نجوى معروف
مهما تغيّرت أضلاع المثلث يبقى مجموع زواياه ثابتًا، نحن لم نتعلم من دروس الفيزياء ما يقينا شر أنفسنا، لكننا في عمرٍ ما أدركنا أن كل شيء موجود بنسبة وتناسب، وأننا لسنا نقطة ارتكاز كما توهمنا، لكننا أثقلنا على أنفسنا لنوازن حيوات غيرنا، وكان الأجدر بنا أن نتركهم يتعثرون كما تعثرنا إلى أن يقفوا في الأماكن التي يريدونها مهما كانت بعيدة عنّا.
وبعد عمرٍ لم نلحظ كيف مضى، تخطف جوارحنا الحكمة ونتمنى لو يعود بنا الزمن ونحن على نفس القدر من المعرفة بأنفسنا وبحقوقنا وواجباتنا ونملك أغلى ما نملك من وقت لنحيا من جديد بعقليتنا الحالية، لكن هيهات هيهات! إنها معادلة صعبة لكنها الحقيقة التي نصل إليها بعد كان يا ما كان لن يرجع الزمان.
لسنا أعمدة أسطوانية ولا علاقة لنا بالأشكال الهندسية، لكننا ولسبب ما يُسعدنا أن نتخيل ذلك، فنقنع أنفسنا بالشكل واللون الذي يعكس حالتنا الهرمونية، قد نختار أن نكون مركز الدائرة ونقطة ارتكاز كون وهمي، ألا وهو عالمنا الصغير جدًّا جدًّا والذي نظنّه لنا، نتصوّر أننا المُعلّم والممول والحكيم والقاضي والمعماري الذي عليه أن يحلّ العُقد ويعيد تركيب الأدوار كمكعبات لعبة الليغو الملونة، وأننا إن لم نفعل ستنهار المنظومة، بينما تلك المكعبات أقوى منّا ولديها القدرة على أن تَترَتّب كبُرادة الحديد بين قطبي الحياة من شمالها إلى جنوبها دون استئذاننا.
لطالما رغبنا في الهروب أو الانعزال في سبيل قسط من الراحة أو لهدنة مع الذات، لطالما شارفنا على الانهيار لكننا نهضنا كي لا ترتطم نجوم سقوفنا العالية بالأرض، وأقنعنا أنفسنا ونحن على شفا حفرةٍ أن الانهيار ضرب من ضروب الغنج والدلال الذي قد نُحاسب عليه! فقررنا الصيام حتى تلمع آخر نجمة في هلال غد أفضل.
ولولا أن كان لنا من جبر الخواطر نصيب يشبه سقيا الخير والبركة، كبسمة رضا من هذا ونظرة إعجاب من ذاك، كلمة ثناء أو زيارة أو تهنئة أو عزاء، وربما نجمة ذهبية ألصقتها المعلمة على ورقة الإملاء، ولولا من سخّره الله لنا يومًا جابيًا لعثرات الكرام، لكنّا كأصدافًا هشّة على شاطئٍ غدره الليل بجَزْرٍ عتيد.
الصمود في الحياة.. شهيقٌ وزفيرٌ يومي في منجمٍ تسمع فيه أصوات الرفاق يتساقطون.. يقاومون الميْل، بعضهم يسند الجدار وآخرون يرفعون السقف، ليلوذ القلّة بالماس، ولماذا يبحث الناس عن الماس ولا هواء فيه ولا ماء ولا شفاء!
تنقلب الحياة بلحظة، بخبرٍ يأتي عبر البحار، برفّة قلبٍ تمرّدَت على الانتظام، بتخثّر قطرة دمٍ لم تحتمل الخذلان، بحجرٍ يزلّ أقدامنا، بتجاوز السرعة في يوم مزدحم، تنقلب الحياة بتقلّب القلوب علينا لا معنا، حينها تخور قوانا في لحظة ويبقى جاهنا ممنوعًا من الصرف، حتى يأخذ كل ذي حقٍ حقّه في الميراث ويدير دفّة حياته كما يريد، ونحن لسنا على يقين بقوة ذريتنا أو ضعفها ولكننا على يقين بأن الله يتولّى خلقه وكل أمرهم، ولنا في قصص الأولين عبرة ولنا في الجائحات دروس.
سبحان من يُزيل الحُب ويبدله، وسبحان من ينزع الشعور ويزرع غيره، وسبحان من يجعل أول همّك آخر همّك، سبحان من ينسيك كل شيء، سبحان مغير الأحوال، اللهم غيّر حالنا إلى أحسن حال.