بقلم مجاهد منعثر منشد
أضع بين أيدي القراء الكرام أحد الوثائق المهمة, وهي رسالة من رؤساء العشائر في الغراف(1) إلى شعلان أبو الجون والحاج عبد العباس ومزهر الحرجان .
ويبدو من تاريخ هذه الوثيقة النفيسة الصادرة في 2صفر سنة 1941 أنها بعد الحرب العالمية الثانية حيث ازدادت المشاعر القومية والوطنية في العراق بين الشخصيات السياسية الوطنية من أجل تحرير البلاد من الاحتلال البريطاني الثاني.
وقبل أن نضع نص الرسالة المرفقة كنسخة أصلية بين أياديكم الكريمة, لابد أن نحيط الموضوع ببعض الظروف السياسية المختصرة وصداها في البلدان العربية . .
ولا يخفى أن المتصدي الأول وصاحب الدور الرئيسي ضد الاحتلال البريطاني في العام 1941 هم ضباط حركة مايس (العقداء الأربعة), فبعد أن ابرق الكيلاني استقالة وزارته إلى الوصي في الديوانية، محملا اياه مسؤولية المواقف كاملة، ويتهمه بالخضوع للإدارة الاجنبية , فقد شكلت تلك الاستقالة أقسى استقالة قدمتها وزارة عراقية (2).
وكانت الحكومة البريطانية قد أخذت تضغط على الوزارة الجديدة لتحقيق رغبتها العازمة على ازاحة العقداء الاربعة من مركز الصدارة في الجيش العراقي, وهذا واضح في كتاب السفير البريطاني الذي قدمه إلى وزارة خارجيته في الاول من أذار 1941، والذي يشكو فيه تباطؤ العميد الهاشمي في تنفيذ رغباته تلك بقوله : لقد مضى شهر منذ إن أصبح الجنرال الهاشمي رئيسا للوزراء00وكانت المهمتان الرئيستان موضوعتين امامه، عندما جاء إلى الحكم في الاول من شباط، تحسين العلاقات مع الحكومة البريطانية وكبح جماح الزمرة العسكرية التي لعبت دورا بارزا وغير دستوري في الأحداث التي أدت إلى استقالة رشيد عالي، وإلى الان لم يفعل طه الهاشمي سوى القليل لتسوية أية مهمة منها، ولايبدو أنه يتآمر مع المحور مباشرة أو متواطئ يدا بيد مع الزمرة العسكرية، إلا أنه لم يتخذ أية خطوات إيجابية سواء لإرضاء المطالب الأكثر إلحاحاً للحكومة البريطانية، أو لمنع مزيد من التدخل من جانب الجيش في أمور حكومة البلاد(3).
وهذا يبين لنا بشكل واضح بان ضباط حركة مايس كان لهم الدور الريادي في مواجهة الاحتلال البريطاني .
ولذلك لجأ العقداء الاربعة إلى تعزيز علاقتهم بالقوميين فلجأوا إلى تأسيس حزب سياسي سري (اللجنة العربية السرية) ضمت هيأته التأسيسية كبار قادة القومية العربية، الذين أطلقوا على أنفسهم اسم ( اللجنة العربية السرية ) والذين أقسموا أن يعملواعلى ما في وسعهم، وبكل ما أوتوا من قوه لإنقاذ البلاد من براثن الاستعمار وتحقيق استقلالها التام(4).
ونعتقد بأن الاسماء من رؤساء القبائل في الغراف قد أنضموا لهذه اللجنة , لاسيما بينهم عضو مجلس نيابي هو رئيس قبيلة خفاجة الشيخ صكبان العلي .
مما شكل ذلك بداية تصدر هذه الكتلة للقرار السياسي والعسكري، ومن ثم مواجهتها العسكرية ضد القوات البريطانية في مايس 1941.
ولم يكن سقوط وزارة الكيلاني نهاية للمد القومي في العراق، فقد بقي الرأي العام العراقي خاضعا لتأثير القوى القومية في العراق ، كما ظل القادة الاربعة يسيطرون على الجيش الذي يدين أكثره بالولاء لهم.
ولا نريد الخوض في التفاصيل لكي لا نخرج عن موضوع الوثيقة, لكن أثار عمل القوميين موجة عارمة من الحماسة والوطنية، فخرجت الجماهير إلى الشوارع مجرد سماعها النبأ، وهي تهدد باللعنة على البريطانيين وعلى أعوانهم في العراق، وانهالت على مبنى رئاسة الوزراء الألاف من برقيات التأييد للثورة، وكان أكثر المؤيدين حماسة هم المدرسون الشباب وطلابهم ذوي المشاعر القومية، كذلك جاءت الوفود من كل انحاء العراق الى بغداد لتضع نفسها تحت تصرف الحكومة القومية الجديدة، كما أعلنت المنظمات والنوادي القومية مثل نادي المثنى بن حارث الشيباني والجوال تأييدهما ودعمهما للثورة، في المقابل اخفقت جميع محاولات الوصي عبد الاله باستمالة أبناء العراق من شماله إلى جنوبه للوقوف معه ضد الثورة .
