الجميع يعلم مدى أهمية مرحلة الطفولة المبكرة والتي تُعتبر من أهم مراحل تأسيس حياة الفرد، كما أنها ترسم خطًا منهجيًا للشكل الاجتماعي لحياة أفراد المجتمع المدني، ولهذا فإن العديد من الدراسات والأبحاث العلمية أظهرت نتائج عميقة في مجالات علم الأعصاب وعلم الوراثة المتقدمة والتغذية وتنمية الطفل وبيانات تقييم البرامج التنموية عن مدى التحسن الحاصل في مؤشرات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي الذي يُعزى بمجمله إلى مدى قدرة أهل الاختصاص والأسرة على توفير المناخ الآمن للفرد في مرحلة الطفولة المبكرة، ومن خلال النتائج المرصودة قام خبراء الاقتصاد في البنك الدولي بإنشاء برامج متخصصة في تنمية الطفولة المبكرة في سبيل تحقيق نتائج مميزة في مجال التنمية المستدامة والذي يحقق اقتصادًا في المصروفات العلاجية المستنزفة في مجالات التعليم ومحو الأمية، كما أنه تم رصد نتائج مذهلة لبرامج تنمية الطفولة المبكرة التي كثيرًا ما ساعدت على التخفيف من حدة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وقدرتها على تحقيق المعنى المثالي لمبدأ المساواة بين الجنسين التي عادة ما تقسّم من قبل المجتمعات وفق طبقات سكانية تستوجب مع مرور الزمن اتخاذ إجراءات علاجية مكلفة لحلّها بعد امتثال الجهات الخدمية لفهم عمق المشكلة الاجتماعية بين أفراد المجتمع المدني.
تُعرَّف برامج تنمية الطفولة المبكرة دوليًا على أنها البرامج التي تهتم بالأطفال بدءًا من مرحلة ما قبل الولادة وحتى سن الثامنة، كما يتمحور عمل هذه البرامج حول تقديم مجموعة من سُبل الدعم للعائلات والمجتمعات والمؤسسات التي تعزز القدرة المعرفية بأهمية رعاية المجتمع الناشئ لضمان سلامة المستقبل الواعد، وهذا ما جعل برامج تنمية الطفولة المبكرة تهتم بالأطفال من جوانب عدة مثل: الصحة والغذاء والحماية من الأذى، فضلًا عن توفيرها فرصًا للتعلم الممتع والتي تعزز من الشعور بالهوية وتقدير الذات، إضافةً إلى أنها تعمل على تمكين الطلاب من التواصل والاتصال بفاعلية مع الآخرين، وهذا ما يجعلها مثالية لما تحققه من معايير تلتحم بشكل أو بآخر مع معايير التنمية الشاملة بالدولة، وفي هذا الخصوص تعتبر السياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والجغرافية والسياسية أساسية في تحقيق استدامة عملية التنمية.
تنمية الطفولة المبكرة تحمل في طياتها التأثير العميق على مستوى الخدمات الصحية والمجتمعية والوقاية من الأمراض وتأمين الصحة التي من خلالها تحقق سلامة شاملة بصحة الأم والطفل واستمرارية التغذية والتنمية الشاملة المتعلقة بالركيزة الاجتماعية، والتي تشمل تقديم الرعاية قبل وبعد الولادة واللقاحات، ومراقبة النمو، والصحة العقلية والنفسية لكلا الطرفين الأم والابن، وهذا ما يحقق الاستثمار الجيد في مجال التعليم في السنوات الأولى من المرحلة الابتدائية ومرحلة الطفولة المبكرة والتي تتمحور حول التهذيب السلوكي والاجتماعي من دون تمييز، وهو منهج تنموي يوفر للمؤسسات والبرامج المتنوعة والمتخصصة في مجال القيادة وبناء القدرات المجتمعية والحكومية فرص التواصل البنّاء بين أفراد المجتمع المدني المؤثر بشكل إيجابي على منهجية الحراك السياسي بالمنطقة.
في الختام نجد أن مراقبة البيانات التنموية المتعلقة بالتنمية البشرية، من تحليل التدخلات ومساراتها والعمليات والنتائج المتعلقة بالآثار المعنية بالتدخلات المختلفة، تستوجب من المؤسسات الخدمية التفعيل الفعال للدور المعني بالوعي العام على صعيد عدة مستويات من خلال وسائل الإعلام والشخصيات المعروفة واستعراض نتائج الدراسات الميدانية والأبحاث الأكاديمية في سبيل تسليط الضوء على مدى أهمية العناية بالسنوات الأولى للطفل ومدى تأثيره على الصورة العامة لثقافة المجتمع وقدرته الاعتمادية مع مرور الزمن.
خبير التنمية البشرية