خارج الحدود.. استسلم لعله خير

2021/06/10

إيمان عبد العزيز آل إسحاق

 

إنّ كلمة الاستسلام بحد ذاتها قد تكون من التفكير السلبي، والتي تترافق مع النفي «لا تستسلم» جملة نسمعها كثيرًا في حياتنا في كل مرة يصيبنا فيها شعور اليأس أو الإحباط، لكن أحيانًا يكون الاستسلام فعلًا مفيدًا عندما يرتبط بفعل التخطي والمضي قدمًا بدل التحسر والانتظار!.
على سبيل المثال يمكن لأي واحد منا أن يكون قد مر بتجربة حب انتهت بفراق، أو عمل لم يُقدر له، أو مسؤول لم ينصفه ويعطيه حقه. فالاستسلام لواقع أن العلاقة انتهت وأن لا خير لي بهذا العمل وتغيير جهة العمل، هو أفضل مما قد تنتهي إليه قناعتنا بالحسرة والبكاء والذل والضعف، وذلك لأننا ببساطة نتحكم بالتصرف بقناعاتنا أكثر بكثير من التحكم بعاطفتنا، التي غالبًا ما تسوقنا وتأخذنا نحو شعور القوة والنجاح والبحث الدائم عن بقعة ضوء خلفها أمل بأن هناك الأفضل بالقبول والقناعة بما كتبه الله لنا فكله خير.
نعم الأمر يتطلب جهدًا كبيرًا، والجهد الكبير نابع من داخل كل منا، وهذا يحتاج وقتًا وتحضيرًا، أي أنه لا يمكنك أن تتخذ قرار الاستسلام بأن علاقتك مع شخص انتهت وأن ذاك العمل غير مناسب لطموحه وأن هذا الإنسان الظالم لن يعوقني عن المضي بحياتي ولن أتوقف عن أي شيء.
أوقف عداد التفكير عند التصالح مع فكرة أن هذا الطريق لابد لي من تغييره، وأن القدر المكتوب خير لي، لابد في البداية التخلص من كل ما يدعوك للتعلق بالماضي وبالشق الذي يكدر حياتك. سامح الجميع على هفوات الماضي وسامح نفسك لأننا في النهاية بشر، وجميع البشر غير معصومين من الحماقات والأخطاء. وقد لا يكون الموضوع خطأ أحد، وإنما مجرد طريق غير سالك لك فلا تبالِ.
البحث عن أدوات مساعدة أمر ضروري ومهم جدًا لنجاح التخطي، والاستعانة بأصحاب الخبرات والأصدقاء والأهل أمر جيد ومفيد، فالوقت الكثير يجبرنا على إعادة التفكير، فعليك ألا تلوم نفسك ولا تعاقبها فالخطأ وارد في كل حياتنا وخطواتنا وليس هناك بشر معصوم من الخطأ.
أتذكر، عن نفسي: مررت بتجارب عديدة أخذ مني بعضها سنوات حتى أخيرًا استسلمت لفكرة أن والدتي ماتت، وأنها رحلت إلى دار الحق وأنها لن تعود. إنني أعيشُ في هذه الحياة مثلًا وأن هذا قدر حتمي فرض عليّ مواقف عليّ تقبلها كما هي والاستسلام لفكرة أنني مهما فعلت فلم أستطع تغيير هذا الواقع فتعايشت بحضورها بقلبي وذكراها وبرها حتى بعد مماتها.
استسلمت لواقع أن كل شيء يحدث لسبب، فتخطيت الكثير من المواقف التي ربما كانت ستخطو بشكل أو بآخر نهاية حياتي. وإلى اليوم ما زلتُ أعاني كثيرًا للوصول لمرحلة الاستسلام، ولأنهي وأدفن علاقات وأشياء كثيرة من حياتي دون أن أترك لها أثر جرح يُذكر يؤلمني في كل مرة يمر بذهني ويعصف بمخيلتي.
نحن وحدنا المسؤولون عن قرار الاستسلام المفيد والناجح، وعلينا فقط البحث عن مفاتيح التخطي وإيجادها والاحتفاظ بها لنستخدمها في كل مرة نكون فيها متيقنين بأنه حان الوقت لإغلاق باب أو فتح باب جديد في حياتنا.
التجارب كفيلة بمساعدتنا على اكتشاف الوقت المناسب لاتخاذ القرار، لكنني كلما ذكّرت نفسي دائمًا أحب أن أذكّركم قرائي جميعًا بأن الوقت الذي نفقده بالتفكير والحيرة والضيق والاضطراب، إنما نفقده من حياتنا نحن، وأنه علينا أن نكون أقوى. القوة التي في داخلنا تحتاج منا فقط إلى القليل من الشجاعة والحكمة في اختيار الوقت المناسب لإخراج آلة الفتح أو الإغلاق.
وفي ختام الحديث أقدم لكم الجرعة السحرية التي غيّرت حياتي إلى الأبد وهي تقبل الواقع بكل سلبياته قبل إيجابياته، فدائمًا وراء السلبيات خير نجهله، وخلف الأبواب المغلقة خير وفير.. فهذا وحده كفيل بتخطينا لكل الصعاب، والقناعة والتسامح هما من أفضل أمور ديننا وهما من وصايا الحبيب، صلى الله عليه وسلم.
لذلك أستسلم للقدر وأنا أشعر بالأمان والراحة وبأن القادم أفضل بإذن الله، وبأنني أحيانًا بحاجة للمساعدة وبأن الطريق المليء بالنور والفرح والخير والرزق ينتظرني فأضع حمل الألم في أقرب فرصة أستطيع اقتناصها والوصول إليها. شكرًا لكل من يقف بطريقي وينير دربي ويقدم لي الخير دون مقابل.

 

أخترنا لك
الحشد الشعبي بين قانونية الوجود ودعاوى الالغاء

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة