ما بين السطور.. الصراع مع الزمن

2021/03/07

د.حصة العوضي

نسابقه فيسبقنا بأشواط طويلة، ومراحل عمرية لا يمكننا حصرها، نصارعه، فيتغلب علينا، بضربة واحدة فقط من المفاجآت المرعبة.. يسيّرنا، ولا يمكننا أن نسيّره، يأخذ منا كل شيء، أعمارنا، أعيادنا، أحلامنا، أحباءنا، لكننا لا نستطيع أن نقتلع من بين يديه ولا حتى لحظة واحدة زيادة على الوقت المحدد لنا..

يمر الزمان من بين أيدينا، ونحن لا نستطيع الإمساك به، أو تقييده، أو سجنه في دهاليزنا وأقدارنا.. رغم أنه خفي، لا يمكن رؤيته، إلا أننا نلاحقه، ونسعى من خلفه أيامًا وشهورًا، وسنوات لا يمكن استعادتها أو محاولة العودة إليها.. الزمن اليوم، الساعة الحالية، ننتظر متى تتحرك عقارب الساعة وتنتهي تلك المحاضرة التعيسة. ننتظر متى يأتي الغد، لنبدأ يومنا الأول في الوظيفة والعمل، أو في المدرسة، أو في الجامعة، أو في قاعة الأعراس نحتفل بنا، وبدخولنا عالمًا جديدًا وعهدًا جديدًا.. ولا نأبه إن كان ذاك الانتظار، وذلك الترقب والقلق، يقتطع من زمننا الخاص لنا على وجه هذه الأرض، لا نأبه إن كان يقترب بنا من القفص الذهبي أو القبر.. لا نلقي بالًا إلى تلك الفترة الزمنية الفاصلة بين لحظة الانتظار الأولى وهذه اللحظة..هو يصرعنا، ونحن عاجزون حتى عن الإمساك بتلابيبه ومعاقبته على التأخير، أو التقديم، أو التأجيل، أو الإلغاء، لا يمكن أن نحرك له ساكنًا.. فهو يسكننا بتوتره ومراقبته يمر من بين أعيننا، كالسيل، يحطم ما أمامه من أفراح، وطموحات، وتطلعات، وخطوات واثقة بالغد والمستقبل.. يطحننا فنصمت، ونلقي اللوم على من حولنا، أنت المسؤول، أنت المسؤولة.. أنتم، وأنتم وأنتم.. لكننا لا ننسب إلى أنفسنا تلك التهمة البغيضة، التي نلقيها على كل من هب ودب، فهم علاقاتنا التي تحتمل كل مساوئنا وتعقيداتنا، وتأخرنا الدائم مع كل ما حولنا.. الزمن، المسؤولية، الالتزام، حمل ثقيل على عاتق من يعرف قيمة هذا الزمن، ينخر فيه لحظة بلحظة، وهو يحاول أن يتسابق معه، في رحلة حول الكرة الأرضية، ومع المثابرة والسعي الجاد، يمكن لأي كان أن يكون أقوى من لحظات الضعف، وزمن التراخي، ما يجعله يتغلب على زمنه، وعلى المواعيد التي كان يلزمه بها ويعاقبه عليها أشد العقاب.

لحظات تمر بسرعة البرق، تخطف معها ابتسامات ضائعة، وضحكات مشوقة، وعواطف متقلبة، ومخططات كثيرة، تظل قيد الأجهزة الإلكترونية، أو بين الأدراج والرفوف المليئة بالغبار. ونحن ضائعون معها.

متى سنحاول أن نتمسك بلحظاتنا وأزماننا الراحلة دون وداع، وأن نلتزم بها وبكل ما يتطلبه انتهازها بكل ما يفيد ويبقى لنا، حتى بعد انقضاء كل الأزمان.

hissaalawadi@yahoo.com

أخترنا لك
الأول من نوعه // صدور كتاب تحقيق عمود نسب خفاجة في الأرجوزة الخفاجية الكاملة

(ملف)عاشوراء : انتصار الدم على السيف

المكتبة