د. ريكان ابراهيم
ريكان ابراهيمسقطت كما فارسٌ عن فرس
ودون اتفاقٍ مع الموتِ صرتُ
أُمارسُ قطعَ النَفس
أهذا أنا أم "أنا" آخرٌ
تُرى أينَنِي؟
تلمّستُ كُلّي ببعضي، وبعضي
بكُلّي...
وفتشتُ كلَّ المواضعِ حولي
ولكنّني لم أجدني
أهذا هو الموتُ جاءَ ولم يخترمني؟
أيمكن هذا لأنّي
عصيٌّ عليه فبينَ يديهِ، نعم في
يديهِ ويُحجِمُ عنّي؟
إذن يستطيعُ ولكنَّهُ ربَّما شغَلَتْهُ
تفاصيلُ دَفني
وفرَّ إلى آخرٍ جاهزٍ للرحيلِ
فمَدَّدَ فترةَ سَجْني ...
نعم إنه الموتُ يحبو على
مرفقيهِ ويبدو نشيطاً
وأسرعَ مِنّي
نعم، إنه لا يخاف ولكنه
يستحي من عبادٍ تهبُّ سراعاً
إلى ربِّها ...
تُكفّرُ عن ذنبها...
**
(2)
كبرتُ فصرتُ صغيرا
وطلتُ فصرتُ قصيرا
تضاءَلَ حجمي، تناقص وَزني
نعم قد صغرتُ فهاجَمني هادِمُ
الأُمنياتِ،
صديقي على الرُغمِ مِنّي،
يُدقّقُ فيَّ...
يُنادي عليَّ...
يقولُ لمن مَعه (أنا لا أراهم) يقولُ:
اتركوهُ سنأتيهِ في جوْلةٍ
قادمة
فقد صار يشقى...
إذنْ سوف نُحصي الذي قد تبقّى
**
(3)
هنا... ها هنا... بماذا أُفكّرُ؟
كيفَ أُفكّرُ، ليسَ لديَّ
سواي أنا
أواجِهُ في هذه اللحظةِ الحاسمةْ
- جداراً أمامي
- وآخرَ خلفي
-أأقرأُ شيئاً؟
أأكتبُ؟ ماذا؟
أنا الآنَ ماذا؟
أنا الآن أمّيةٌ كاملةْ
أنا الآنَ (سندانةٌ) فوقَها
مِطرقةْ
أنا الآن دودةُ قَزٍّ تمرُّ
بمرحلةِ الشرنقةْ
إذن...إنّهُ الموت... تجربة رائعة
وتصويبةٌ رادعة
لقد كنتُ أسمعُ عنها الكثيرَ...
رأيتُ الكثيرَ...
ولكنَّني لم أكُنها، كما لم
تكنّي،
فقد غاب عنّي
بأنّي المُرشّحُ للجولةِ الضائعة
وأنّي المفضَّلُ بينَ الجميعِ
طعاماً لتمساحِ جوعٍ
سيذرفُ حولي دموعَ الفرحْ
ويشدو كثيراً من الأُغنياتِ
على عُودهِ
**
(4)
أنا الآنَ في المقبرةْ
هُنا قَبرُ أُمِّي
هنا والدي...
هناكَ أخي...
وهذا أنا بعد حينٍ إذا
مرّتِ التجربةْ
نعم إنني الآنَ في المقبرة
تماماً على بابها
وليس بجسمي... ولكن بروحي...
بذهني... بصورة عيني...
بضحكة طفل البراءةِ عندي
نعم صرتُ وحْدي
أتدري كم أستغرقَ الأمرُ
مِنِّي؟
أجبني فقد كانت الساعةَ
الصِفْرَ في المعركةْ
ومِنْ قبلُ لم أعرفِ الموتَ فِعلاً
ولم أخترق تهْلُكةْ
ولكنّني قد ملأتُ الفراغ بـ (لا شيءَ)
حُزْني
وهندستُ لحني كأنّي
أُغنّي...
كأنّي أُؤذنُ وقتَ صلاةٍ
بدون مصلّى
أقولُ: أتدري كم أستغرقَ
الأمرُ عندي؛ أبتداءً من
السَقّطةِ البكرِ في الفخِّ
حتّى تلاوةِ لحني، مروراً
بِرحلةِ ذهني إلى المَقبرةْ
لقد أخذَ الأمر ثانيةٌ واحدةْ
ولكنْ رأيتُ بها كُلّ عمريْ
أجبني وإنْ لم تُجبني أُجبكَ
لكي تتعلَّم كيف تعدُّ مسافة موتك
حين تموتُ
فأنتَ صعيفٌ أمام الفناءِ
وبيتًكَ أوهنُ كُلِّ البيوت
**
كريحٍ تجوبُ الفيافي
كذِئبٍ بدا قادماً من فراغِ
المجاعة
كمُهرٍ مُكِرٍّ مُدْبرٍ معاً
أتى كي يراني
وصرتُ أراهُ
وأوّلُ صدرٍ سقطتُ على
قوسِهِ كان صدري
وأوّل صوتٍ تنامى إلى مسمعي
كانَ صوتَ شهيقي
**
(5)
تَعلَّمتُ من محنتي ما جَهِلتُ
ففي الموتِ فِقْةٌ وفلسَفة
لا تراها الحياةْ
بثانيةٍ واحدةٍ
تجمّع عندي على مائدةْ
فحولُ القصيدةْ
وكُلُّ مجانينِ عبقَر
أيحلمُ غيري بمثلِ الذي قد رأيتْ؟
أأثثَ غيري على شاطئِ الموتِ
بيتْ؟
تعلّمتُ من محنتِي أنَّ "كيفَ" و"أينَ"
يهونانِ مبنىً ومعنىً أمامَ "متى"
لأنَّ "متى الانتظارَ" و"أنَّ متى الاندحارَ"
أساسٌ لسرِّ العلاقةِ بيني وبينَ الحياةْ
وأنّي أمام السؤالِ الكبيرِ خروفٌ يُقَادُ
إلى مَقصلةْ
وتبقى "متى" موعداً للِّقاء بذئبٍ
تمنّيتُ أن أجهلَهْ
؟
***
د.ريكان إبراهيم