وهكذا قررت الحكومة البريطانية غزو العـراق للقضاء على الثورة القومية، فبعد مناورات سياسية طويلة بدأ جنود الاستعمار البريطاني بالنزول في البصرة في 29 نيسان 1941، ثم قاموا وبشكل مفاجئ في صباح اليوم الثاني من مايس من العام نفسه بمهاجمة القوات العراقية معلنا بذلك بدء الحرب البريطانية – العراقية(5).
وكان لهذه الثورة صدى عربي كبير, إذ على الفور أعلن الفلسطينيون تطوعهم في الحرب تحت إشراف الجيش العراقي، وفي هذه الاثناء كان المفتي الحاج أمين الحسيني في قمة نشاطه المساند للثورة في العراق فاخذ على عاتقه أثارة الرأي العام العربي والإسلامي ضد بريطانيا عن طريق الإذاعة التي أعلن من خلالها الجهاد، ودعا كل مسلم قادر على الأشتراك في الحرب ضد أكبرعدو للإسلام .
وإن العلماء في النجف الاشرف وبغداد كذلك أصدروا الفتاوى بإعلان الجهاد المقدس ضد بريطانيا المعتدية، وكان لهذه الفتاوى أثرها الواضح في رفع المعنويات وإذكاء شعلة الكفاح المسلح.
وكان تأييد الشعب المصري لثورة نيسان – مايس تأييدا مطلقا لا نها ثورة وطنية وقومية موجهة ضد الاستعمار البريطاني، ولان الشعب المصري الخاضع للاحتلال البريطاني، كان يريد هزيمة الاستعمار البريطاني لاحبا في المنتصرين من المحور، ولكن كراهية في المهزومين.
وكذلك ساهمت الشعوب العربية رجالا كمتطوعين من سوريا ومصر ولبنان مع الجيش العراقي .
وهكذا فإنّ هذه الوثيقة التي تحث شعلان أبو الجون والحاج عبد العباس ومزهر الحرجان في الفرات الاوسط على الانضمام إلى صفوف الجهاد استدلال أخر على الروح الوطنية لرؤساء عشائر الغراف الذين هم بالفعل من ضمن الوطنيين في تلك الثورة , وهذا نص الرسالة المرفقة
بسم الله تعالى
إلى مقرات اخواننا الكرام شعلان أبو الجون والحاج عبد العباس ومزهر الحرجان وكافة اخواننا الصادقين المحترمين .
السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته لا يخفاكم إننا نكتب لكم بعد ما جمعتنا وإياكم روابط عده رابطة النسب ورابطة الدين ورابطة الوطن ورابطة المبدأ الذي لازلتم من أنصاره وأعوانه .
وقد بذلتم في سبيله كل ما عز وغلا مما خلف لكم في تاريخ العراق ذكرا جميلا وأننا وإن كنا على يقين من أنكم لا تحدون ولا تميلون عن خطتكم الشريفة فيها جميع ولكن(6) سكوتكم سر لا نعرفه مع أنكم قلب العراق وإذا سكت القلب مات الجسم والعياذ بالله فالفرص مناسبه والوقت قد حان والحق قد ظهر
ونحن أخوانكم عشائر الغراف منذ شهرين اعلنا رغائبنا وطالبنا بحقوق أمتنا وسنطالب مهما كلفنا الطلب .
وأننا نعتقد بأن اصواتنا تصلكم ودوي القنابل التي لاتعرقلنا عن غايتنا تقرع مسامعكم فهل لكم بسكوتكم عذر وأنتم اتم الدين نفختم في الأمة العراقية روح البسالة والمقادات في سبيل منعها فنحن نرسل لكم كتابنا هذا راجين ان نجني من ورائه الفوائد العظيمة التي تعود على أمتنا بخير وسيكون رابطة اتصال بيننا وبينكم ونرجو بيان بشائر مبحثكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . 2 صفر سنة 1941 م.
رئيس بني سعيد رئيس بن زيد رئيس بن ركاب رئيس بن ركاب
ابراهيم اليوسف محمد الشلال نايف المشاني سليمان الشريف
رئيس بن ركاب رئيس خفاجة رئيس ال حميد
مزعل الحمادي صكبان العلي موحان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الهوامش والمصادر
(1) الغراف حاليا قضاء من أقضية محافظة ذي قار ,والرؤساء هم زعماء القبائل الأصلية في العراق .
(2) جعفر عباس حميدي ، التطورات السياسية في العراق 1941 - 1953، ص33.
(3) F.O. 371/ 27063 , Sir B. Newton ,to Mr . Eden , Baghdad , Ist March 1941.
(4) الحسني ، تاريخ الوزارات ، ج5، ص209-230 ,
(5) هناك دراسات عديدة تناولت تطورات العمليات العسكرية من الجانبين ، منها دراسة محمود الدرة ، الحرب العراقية البريطانية 1941، ، ودراسة فيريد فيلب شرويدر، حرب العراق 1941، ترجمة فاروق الحريري ، بغداد 1982.
(6) و لاكن الصحيح تكتب (ولكن). وربما تأتي لا كن بمعنى أخر رغم أن العبارة واضحه.