياتهم حدّ المضايقة ولا نُهملهم حد التجاهل، نحترم ساعات الاسترخاء والنشاط، ولا نُعلّق على مقدار طعامهم ولباسهم ومصاريفهم، فالترصّد وكثرة الانتقاد والتوجيه أمور مستفزة، وحُسن النية لا يبرر التجاوزات، بل يبني حواجز قد لا نُدركها إلا بعد فوات الأوان.

عن نفسي، سأرافق خفاف الظل ممن لا يُجْرون مسحًا ضوئيًا على الكائنات والكلمات بحثًا عن السلبيات، يستمتعون بالبساطة والفخامة، بالشمس والبحر والبر، ينثرون البهجة ويثيرون الضحك ويعانقون الفرح قبل أن يخونهم من جديد.

استمتعوا بأنفسكم أينما كنتم، الحياة قصيرة، واليوم سيصبح ذكرى تعطّر مرحلة الكهولة والوهن، إن كتب الله لنا عمرًا أطول، فأحسنوا صناعة ذكرياتكم.

يا أيّها العمر السريع خذلتني

ووضعت أحمالًا على أحمالي

خُذني إلى عُمر الصغارِ لأنني

لم أنتهِ من ضحكة الأطفالِ

أخترنا لك
استغلال المرأة جنسيا

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة