همسة ود.. مصدر الشعور بالأمان

2021/03/20

قصة فرنسية معبّرة منسوبة لكاتب مجهول، تقول: كل عام كان أهل الطفل «مارتان» يصطحبونه في القطار ليقضي عطلة الصيف عند جدته، عندها يتركونه ويعودون في اليوم التالي، ثم في أحد الأعوام، قال لهم: أصبحت الآن كبيرًا.. ماذا لو ذهبت إلى جدتي هذا العام وحدي؟

وافق الأهل بعد نقاش قصير، وفي اليوم المحدد وقفوا على رصيف المحطة يكررون بعض الوصايا عليه.. وهو يتأفف.. لقد سمعت ذلك منكم ألف مرة.

وقبل أن ينطلق القطار بلحظة، اقترب منه والده وهمس له في أذنه: خذ، هذا لك إذا ما شعرت بالخوف أو بالمرض. ووضع شيئًا في «جيب» طفله. جلس الطفل وحيدًا في القطار دون أهله للمرة الأولى، يشاهد تتابع المناظر الطبيعية من النافذة ويسمع ضجة الناس الغرباء تعلو حوله، يخرجون ويدخلون إلى مقصورته.. ومراقب القطار تعجب ووجّه له الأسئلة حول كونه دون رفقة، حتى إن امرأة رمقته بنظرة حزينة.

كل هذا أربك «مارتان» وشعر بأنه ليس على ما يرام، ثم بدأ يشعر بالخوف…فتقوقع ضمن كرسيه واغرورقت عيناه بالدموع. في تلك اللحظة تذكر همس أبيه وأنه دسّ شيئًا في «جيبه» لمثل هذه اللحظة، فتّش في «جيبه» بيد مرتجفة وعثر على الورقة الصغيرة.. ففتحها وقرأ العبارة التالية: «يا ولدي، أنا في المقصورة الأخيرة من القطار» .

كذلك هي الحياة، نطلق أجنحة أولادنا، نعطيهم الثقة بأنفسهم.. ولكننا يجب أن نكون دائمًا موجودين في المقصورة الأخيرة طيلة وجودنا على قيد الحياة.. مصدر شعور بالأمان لهم.

كم هي رائعة المعاني وراء هذه القصة القصيرة، وكم هو رائع حنان الوالدين، وبالأخص الأب ووجوده في حياة أبنائه في كل وقت يحتاجون إليه، ففي الحقيقة لم يحظ دور الآباء في تربية الأطفال إلا بالقليل من الدراسة. وكأن المجتمع يلقي بمسؤولية دعم الأطفال نفسيًا وعاطفيًا على عاتق الأم، أما الأب، فإن دوره يقتصر على دعم الأم اقتصاديًا.

من المفترض أن تكون العلاقة بين الأب وابنه كشأن العلاقة بين الأم وصغيرها، قوامها الارتباط العاطفي وإدراك احتياجات الطفل النفسية والعاطفية والاستجابة له، لكن الآباء تتوطد علاقتهم بصغارهم من خلال اللعب معهم أكثر من الاهتمام بهم، فالعمل طوال اليوم خارج المنزل يجعل الأب أكثر ميلًا لممارسة الألعاب الصاخبة مع الطفل لتعويض الوقت الذي يغيبه عنه، ولأن اللعب هو لغة الطفولة، التي يستكشف بها الأطفال العالم، ويبنون بها علاقاتهم مع غيرهم، فإن مشاركة الأب الفعّالة في تربية الطفل منذ الولادة، وقضاءه وقتًا أطول معه في أوقات لعبه يعودان بفوائد عديدة على صحة الطفل النفسية.

mozalmalki@hotmail.com

أخترنا لك
بومدين جَلّالي: قراءة في "جرح وطن.. عينية الوجع العربي"

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة